بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق؛ ليظهره على الدين كلِّه وكفى بالله
شهيداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً به وتوحيداً، وأشهد أن محمداً عبده
ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّما تسليماً مزيداً، أما بعد :
* فيقول الله عز وجل في محكم التنزيل: (وَأَمَّا بنِعِْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ).
قال العلامة السِّ عدي:"وهذا يشمل النِّعم الدينية والدنيوية، (فَحَدِّثْ ) أي: أثنِ على الله
بها، وخصصها بالذكر إن كان هناك مصلحة، وإلا فحدِّث بنعم الله على الإطلاق، فإن
التحدُّث بنعم الله داعٍ لشكرها، وموجبٌ لتحبيب القلوب إلى من أنعم بها؛ فإن القلوب
مجبولة على محبة المحسن". ا.ه
* ومن هذه الن عِّمِ الجليلة والم نَحِ العظيمة في أيامنا : ظهورُ السُّ نَّة، واندحارُ البدعة،
وإقبالُ الناس شرقاً وغرباً على التمسك بالمنهج المبارك: المنهج السلفي.
وعلى الانضواء تحت راية أهل السنة السلفيين؛ الذين يهدون بالحق وبه يعدلون؛ من
الصحابة الأخيار، والتابعين لهم بإحسان، والأئمة المهديين؛ كالأئمة الأربعة ومن سار على
نهجهم من العلماء الأبرار، كشيخ الإسلام ابن تيمية، والإمام المجدد محمد بن عبد
الوهاب، وغيرهم من العلماء الناصحين الأخيار.
* ومن عجيب صُ نع ربنا تعالى: أنَّ أهل الباطل قد أجلبوا بخَ يْ لهم ورَ جْ ل هم للصدِّ عن
سبيل أهل السنة السلفيين، فروَّ جوا الأباطيل، وافتروا الأكاذيب، واختلقوا الشُّبه، ومكروا
مكراً كُبَّاراً .
ولكن أبى الله إلا أن يُظهر نوره، وينصر سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فشرحَ الصُّ دورَ
لهذه العقيدة الصافية، وساقَ القلوبَ إلى منهج السلف الصالح، وخذلَ أهلَ الباطلِ ، وردَّ
كيدهم، فالحمد لله أولا وآخراً وظاهرا وباطناً .
* وهذه النعمة المباركة التي نعيشها اليوم، للمؤمن الموحِّد معها آداب شرعية، وضوابط
مرعية، منها :
أولا : حمدُ الله وشُكره على هذه الن عِّمة؛ فإن النِّعمَ تدومُ بالشُّكْرِ، وتَزُولُ بضِِ دِّه.
وهذه النِّعمةُ الدينية أعظمُ عند الموحِّد من النِّعم الدنيوية.
ثانيا : الثباتُ على هذه العقيدة الصافية، والسعي لنصرتها والذب عنها ونشرها أكثر مما
هي عليه الآن؛ لأن أهلَ السُّنة إذا أهملوا الدعوة إلى عقيدتهم والرد على ما يضادها : تسلَّط
عليهم أهل الأهواء والبدع؛ فأفسدوا عليهم شبابهم وعوامهم.
ثالثا :ً الحرصُ على التعلُّمِ والتَّ عليم؛ فإن هذه العقيدة إنما تُ نصر بالعلم والحجة
والبرهان، وأهل الباطل عندهم شبهٌ وأباطيلُ لا يمكن للسلفي ردُّها إلا إذا كان ذا علمٍ
وبيان.
* والدعوات السلفية التي اعتنى أهلها بالعلم والتعليم بقيت وانتشرت وأثمرت؛ كدعوة
شيخ الإسلام ابن تيمية - قدَّس الله روحه- وتلامذته من بعده كالإمام ابن القيم والحافظ
ابن كثير، ودعوة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب – غفر الله له وأجزل له الأجر
والثواب - فإنه لم يَ مُ تْ حتى خلَّف عدداً كبيراً من تلامذته، قاموا بالدعوة والبيان، حتى
أصبحوا فيما بعدُ علماءَ البلدان، وأنصارَ السُّ نة بالحجة والبرهان.
* وكذلك الدعوات السلفية التي هي من ثمرات تلك الدعوة الإصلاحية، في عموم
البلدان الإسلامية : كدعوة أهل الحديث في الهند وما حولها، ودعوة أنصار السنة في مصر،
ودعوة العلامة الألباني في الشام، والعلامة تقي الدين الهلالي في المغرب ، ودعوة العلامة
مقبل الوادعي في الديار اليمنية، وغيرها من الدعوات الإصلاحية التي قامت على العلم
والتعليم، والدعوة إلى الله على بصيرة وهدى، بقيت ثابتة راسخة.
* ومما يُضعفُ الدعوة السلفية : انصرافُ بعض أتباعها عن العلم والتعليم، وحفظ
المتون وتدارس السُّ نن، إلى القيل والقال؛ الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فيكتفي
بعضهم بالانتساب إلى السلفية دون تعلُّمٍ وتفقهٍ في منهج السلف وعلومهم.
ويزدادُ الأمرُ سوءًا إذا تصدَّر هؤلاء العوام في أمر دعوي سلفي؛ فيفسدون من حيث
يريدون الإصلاح.
وأهل السنة - بحمد الله - الرياسة عندهم في الدين: لأهل العلم الناصحين؛ كما ورد
حتى إذا لم يبقَ عالم ؛ ات َّخذَ الن اَّسُ رؤوسا جُ هَّ الا،ً فسئلوا فأفتوا بغير علمٍ ..» : في الحديث
.« فضلُّ وا وأضلُّ وا
* ونصيحتي لمن رزقه الله علماً من إخواننا السلفيين : أن يبذُ لَ علمه في المساجد ودور
التعليم وغيرها، وأن يجلس لتعليم الناس أمر دينهم، وتبصيرهم في المنهج السلفي.
رابعا :ً الحرصُ على الدعوة إلى المنهج السلفي، فإن السلفيَّ الناصح مفتاحُ خيرٍ
لإخوانه، يدعوهم بالعلم والحكمة والوضوح في الدعوة، ويحذرَ كتمان الحقِّ مُ راعاةً
للخلق بدعوى الحكمة! فإن هذا خلاف البلاغ المبين الذي أمر الله به الأنبياء والمرسلين.
خامسا :ً التَّ جرُّ دُ للحقِّ والبُ عد عن التحزُّب للأشخاص، فإذا كان أهل السنة السلفيين
ينهون عن التعصب للأئمة الكبار الم ُتَّ بعين كأحمد بن حنبل ومالك والشافعي وغيرهم،
فكيف بمن هو دونهم ؟!
وإذا كان أهل السنة مع توقيرهم وإجلالهم وتدارسهم لكتب فقهاء الملة؛ إلا أنهم
ينهون عن التعصب المذهبي؛ ذلك أن العبرة بالدليل الشرعي.
أقول: إذا كان الأمر كذلك : فهم ينهون عما يسميه العلامة الألباني – غفر الله له -
"التعصُّب للمشايخ"، فإنه قد جنى على الدعوة السلفية وأنبت : حزبية خفيَّ ة !
فتراهم يحُ ذِّ رون من الحزبية البغيضة وهم واقعون في نوعٍ منها، شعروا أم لم يشعروا !
وترى هذا واضحاً عند الخصومات والاختلاف ؟! فاللهم اكفنا شرَّ الفتن، ما ظهر منها وما
بطن ..
والواجبُ على السلفي : أن يبحث عن الحق، وأن يكون متبعاً للدليل، مع توقير الأئمة
والعلماء.
سادساً : التراحمُ فيما بينهم؛ فقد كان السلف يقولون :"إذا سمعتَ برجل من أهل السنة
في المشرق أو المغرب، فابعث إليه بالسلام، ما أقلَّ أهل السنة".
والله عز وجل وصفَ سلفنا الصالح بأنهم (رُحَمَاءُ بَيْنهَُمْ )، فليكن هذا من سيما أهل
السنة، ومن أخلاقهم المرعية عند التعلم والتعليم لإخوانهم ومناصحتهم، وعند التعامل
بينهم.
وإذا نزُع التراحم من بين أهل السنة؛ تفرَّ قوا، واختلفوا، وسَرقَ أهلُ الأهواءِ مَنْ كان
ضعيفاً منهم، فاللهم ثبتنا يا عزيزُ يا غفَّار .
سابعا : الحذرُ من القولِ على الله بلا علم، والحذرُ من دخولِ المرءِ فيما لا يعينه، فأهلُ
السُّ نة اليومَ - بحمد الله - لا تخلوا منهم بلاد، وهم أقسام:
فمنهم العامي: وكثير من شبابنا من هذا الصنف، ومنهم طلبة العلم وهم درجات،
ومنهم العالم.
فعلى العامي أن يعرف قدر نفسه، وأن لا يخوض فيما لا يحسنه من مسائل الدين،
بدعوى نصرة السنة !؛ لأن السنة لا تنصر بالتكلم في دين الله بلا علم.
وعلى العاميِّ السلفي: أن لا يتصدَّ ر في مجادلةِ أهلِ الأهواء والبدع، فقد يُ لبِّ سون عليه
دينه بما عندهم من شُبه، وليس عنده من العلم ما يردُّ به ضلالهم شبههم.
فعلى العوام والشباب السلفي : الإقبالُ بقلبٍ صادقٍ على طلب العلم، وسؤال العلماء
عماَّ يشكل عليهم.
ثامنا : الصَّبرُ وحسنُ الظَّنِ بالله، فإذا ما تكالبَ الأعداءُ عليكم فاحسِ نُوا الظنَّ بربكم،
وأيقنوا أن الله ناصرٌ دينه، ومعزٌّ أوليائه، وانظروا إلى من سبقكم من أهل السنة؛ كالإمام
المبجَّل أحمد بن حنبل، بقي وحيداً في الفتنة يصدع بالحق ويصبر على الأذى، حتى أظهر
الله أمره، وأعزَّ شأنه، وجعل محبته في قلوب الموحدين.
فاصبروا – بارك الله فيكم - ولا تهنوا ولا تحزنوا، واعلموا : أن كيد الشيطان وحزبه
ضعيف، وأن العاقبة للمتقين.
تاسعا : الحذرُ من مداخل الشيطان وحزبه، فإنهم يسعون في الإفساد بين أهل السنة
السلفيين، وإثارة الفتن بينهم، وإيغار صدورهم، والتحريش بينهم، بالنميمة وإشاعة
الأكاذيب، وتشكيك السلفي في أخيه، وإلقاء الظنون الكاذبة؛ حتى تتفرق الكلمة، ويتعادى
الإخوة، قال تعالى: (لَوْ خَرَجُواْ فيِكُم مَّا زَادُوكُمْ إلِا خَبَالا ولأَوْضَعُوا خِلالَكَُمْ يَبغُْونَكُمُ
الْفِتْنةََ وَفيِكُمْ سَمَّاعُونَ لَُهمْ ).
* والواجبُ على السلفي الذبُّ عن أعراض أهل الإيمان، فإذا نُسبَ لأخيه المعروف
بالسنة شيءٌ من الباطل؛ عليه أن يعمل بهذه الآية الكريمة التي أدَّبنا الله بها؛ فقال عز وجل:
(لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المؤُْْمِنوُنَ وَالمؤُْْمِناَتُ بأَِنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إفِْكٌ مُّبيِنٌ )، وبالآية
الأخرى: (لوَلَ وْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لنَاَ أنَ نَّتكََلَّمَ بهَِذَا سُبحَْانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظيِمٌ ).
عاشرا : التواضعُ ولينُ الجانب لأهل السنة السلفيين؛ ومن البلايا الم رُدية، والرزايا
الم خُزية أن يغترَّ المرءُ بعمله؛ فإذا ما صدر منه شيءٌ من النُّصرة لهذه الدعوة السلفية ترفَّع
على إخوانه بهذه السابقة، ورأى أنه أحقُّ من غيره – وإن كان غيره أعلم منه وأتقى وأنفع- ،
وهذا مما يقدح في تلك السابقة، والله أعلم بمن يكلمُ في سبيله، والحيُّ لا تؤمن عليه الفتنة،
فنسأل الله الإخلاص والثبات على السنة.
والواجب على السلفي إذا كان له شيءٌ من النصرة للسنة : أن يحمد الله على هذه النعمة
والسَّ بْ ق، ويسأل ربه الإخلاص والقبول، وأن يكون هيِّناً ليناً مع إخوانه، باذلا لهم النصح،
راجياً لهم الخير.
بارك الله في الجهود وسدد الخطا، ووفق إخواننا إلى سواء السبيل، وثبتنا وإياهم على
السنة حتى نلقاه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وكتبه
حامدا لله مصليا مسلما على رسوله
سلطان بن عبد الرحمن العيد
في غرَّة جُ مادى الأولى
من عام تسعة وعشرين وأربعمائة وألف