المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبوأنفال
ومن سوء الفهم في الدِّين ما حصل للخوارج الذين خرجوا على عليٍّ رضي الله عنه وقاتلوه، فإنَّهم فهموا النصوصَ الشرعية فهماًخاطئاً مخالفاً لفهم الصحابة رضي الله عنهم، ولهذا لَمَّا ناظرهم ابن عباس رضي الله عنهما بيَّن لهم الفهمَ الصحيح للنصوص، فرجع مَن رجع منهم، وبقي من لم يرجع على ضلاله، وقصَّة مناظرته لهم في مستدرك الحاكم (2/150 ـ 152)، وهي بإسناد صحيح على شرط مسلم، وفيها قول ابن عباس: ( أتيتُكم من عند صحابة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار، لأبلِّغكم ما يقولون، المخبرون بما يقولون، فعليهم نزل القرآن، وهم أعلمُ بالوحي منكم، وفيهم أُنزِل، وليس فيكم منهم أحد، فقال بعضُهم: لاتخاصموا قريشاً، فإنَّ الله يقول:( بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ )، قال ابن عباس: وأَتيتُ قوماً لَم أرَ قوماً قَطُّ أشدَّ اجتهاداً منهم، مسهمة وُجوههم من السَّهر،كأنَّ أيديهم وركبهم تثنى عليهم، فمضى مَن حضر، فقال بعضُهم: لَنَكلِّمنَّه ولننظرنَّ ما يقول، قلت: أخبروني ماذا نقمتم على ابن عمِّ رسول الله صلى الله عليهوسلم وصهره والمهاجرين والأنصار؟ قالوا: ثلاثاً، قلت: ما هنَّ؟ قالوا: أمَّاإحداهنَّ فإنَّه حكم الرِّجالَ في أمر الله، وقال الله تعالى( إِنِ الْحُكْمُإِلاَّ لِلّهِ ) ، وما للرِّجال وما للحكم، فقُلتُ: هذه واحدة، قالوا: وأمَّاالأُخرى فإنَّه قاتَلَ ولَم يَسْب ولَم يَغنَم، فَلَئِنْ كان الذي قاتل كُفَّاراً لقد حَلَّ سَبيُهم وغنيمتهم، ولئن كانوا مُؤمنين ما حَلَّ قتالُهم، قُلتُ: هذه ثنتان، فما الثالثة؟ قال: إنَّه مَحَا نفسَه من أمير المؤمنين، فهو أمير الكافرين،قلت: أَعندكم سوى هذا؟ قالوا: حسبنا هذا، فقلتُ لهم: أرأيتم إن قرأتُ عليكم مِن كتاب الله ومن سنَّة نبيِّه صلى الله عليه وسلم ما يُردُّ به قولُكم أتَرضَون؟قالوا: نعم! فقلتُ: أمَّا قولكم: حَكَّمَ الرِّجال في أمر الله، فأنا أقرأ عليكم ماقد رُدَّ حُكمُه إلى الرِّجال في ثمن ربع درهم، في أرنب ونحوها من الصيد، فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ) إلى قوله: ( يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ )، فَنَاشدتكم الله: أحُكم الرِّجال في أرنب ونحوها من الصيد أفضل أَمْ حُكمهم في دمائهم وصلاح ذات بينهم؟! وأن تعلموا أنَّ الله لو شاء لَحَكم ولَم يُصيِّر ذلك إلى الرِّجال، وفي المرأة وزوجها قال الله عزَّ وجلَّ (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا )، فجعل الله حكم الرِّجال سُنة مأمونة، أخَرَجتُ مِن هذه؟ قالوا: نعم! قال: وأمَّا قولكم: قاتَل ولم يَسْب ولم يَغنم، أَتَسبُون أُمَّكم عائشة، ثمَّ تَستحلُّون منها ما يُستَحلُّ من غيرها؟! فلئن فعلتُم لقد كَفَرتُم، وهي أُمُّكم،ولئن قلتُم: ليست أمَّنا لقد كفرتُم؛ فإنَّ الله يقول: ( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ )، فأنتم تَدُورُونَ بين ضلالَتين، أيّهما صِرتُم إليها صِرتُم إلى ضلالة، فنظر بعضُهم إلى بعض، قلت: أخرجتُ من هذه؟ قالوا: نعم! وأمَّا قولكم: مَحا اسمَه من أمير المؤمنين،فأنا آتيكم بمَن ترضَون وأريكم، قد سمعتُم أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يوم الحُديبية كاتَبَ سُهيل بن عمرو وأبا سفيان بن حرب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمير المؤمنين: اكتب يا علي: هذا ما اصطلح عليه محمد رسول الله، فقال المشركون: لا والله! لو نعلم أنَّك رسول الله ما قاتلناك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللَّهم إنَّك تعلمُ أنِّي رسول الله، اكتب يا علي: هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله، فوالله لرسول الله خيرٌ من علي، وما أخرجه من النبوة حين محانفسَه، قال عبد الله بن عباس: فرجع من القوم ألفان وقُتل سائرُهم على ضلالة.