صمام أمان الاسرة
دخل أحمد بيته وعلامات الضيق والحزن على وجهه، فلما رأته زوجته هيام، تعجبت.
هيام: ما لي أراك متغير الوجه؟
أحمد: لقد حدث اليوم شيئًا لم يكن في الحسبان.
هيام في اهتمام: ما الذي حدث؟
أحمد: لقد تعرضت الشركة اليوم لخسارة كبيرة، مما سيؤثر على راتبي، فسيجعله النصف.
هيام: لا حول ولا قوة إلا بالله، لعله خير إن شاء الله، ولكني لا أريدك أن تقلق من ناحية مصاريف البيت.
أحمد في تعجب: كيف؟
هيام: لقد كنت أدخر من المصروف الشهري الذي كنت تعطيه لي جزءًا من المال، وهذا المال الذي أدخره يكفي مصاريف البيت لمدة شهرين.
أحمد وقد انفرجت أساريره: أنتِ أعظم زوجة رأيتها، شكرًا يا حبيبتي.
ثم قام أحمد بتقبيل رأس زوجته، امتنانًا منه لها على حكمتها في إدارة البيت.
أهمية الادخار:
إن الادخار هو صمام الأمان لكل أسرة، والادخار له عدة فوائد مهمة وجوهرية؛ منها أنه العاصم بعد الله عز وجل في كثير من الأزمات، والثاني أن تلبية أي طلب جديد أو تجديد أي من الأثاث أو المنزل أو السيارة أو الأجهزة لن يكون إلا عبر هذا المال المدخر.
وأمر آخر مهم جدًّا، وهو أن رفع مستوى دخل الأسرة المادي لن يتم إلا من خلال الادخار، ومحاولة استثمار هذا المال المدخر بصورة ما؛ مما يتيح للأسرة فرصة تنمية مواردها ورفع مستواها، وكذلك فالادخار مهم في بداية الحياة الزوجية؛ حيث تقل النفقات نظرًا لقلة عدد أفراد الأسرة، وكذلك لأن معظم أثاث المنزل جديد وكذلك الأجهزة.
وأيضًا يكون الادخار مهمًّا في حالة الفرص غير العادية أو غير المتوقعة؛ كسفر ونحوه، فيجب استثمار هذه الفرص لتنمية المدخرات.
معالم الرؤية المشتركة:
إن مسألة المال والحقوق المالية من المسائل الهامة، التي إن لم يتم الاتفاق عليها بين الزوجين دب الخلاف في تلك الأسرة؛ حيث أن المال عصب الحياة وعليه يقوم أمر الناس وتتحقق مطالبهم.
وغالبًا ما تنشأ المشاكل في هذا الموضوع من:
ـ النفقة وحدودها.
ـ إسراف الزوجة.
ـ الذمة المالية للزوجة.
فإذا أراد الزوجان أن يعيشا حياتهما بدون مشكلات مؤثرة، فعليهما من البداية أن يتفقا على أسلوب الحياة، ويضعا النقاط فوق الحروف في طريقة العيش، وما هي الأولويات التي يسعون إليها؟ وإذا كانت المرأة تعمل وتتكسب، فهل سوف تشارك في المعيشة بمالها الذي تتكسبه؟ وفترة غيابها عن البيت أثناء عملها، وإن شاركت فهل ستشارك بمالها كله أم بجزء معين؟ ... إلخ.
دعائم صمام الأمان:
حتى يكون الادخار فعال، يجب أن يكون هناك دعائم لهذا الادخار، وهي تتمثل في، عدة أمور، يجب على الزوجين الاتفاق عليها، وهي كالآتي:
1- مال الزوجة:
إن الزوجة العاملة تواجه مشاكل كثيرة بسبب عملها خارج البيت، وتتباين المفاهيم بين الأزواج وزوجاتهم حول استقلالية المرأة براتبها، وحجم الصرف منه على نفسها وبيتها، وربما توفر الخلافات بهذا الشأن ظلالًا يخيم على جوِّ الود والتفاهم بين الزوجين بعض الوقت.
فمثلًا؛ يتفقان على قدر معين من المشاركة، ويترك بعد ذلك جزءًا للمرأة تتصرف فيه كما تشاء، وهذا بالطبع ليس إلزامًا ولكنه يكون عن تراضٍ منها، وإن كانت غير ملزمة شرعًا بذلك، وفي حالة يسر الرجل فالأولى له ترك مال الزوجة للزوجة فهذا أفضل لقوامته عليها وأسكن لنفسها.
2- خدمة الزوجة لزوجها:
والرؤية المشتركة هنا هو اتفاق الزوجين على القيام بالخدمة، وهل الزوجة هي التي تقوم بها أم الخادمة؛ لأنها قد تكون موضع اختلاف بين الزوجين.
وما نراه أن خدمة المرأة لزوجها من الأمور الهامة والضرورية في الحياة الزوجية، وبدونها لا تستقيم المعيشة؛ ولذلك فقد قال أغلب أهل العلم بوجوب خدمة المرأة زوجها، يقول ابن تيمية في مجموع الفتاوى: (تجب الخدمة بالمعروف، وهذا هو الصواب، فعليها أن تخدمه الخدمة المعروفة من مثلها لمثله، ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال، فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية، وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة) [مجموع فتاوى ابن تيمية، (34/90-91)] وعلى الزوج ألَّا يكلف زوجته بما لا تطيق، وإلا فعليه أن يعينها بنفسه أو بتوفير خادم.
3- إدارة شئون المنزل:
وهي أمور مشتركة يقوم بها الزوجان، ولكني أخص بالذكر هنا الزوجة، فالزوجة المسلمة مقتصدة غير مسرفة، لا تتباهى بمال زوجها إن كان غنيًّا ولا تشكو من قلته إن كان فقيرًا، تعرف متى تنفق، مدبرة غير مسرفة، راضية بقسمة الله لها في كل شيء، قنوعة بما رزقها الله تعالى، فالمرأة في بيت زوجها أمينة على ماله وعياله؛ كما جاء في الحديث الصحيح: (والمرأة راعية في بيتها زوجها ومسئولة عن رعيتها) [متفق عليه].
4- الفعالية في تيسير الأمور المنزلية:
الأسرة تلك المؤسسة المهمة، وعلى الرغم من صغرها فهي مازالت أهم المؤسسات في المجتمع، واعتبار الأسرة مؤسسة يتطلب وجود كيان إداري له أهداف وخطط يدير ذلك الصرح الصغير، ومن أهم الإدارات الداخلية لتلك المؤسسة هي الإدارة المالية، والإدارة المالية للأسرة مهمة جدًّا، إذ أن المال هو عصب الحياة وبه تكون النفقة واستمرارية الحياة.
وغالبًا ما تتداخل مجموعة من المؤثرات في كيفية توزيع الدخل عند وضع ميزانية ما لأي أسرة على أبواب الصرف المختلفة؛ مثل مقدار الدخل، عدد أفراد الأسرة، طبيعة عمل الزوج، وعمل الزوجة، مكان سكن الأسرة، ما يتمتع به أفراد الأسرة من مواهب وما لهم من قدرات، فكلها عوامل تتفاعل وتتداخل لتحدد أبواب الصرف وأهمية كل باب.
ومن المهم جدًّا عند وضع خطط الميزانية الاستفادة من تجارب الآخرين في هذا المجال، وخصوصًا من يجيد التخطيط في الإدارة المنزلية وممن يكبرنا في السن.
وعند وضع أية خطة منزلية لابد من مشاركة جميع أفراد الأسرة أو معظمهم على الأقل؛ وذلك لأن المشاركة في التخطيط غالبًا ما تساعد على إنجاح أي خطة، وتضع الجميع في موضع المسئولية، وتضع كذلك المبررات لمعظم التصرفات، وفي حالة الأزمات يكون هناك نوع من التراضي والتفاهم فيما يمكن الاستغناء عنه لمواجهة الأزمة، ونرفع اللوم عن أي طرف من الأطراف، وأيضًا هي مناخ جيد لصياغة تربوية جيدة للزوجة والأولاد فيها نوع من المشاركة في تحمل المسئولية والإيجابية وعدم السلبية، وكذلك ملكة وموهبة التخطيط في الحياة عمومًا.
الخطط الناجحة بعد المعايرة:
لكي تنجح أي خطة لابد من تجربتها لمدة عام على الأقل، ورصد الإيجابيات والسلبيات فيها، ومن ثَم محاولة تعديلها، ومن ثَم التقييم للوصول إلى خطة أكثر واقعية وأكثر نجاحًا، وهنا قد تبرز مشكلة مهمة وسؤال مهم: هل الإنفاق على الأسرة يحتاج كل هذا التعقيد؟ معظم الأسر تسير والحمد لله؟! وهذه مشكلة المسلمين عمومًا، حيث أن الوقت المبذول في التخطيط وكذلك الجهد أهون بكثير من أزمة مالية طاحنة تعصف بالأسرة، وتخيم جو الكآبة والحزن على جميع أفراد الأسرة، وقد كان يمكن تلافيها ببذل بعض الوقت في التخطيط.
والسؤال المهم الآن: كيف أضع خطة لإدارة الأموال في أسرتي؟
والجواب على هذا الأمر: أن لكل أسرة خصوصية في وضع خطة تناسبها، ولكن هناك ثوابت يمكن الانطلاق منها لكل أسرة، والتفاصيل تختلف باختلاف عدد أفراد الأسرة وحجم الدخل السنوي لها.
أولًا: حساب المصروفات الثابتة شهريًا، كإيجار المنزل، الفواتير المختلفة.
ثانيًا: تدوين الدخل المالي، ويكون بحساب كل النقود المتوقع الحصول عليها خلال العام، سواء مرتبات أو أرباح مشاريع أو غيره، ويكون بالنسبة للموظفين هو راتب الشهر مضروبًا في 12 أي عدد الأشهر، وبالنسبة لمن يشتغلون في التجارة أو الأعمال الحرة يحسب المتوسط خلال السنوات الخمس الأخيرة.
ثالثًا: حساب الدخل الصافي؛ وهو بعد طرح المصروفات الثابتة من إجمالي الدخل وصافي الدخل، هذا هو الذي يُخطَط لكيفية إنفاقه.
رابعًا: بعد تحديد صافي الدخل المتبقي للإنفاق اليومي، تبدأ مرحلة أخرى من التخطيط، بحيث تُحدد نسبته للادخار، ولتكن مثلًا 10 : 20% من الدخل الصافي، ويمكن أن يزيد مع زيادة الدخل، خاصة في بداية الزواج قبل أن تكثر الأعباء الزوجية.
خامسًا: بعد ذلك يتم تقسيم الدخل، فتحدد نسبة للطعام، ونسبة أخرى للمواصلات، والمصروفات الشخصية، ومصاريف الترفيه وهكذا.
ماذا بعد الكلام؟
1. إذا كنتِ ذات مال فتعاوني مع زوجك في الإنفاق بالاتفاق، وأفضل النفقة والقربة إلى الله هي نفقة الرجل على زوجته وعياله، وكذلك الحال بالنسبة للمرأة؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: (دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار على أهلك، أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك) [رواه مسلم].
2. احتسبي هذه النفقة صدقة وصلة رحم؛ فعن أسماء رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أنفقي ولا تحصي فيحصي الله عليك، ولا توعي فيوعي الله عليك) [متفق عليه]، (والإيعاء: جعل الشيء في الوعاء، والمعنى: لا تمسك في الوعاء فيمسك الله عنك، ومثلها لا تحصي فيحصي عليك) [بالمعروف، د.أكرم رضا، ص(234)].
3. لا تمنِّي على الزوج بعد الإنفاق مراعاة لشعوره؛ (والدين والعقل لا يرضيان للمرأة أن تُظهِر علوها على الرجل) [حقوق الزوجية، الجزء الثالث، الشيخ عطية صقر، ص(351)].
المصادر:· حقوق الزوجية، الجزء الثالث، الشيخ عطية صقر.
· بالمعروف، د.أكرم رضا.
· مجموع فتاوى ابن تيمي
منقووول