يقول الشيخ محمد الغزالى رحمه الله :
" فى أحضان البطالة تولد آلاف الرذائل ، وتختمر جراثيم التلاشى
والفناء .. وإذا كان العمل رسالة الأحياء ، فإن العاطلين موتى ..
وإذا كانت دنيانا هذه غراسا لحياة أكبر تعقبها ، فإن الفارغين أحرى الناس
أن يحشروا مفلسين لا حصاد لهم إلا البوار والخسران "
وقد نبه النبى صلى الله عليه وسلم إلى غفلة الألوف عما وهبوا
من نعمة العافية والوقت ، فروى البخارى من حديث ابن عباس
رضى الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ "
قل للذي أحصى السنين مفاخـرا يا صاح ليس السر في السنوات
لكنه في المرء كيف يعيشهـــا في يقظة ، أم في عميق سبـات
قم عُدّ آلاف السنين على الحصى أتعدُّ شبه فضيلة لحصــــاة
أجل .. فكم من سليم الجسم ممدود الوقت ، يضطرب فى هذه الحياة
بلا أمل يحدوه ، ولا عمل يشغله ، ولا رسالة يخلص لها ويكرس
عمره لإنجاحها ..
أخى الكريم .. لم يخلق الله الناس عبثا ولا سدى
فهو سبحانه يقول :
} أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون ، فتعالى الله
الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم {
بل خلقهم الله لغاية عظمى ورسالة سامية تتطلب همة عاليه وقلوبا صافية
}وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون {
إن هناك رجالا تظل وقدة الشباب حارة فى دمائهم ، وإن نيّفوا
على الستين والسبعين ، لا تنطفئ لهم بشاشة ، ولا يكبو لهم أمل
ولا تفتر لهم همة ..
تنكّر لي دهري ولم يدر أننــي أعز وأحداث الزمان تهــون
فبات يريني الخطب كيف اعتداؤه وبت أريه الصبر كيف يكـون
وهناك شباب يحبون حبوا على أوائل الطريق ، لا ترى فى عيونهم بريقا
ولا فى خطوهم عزما ، شاخت أفئدتهم وهم فى مقتبل أعمارهم
وعاشوا ربيع حياتهم لا زهر ولا ثمر !!!
إن من أعظم مصائب الجيل خسة الهمم ، وبرود العزائم
وفتور الأرواح ..
أخــي .. لا يحل لك أن تهدر العمر ولا أن تذبح الزمن بسكين اللهو !!
تسابق الذئب والسلحفاة وكان الذئب أسرع خطا وأشد وثبا وأقوى عزيمة
لكن السلحفاة سبقته إلى الغاية وقعد بالذئب تلفته وانشغاله ..
فيا من عرف طول الطريق وقلة الزاد وبعد السفر ونفاسة المطلوب
وخساسة الدنيا .. مالك إذا قيل لك انفر اتثاقلت ؟!
جلس بك الطبع البليد في الصفوف الأخيرة !!
فأنت في الغذاء والكساء ماهر مثابر مجيد فريد .. ولكنك في العمل
والعبادة كسول ثقيل !!
أيها الشــاب
قبل أن تسأل نفسك أين ذهبت أيامك ، وأين تقضي شبابك ..
إليك روائع حفظها لنا التاريخ عن شباب الإسلام في وقتهم .. إنها أمثلة
حية للنبوغ المبكر والاشتغال بالعلم منذ الصغر ..
الإمام " الشافعي " حفظ القرآن وهو ابن سبع سنين ، وحفظ الموطأ
وهو ابن عشر سنين !!
الإمام " البخاري " صحح إسناد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
!! وهو ابن أحد عشر عاما
أما الإمام " ابن الجوزي " فيقول محدثا عن نفسه : " كتبت بإصبعي
ألفي مجلد ، وتاب على يدي مائة ألف ، وأسلم على يدي
عشرون ألفا "!!
وقد رحل الإمام " محمد ابن إسحق " لطلب العلم وعمره عشرون سنة
ورجع إلى بلده وعمره خمسة وستون عاما ، وكانت مدة رحلته
خمسة وأربعين عاما ، فلما رجع إلى بلده تزوج وهو ابن خمسة وستين عاما !!
أما " أبو حاتم الرازي " فقد كان يرتحل في طلب أحاديث الرسول
صلى الله عليه وسلم ماشيا على أقدامه وقال :
" مشيت على قدمي ألف فرسخ ( 5000 كم ) ثم تركت العدد "!!
وقال " سعيد بن المسيب " رحمه الله : " كنت أرحل الأيام والليالي
في طلب حديث واحد " !!
وقد أقام " أبو طاهر " في الإسكندرية في عام 511 هـ لطلب العلم
وكان يقول عن نفسه :
" لي ستون سنة ما رأيت منارة الإسكندرية إلا من الطاقة "
وكانت هذه المنارة من عجائب الدنيا ولكنها لم تلهه عن طلب العلم !!
أما العالم " يحيى بن يحيى الليثي " فقد ذُكر أنه كان تلميذا عند
إمام دار الهجرة مالك بن أنس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
فجاء فيل عظيم بجانب المسجد ، فخرج الطلاب لرؤيته ولم يبق
إلا يحيى بن يحيى الليثي ، فقال له الإمام مالك : لم لم تخرج لترى الفيل وهو لايكون في بلادك ؟
فقال يحيى : " جئت من الأندلس لأراك لا لأرى الفيل "!!
أيها الحبيـب
إنه سير إلى الله .. عبادة وطاعة .. فإن استطعت ألا يسبقك إلى الله
أحد فافعل ..
ووالله الذي لا إله غيره .. ما خُلقت للهو واللعب ، ولا لإضاعة الأوقات
خلف شاشة أو على مدرج كرة !! فالأمر أعظم من ذلك ..
ولكن متى تهب من غفلتك وتستيقظ من رقدتك !!!
أوشكت الشمس على الغروب ، والعمر في هروب وأنت راكد لابث
بان لك الرشد .. وظهر لك الربح .. ولا ينصحك مثل المعصوم
ولا يدلك مثل القرآن .. وقد قامت عليك الحجة ، ومابقي لك عذر
وليس لك مهرب ..
نداء لمن تأخر عن الركب .. ولا يزال يرى القافلة
شمّر عن ساعدك .. واستدرك أيامك ..
قال بلال بن سعد :
" رُبّ مسرور ، مغبون ، يأكل ويشرب ويضحك ، وقد حُقّ له
في كتاب الله عز وجل أنه من وقود النار "