الصدمة الأولى وكيفية نقل الخبر السيء
كثير من المهنيين للأسف الشديد يجهلون ماذا نعني بالصدمة الأولى وكيف نتعامل معها بوسائل أكثر حضارة ومعرفة علمية، فهي في الواقع من أصعب اللحظات التي يمتزج فيها الخوف والقلق من قِبل الفرد وأسرته لمعرفة تشخيص حالة ما من الأبناء أو أنفسهم،
ومن هذا المنطلق وبصفتي أحد الباحثين في العلاقات الإنسانية، اخترت الحديث عن الصدمة الأولى وماذا نعني بالصدمة الأولى وكيفية الوقاية منها وما علاقتها بالمستقبل ومن المسئول عن ردود الأفعال السلبية والايجابية وكيف نجعل من أحكامنا تجاه الآخرين وخصوصا الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة أحكاماً ايجابية تنم عن وعي واقعي وملموس تجعل من هذه الحالة مشارك في البناء داخل المجتمع حاصل على جميع حقوقه متباهين لقدراته وان كانت محدودة يشعر بها داخل المجتمع وهو في ارتياح نفسي ووجدان مطمئن وأمان روحي وهنا الحديث إلى كل الأخصائيين والأخصائيات الذين تقوم عليهم مسئولية كبيرة وعظيمة، مسئولية أمام الله ثم أمام أنفسهم ومجتمعهم، فهم بتشخيصهم يغيرون من حال المجتمع وأفراده وخصوصاً حياة الأطفال وتحويل مسارهم من مكان إلى آخر ومن واقع إلى واقع آخر وبأسهل الطرق.
نعم جميعنا يستطيع أن يشخص ويصدر الأحكام ولكن وفق مرئيات شخصية قائمة على الاستنباط الظاهري ولكن لا نستطيع أن نقرر ما سيكون او إلى أي مسار يتجه هذا الطفل.
إن هذا الدور مناط للمعنيين والأخصائيين المدربين والموكل لهم تحديد قدرات هولاء الأطفال من خلال المقاييس النفسية التي تحدد درجات الذكاء ومدى قدرته على المضي قدماً ووضع الخطة المناسبة له التي تناسب قدراته العقلية والنفسية حسب نوع الحالة والتي تكفل له السير ومواكبة الواقع الذي يعيشه داخل المجتمع.
إن اللقاء الأول بين الأخصائي وأسرة الطفل هو المحك الحقيقي لتقبل الحالة من قِبل الأسرة التي عندما ولد هذا الطفل غرقت في الأحلام وبنت مستقبل طفلها وهي لا تعلم ماذا يخفيه لها القدر، ومن هنا لابد على الأخصائي اختيار العبارات الصحيحة والحديث بهدوء ومتابعة تعبيرات وجوه الأسرة وعدم إطلاق العنان لفلسفته الشخصية وإظهار مواهبه في التشخيص الظاهري وإطلاق الأحكام جزافاً، فكل عبارة يلقيها وان كانت لا تمثل للأخصائي شيئاً فإنها تمثل بكل حروفها رغم صغرها آلاف الاحتمالات والقلق والتفكير والخوف وتفسيرها على محمل الخطأ، ولذلك عليه أن يؤجل أحكامه إلى أن يستخدم وسائله ومقاييسه، ومن ثم عند اكتشاف إعاقة او مشكلة لدى الطفل فعليه اختيار الوسيلة المناسبة لإخبار الأسرة فهو المسئول عنها وعن وضعها وماذا سوف تكون عليه، فمهما كان مستوى تعلم الأسرة ووضعها الاجتماعي او مستوى الوعي لديها فيجب على الأخصائي الحذر من إحداث الصدمة الأولى والتي هي أصعب مرحلة في تاريخ الواقع والمستقبل ولذلك سوف أورد مجموعة من الطرق لكي يستطيع الأخصائي إيصال ما يريده من حقائق بأسهل الطرق وبأرقى الوسائل حتى نتحاشى الصدمة الأولى وبالتالي نكسب تقبل الأسرة لحالة الطفل ومن ثم مساعدته على التكيف داخل المجتمع والوصول إلى ما تطمح إليه الأسرة والطفل نفسه، فيجب على الأخصائي عدم إخبار الأسرة عن حالة الطفل في الاختبارات والمقاييس الأولية عند اكتشاف خلل او قصور لدى الطفل في قدارته سواء العقلية او النفسية، وعليه إعادة الاختبارات والمقاييس مرة أخرى وإفهام الأسرة إلى ضرورة تكرار الاختبارات والمقاييس حتى يكون التشخيص أكثر دقة.
وعندما يعاد الاختبار ويكتشف الأخصائي وجود المشكلة فعليه عدم إخبار الأسرة بطريقة جامدة حيث لابد في البداية أن يوضح أن هناك مشكلة ويحتاج إلى إعادة الاختبار والمقاييس للمرة الثالثة ويحاول أن يمهد للأسرة بطريقة مستقبيلة تحمل في طياتها أمل في المستقبل، ولا يعنى وجود مشكلة لدى الطفل انه أصبح بلا أمل وبلا طموح وبلا وجود مع أخوته وأقاربه وأصدقائه، وعندما يقرر الأخصائي او الأخصائية إخبار الأسرة عن وضع حالة الطفل فلا بد أن يراعي مجموعة من القواعد التي سوف تساعده لتلافي الصدمة الأولى للأسرة التي كما قلت لا تخضع لفهم او لوعي او لدرجة تعليم الأسرة فهي تعتمد على أسلوب وطريقة ناقل الخبر، ولذلك لا أزال أقول إن الشخص الذي يخبر الأسرة هو الأخصائي او الأخصائية المتدرب وفق أساليب علمية حديثة تخضع في المقام الأول للعلاقات الإنسانية داخل المجتمع.
--أولاً / اختيار الوقت المناسب:
لابد من اختيار الوقت المناسب في إخبار الأسرة عن وضع الحالة وبصورة دقيقة، وذلك بعد التأكد من تهيئة الأسرة وأنها سوف تتقبل الأمر باقتناع تام باحثة عن الوسائل المساندة لها في مساعدة طفلها او الحالة التي تعاني من المشكلة، وذلك يكون الأخصائي قد حقق نسبة كبيرة من النجاح فالتقبل أساس العمل والبنية الأساسية في نجاح الحالة ومشاركتها الفعالة داخل المجتمع.
--ثانياً/ اختيار المكان المناسب:
إن اختيار المكان المناسب أمر بالغ الأهمية فالموقف يحتاج إلى مكان هاديء بعيداً عن الإزعاج ولا يتواجد فيه أشخاص آخرين فقط الأخصائي والأسرة، وعلى الأخصائي البعد عن إخبار الأسرة في أماكن مكشوفة للعامة مثل الممررات او في الشارع أو مكان غير مهيأ ويجب أن يكون جميع الأطراف جلوساً حتى يتسنى للأسرة تقبل الحدث وشعورها بوقوف الأخصائي معها ومقدرته على تقديم المساعدة لها ومد يد العون لهم.
--ثالثاً/ اختيار العبارات المناسبة:
يجب على الأخصائي اختيار العبارات بحذر وبدقة شديدة وان تكون العبارات لبقة ومعبرة وغير مفزعة حاملة معها بوادر الأمل والنظرة المستقبلية المشرقة ومن هنا لابد أن يعلم الأخصائي أن عبارته هي سلاح للعمل والمساعدة أو سيف لا يرحم يقود إلى الإحباط وعدم التقبل وعلى الأخصائي أن يضع نفسه في مكان الأسرة وكيفية تقبل الحدث،
ومن خلال ما سبق نجد أن الأخصائي هو من يضع مستقبل الحالة ومدى تقبل الأسرة له من عدمه، وأمام تلك الحقائق لا بد أن يعلم الأخصائيين في المراكز المهنية والتربوية أن من السهولة إطلاق الأحكام بسهولة ونحن بعيدين عن الواقع قابلة أحكامنا للصواب والخطأ وتكون العبارات محبطة للأسرة صدمة للجميع،
ولكن يد الرحمة وعبارات التقبل تنطلق من الأخصائيين الذين يعلمونهم وبمقدرتهم يستطيعون تغيير نظرة الأسرة والمساعدة في تقبل الحالة فلا بد أ نتمسك بمهنيتنا وأسلوبنا كمهنيين وأن لا نسمح لعباراتنا العامية بأخذ زمام المبادرة وإطلاق العنان لها بدون عمل الاختبارات والمقاييس والتأكد من التقارير الطبية والنفسية.
كيف نتلافى الصدمة الأولى:
لكي نكون واقعيين فيجب أن نتبادل الأدوار ونضع أنفسنا مكان الأسرة كمهنيين ونختار كيف نرغب في إيصال معلومة من قِبل أخصائيين أو مهنيين أو نتيجة فحص معين،
ومن هذا المنطلق نستطيع أن نحدد ونختار الوقت والمكان المناسب فكثير من الأخصائيين والمهنيين يجهلون أساليب نقل المعلومة للأسرة ويجهلون ماذا نعني بالصدمة الأولى للأسرة نتيجة كثر الحالات أو عدم العلم الكافي او الإدراك الواقعي لحقيقة الصدمة الأولى، وبصفتي أحد الباحثين في العلاقات الإنسانية والمشاكل الأسرية فقد لمست آثار الصدمة الأولى على الأسرة التي عانت من سوء الأخصائي أو المهني الذي نقل خبر ما أو مشكلة معينة،
ومن هنا أقول للأخصائيين أن الأسرة في حاجة ماسة عند إخبارهم عن الحالة إلى الدعم المعنوي والنفسي والتهيئة النفسية حتى تتلافى آثار الصدمة الأولى والتي ربما تؤثر على الأسرة بأكملها من الأطفال ووالديهم والمجتمع المحيط بهم، فنشاهد الأم وقد انهارت نفسياً وربما دخلت في دوامة الاكتئاب، كيف لا وهي تشاهد أحلامها تنهار بعبارات من شخص لم يقدر حجم الصدمة ولم يعلم كيف يلامس مشاعرها، فالأسرة تحتاج إلى الدعم من الأخصائيين ومساندتهم معنوياً ونفسياً، ولذلك على الأخصائي أن يقوم ببعض الخطوات:
1- تحديد الأماكن التي تقدم الخدمات للحالة وتقديم معلومات كافية للأسرة بحيث لا تحتاج إلى البحث والسؤال عن خدماتهم.
2- عقد اجتماع مع أسر تعاني من نفس المشكلة وتعرض مشاكلهم على الأسرة وكيف استطاعوا أن يتكيفوا ويتقبلوا الحالة.
3- الإجابة على استفسارات الأسرة مهما كانت وعدم الانزعاج من تكرار بعض الأسئلة والتوتر من العبارات التي تطلقها الأسرة.
4- أهمية تحديد كتب علمية ودراسات تُقدَّم عناوينها للأسرة من أجل الاستفادة منها في حالة الطفل، ويجب على الأخصائي اختيار كتب سهلة سلسة.
ما علاقة الصدمة الأولى بالتقبل ؟
سؤال يجب على كل أخصائي أن يسأله لنفسه، لماذا الأسرة لا تتقبل الحالة ؟ لماذا الحالة لا يتقبل نفسه سواء كان من ذوي الاحتياجات الخاصة أو من الحالات التي تعاني من عدم تقبل الأسرة والمجتمع لهم ؟
وعند متابعة الواقع أن السبب يعود للصدمة الأولى والمسئول عن ذلك إما أخصائي لا يملك القدرة على إيصال المعلومة الصحيحة إما لجهله او لقلة خبرته، وإما من أشخاص غير مهيئين لإطلاق العبارات جزافاً بدون تحقق او دراية، وعندما يحدث ذلك يقع عدم التقبل وعدم الاندماج لذلك تظهر آثار الصدمة عن الأسرة ويحدث عدم التقبل وترى الأسرة أن الحالة غير مجرى حياتها للأسوأ لذلك نجد الكثير من الأسر لا تتقبل حالات أبنائها وبالتالي يكون الطفل أو الحالة منبوذ من قِبل الأسرة وبالتالي المجتمع.
بعد تلافي الصدمة وحدوث التقبل، ما يجب على الأخصائيين فعله:
لابد أن يضع خطة عمل لكل حالة من الحالات المراد تقديم الدعم المساند لها فالأسرة تحتاج إلى من يساعدها على الأقل في بداية ظهور الحالة ووضع البرامج التي تساعد الأسرة على التعامل مع الحالة نفسها وكذلك مساعدتهم على وضع الأهداف قصيرة المدى وبعيدة المدى وكيفية تحقيق تلك الأهداف، وبالتالي الوصول إلى الدرجة التي تخلق من هذه الحالة أداة بناء لاهدم وحقد وكره للمجتمع، فالأخصائي هو من يأخذ بيد الآباء والأمهات إلى الطريق السليم ويحقق لهم الأهداف التي أفقدتهم التخطيط السليم من هول الصدمة، وكل ذلك يبدأ منك أنت أيها الأخصائي.