(ألا له الخلق والأمر)
بقلم الدكتور نظمي خليل أبو العطا
عندما نزل قول الله تعالى : ( ألا له الخلق والأمرتبارك الله رب العالمين )الأعراف : 54 .
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : من بقي له شيء فليأخذه .
فهذه الآية الجامعة الكافية حددت حدود الإنسان التي يجب أن لا تخطاها وإلا هلك كما أثبتت للخالق سبحانه وتعالى ما يجب له، وحددت للمخلوق ما لا يجب له.
فالخلق: إبداع الشيء من غير أصل ولا أحتذاء وعلى غير أنموذج سابق ولهذا قال سبحانه وتعالى في الفصل بينه سبحانه وتعالى وبين خلقه (أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون ) النحل : 17 .
والأمر: هو الشأن وجمعه أمور ويقال للإبداع أمر كما في آية : ( ألا له الخلق والأمر ) ويختص ذلك بالله تعالى دون الخلائق، وقد حمل على ذلك قوله تعالى (وأوحى في كل سماء أمرها) وقوله تعالى: (قل الروح من أمر ربي ) الإسراء : 85، وقوله (إنما قولنا لشيء إذا أردناه كن فيكون ) النحل: 40 إشارة إلى إبداعه سبحانه وتعالى كما قال الأصفهاني رحمه الله في مفردات ألفاظ القرآن والأمر: هو التدبير والتصرف فيها كما يشاء وهو التقدم بالشيء سواء كان ذلك بقولهم أفعل ولا تفعل.
فالله سبحانه وتعالى رب كل شيء ومليكه الخالق المبدع للنبات والإنسان والحيوان والكائنات الحية الدقيقة والجماد والملائكة والجان وجميع المخلوقات.
وأنه سبحانه وتعالى خالق الخلق بميزان الحكمة وبالقدرة المطلقة ولم يخلق عباده عبثاً كما يدعي العلمانيون(بفتح العين ) والدارونيون الماديون التطوريون من أن الخلق خلق بالصدفة والطفرة وتطور بالأنتخاب الطبيعي، هو إدعاء لا يقوم عليه دليل علمي واحد، وتكذبه المخلوقات بلسان الحال والمقال.
فالإبداع، والتنظيم، والإتزان في المخلوقات يوجب أن يكون الموجد عليماً خبيراً لطيفاً رحيماً بيده مقاليد الأمور، وإليه جميع التدبير وهذه الصفات ليست إلا لله وحده سبحانه وتعالى عم يصفون، فالخالق سبحانه وتعالى واحد أحد فرد صمد (لم يلد ولم يولد ولم يكون له كفؤا أحد ) سبحانه ليس كمثله شيء.
ولله الأمر من قبل ومن بعد فهو الآمر بالعمليات الحيوية أعطى كل شيء خلقه ثم هدى بالخصائص العامة والخاصة فكل ميسر لما خلق له.
ولا يمكن للخالق أن يتركه عباده هملاً فأرسل إليهم الرسل وأنزل معهم الكتاب والميزان، وأمر بالعدل والإحسان ونهى عن الفحشاء والمنكر والبغي فلا مشرع إلا الله (له الحكم وهو أسرع الحاسبين ).
ومن لم يأتمر بأمر الله فقد ضل سواء السبيل، والداعون إلى نبذ شرع الله واهمون جاهلون لا فقهون، فكل خلل في الكون مرده إلى البعد عن أمر الله، وكل مصلحة للعباد تكمن في طاعة العباد لرب العباد، فهو المحلل والمحرم والمشرع، والمجازي على الإحسان، والمعاقب على المعصية والكفران.
فلا يحق أن يكون هناك أمر بعد أمرالله، ولا نقض لحكم الله، ولا بديل لأمر الله، فمن لم يحكم بما أنزل الله فقد ضل سواء السبيل، وحاد عن الصراط المستقيم.
فما دام الخلق لله والأمر لله، ونحن عبيد الله وعباده، فعلينا أن نحمد الله سبحانه وتعالى، ونعبده وحده، ولا نشرك به أحداً من خلقه، وعلينا أن نستعين بصحاب الخلق والأمر في كل دقائق حياتنا، ونطلب منه وحده الهداية إلى الصراط المستقيم وأن يجنبنا صراط المغضوب عليهم و الضالين.
ومادامت الأمور محصورة في الخلق والأمر فهذه الآية من الآيات الجامعات الكافيات، وهي تكفي لصلاح الأمة وسعادتها وأمنها وأمانها فهل من مدكر؟.
فيا شباب الأمة إذا علمتم أن الخلق لله والأمر لله فما بالكم لا تطيعون ربكم ولا تعمرون كونه بنواميسه في الخلق وتحصرون عبادته في الشعائر وتهملون الشرائع، والبعض والعياذ بالله يستعين بالعباد ويترك رب العباد، ويرفع العباد إلى درجة رب العباد ويدعونهم ويتركون صاحب الخلق والأمر، والله لو فهمنا هذه الآية فهماَ حقيقياَ علمياً شرعياَ لما تركنا شبراً في هذا الكون لم نعمره بشرع الله وبنواميس لله في الخلق .