سابعاً : استغلال الفرص لإبراز الأعمال
، فإن ذكرت آسيا فهو الخبير بها ، وإن ذكرت أفريقيا قال : لي عشر سنوات وأنا أذهب إليها سنوياً مرة أو مرتين ،
وإن كان الحديث عن أوروبا فإنه هو الذي دفع بالشباب ليذهبوا هناك حيث الدعوة والإغاثة ، وأنهم وافقوا بعد جهد
وعناء بذله!
وإن تحدثوا عن الفقراء ، فهو العليم بأحوالهم المتابع لأخبارهم ، ثم يسرد لك ما يعرف وما لا يعرف .
وإن كان من أهل مغاسل الأموات بدأ حديثه بخمسة عشرة جنازة غسلها في يوم واحد ، ثم نقلك بحديثه إلى السدر
والكافور لكنه ليس مذكراً ومخوفاً بل مدعياً مباهياً .
والآخر ممن يعملون في نُصح الناس يسرد لك الأمر سرداً ، ثم يضاعف الأرقام مضاعفة عجيبة وكيف اهتدوا على يديه و
نسي المسكين أن الأمة هداها الله عز وجل على يد رجل واحد صلى الله عليه وسلم ، وأن أبا بكر –
رضي الله عنه – أسلم على يديه ستة من العشرة المبشرين بالجنة . هذا قبل الهجرة فحسب ، فأين الثرى من الثريا ؟!
ثامناً: ذكر تقدير العلماء والمشايخ له ،
وأن فلاناً من طلبة العلم خصني بحديث لا يعرفه أحد ، وأن فلاناً من العلماء سألني عن كذا وكذا وقام وودعني
بنفسه ! وسلسلة الخرز هذه طويلة إذا انقطعت !
قال محمد بن واسع : " إن كان الرجل ليبكي عشرين سنة وامرأته معه لا تعلم به " .
تاسعاً : ذم الآخرين لإبراز نفسه ووجه نظهره ،
فلو كنت مكان فلان ما فعلت ، ولماذا الاستعجال ، الأمور تؤخذ بعقل .. ثم يسرد لك موقفاً يظهر فيه نفسه وكيف تصرف
بحكمة واتزان وأنهى الأمر حسب ما يراه !
قال بعض العلماء : آفة العبد رضاه عن نفسه ، ومن نظر إلى نفسه باستحسان شيء منها فقد أهلكها ، ومن لم يتهم نفسه على دوام الأوقات فهو مغرور .
وفي وسط هذه المهلكات –والعياذ بالله- تبرز صور مشرقة لأهل الإيمان ممن قتلوا حظوظ النفس .. فما
اأجمل صورة ذلك لمؤمن الذي يعمل ويكره أن ينسب إليه شيء ، وما أعظم من يجد ويجتهد
ولا يرى نفسه إلا أنها حقيرة في جنب الله بل ؛ما أعظم من كتم حسناته كما يكتم سيئاته !
ولأهل الدعوة يقول ابن الجوزي :
" ما أقل من يعمل لله تعالى خالصاً ، لأن أكثر الناس يحبون ظهور عبادتهم ، اعلم أن ترك النظر إلى الخلق ،ومحو الجاه من قلوبهم بالعمل وإخلاص القصد وستر الحال هو الذي رفع من رفع"
.
ولأهل الآخرة قال سهل بن عبد الله :" ليس على النفس شيء أشق من الإخلاص لأنه ليس لها في نصيب ".
أخي المسلم : كان الحسن يقول :" روي أنه من قَبِل الله تعالى من عمله
حسنة واحدة أدخله بها الجنة ، قيل يا أبا سعيد : فأين تذهب حسنات العباد ؟ إن الله عز وجل إنما يقبل الخالص الطيب المجانب للعجب والرياء ، فمن سلمت له حسنة واحدة فهو من المفلحين ".
عاشراً: لإظهار النفس ترى البعض إذا عُرض عليه عمل وإن كان يسيراً اعتذر مباشرة
وله الحق إن شاء ذلك ، لكن أن يعتذر بادعاء كثرة الأعمال والانشغال وتعدد الارتباطات و..! بل أصبح الادعاء بكثرة
الأعمال موضة ظاهرة على ألسن بعض الناس ، ومن الطرائف أن رجلاً خطب امرأة وذكر لها أنه مشغول بأمر الدعوة
وأسهب في ذلك وقد لا يجد الوقت لإعطائها حقها . فردته وقالت إما أنه كاذب أو مراء . كاذب يدعي ، أو يراءي
ليرتفع في عيني ، إلا أين هو من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأين هو من العلماء العاملين ؟!
الحادي عشر :
أحدهم يزور مكتباً للدعوة دقائق معدودة كل ثلاثة أشهر ، وكلما جلس مجلسا ًتحدث عن المكتب و أعماله وإنجازاته
وتسيد الحديث وكأنه المسؤول الأول عن المكتب فيظهر دقيق الأمور وجليلها ، ثم يطرح ما قرأ من مشاريع وطموحات
ليوهم أنه يحمل هم الدعوة وأنه يجد مشقة في التردد على المكتب .
الثاني عشر :
هناك من تستشرف نفسه لدرع يقدم له أو شهادة شكر تصل باسمه ! ويصغي بسمعه أن يُثنى عليه وعلى
جهده ! ويتحدث ويكتب عن سيرته ماذا قدم وفعل ؟!
أختي المسلمة
:
كل عملك الذي تقدمه فهو قليل في جنب الله وإن ظهر لك مثل الجبال . فاجمع على قلبك الخوف والرجاء وتذكر قول
ابن عوف :"لا تثق بكثرة العمل فإنك لا تدري أيقبل عنك أم لا ؟! إن عملك مغيب عنك كله".
واحفظ عملك بالإخلاص ، واكتم حسناتك كما تكتم سيئاتك ، وأبشر بخير عظيم إذا قصدت وجه الله عز وجل ، يقول ابن تيمية في هذا الشأن :"
والنوع الواحد من العمل قد يفعله الإنسان على وجه يكمل فيه إخلاصه وعبوديته لله ، فيغفر الله به كبائر الذنوب كما في حديث البطاقة ، فهذه حال من قالها بإخلاص وصدق ،
، كما قالها هذا الشخص ، وإلا فأهل الكبائر الذين دخلوا النار كلهم يقولون التوحيد ،
ولم يترجح قولهم على سيئاتهم كما ترجح قول صاحب البطاقة ". ثم ذكر – رحمه الله – حديث
المرأة البغي التي سقت كلباً فغفر الله لها ، والرجل الذي أماط الأذى عن الطريق فغفر الله له ، ثم قال : " فهذه سقت
الكلب بإيمان خالص كان في قلبها فغفر لها ، وإلا فليس كل بغي سقت كلباً يغفر لها . فالأعمال تتفاضل بتفاضل ما في
القلوب من الإيمان والإجلال "
.
أختي المسلم : أسباب الرياء وبواعثه ترجع إلى ثلاثة أصول :
الأول : حب لذة الحمد والثناء من الناس
.
الثاني : الفرار من الذم .
الثالث : الطمع فيما أيدي الناس من مال أو جاه وغيره
.
وهذه الأمراض خطيرة على الإنسان وربما تكون سبباً في سوء خاتمته لأن ظاهره مخالف لباطنه –والعياذ بالله-.
وليتذكر أحدنا قول الحسن :"
رحم الله رجلاً لم يغره كثرة ما يرى من الناس . ابن آدم ؛ إنك تموت وحدك ، وتدخل القبر وحدك ، وتبعث وحدك ، وتحاسب وحدك ".
جعل الله أعمال الجميع صواباً خالصة لوجهه الكريم ، لا رياء ولا سمعة ، ولا عجب ولا
منة ، بل المنة والفضل لمن هدى وفق وأعان وسدد جل وعلا
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
.