(إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (القدر:1) أنا أنزلنا القران العظيم في ليلة عظيمة، من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا، فشرفت هذه الليلة بما حصل فيها من تنزيل كريم، و حدث عظيم، فهي ليلة ذات مجد منيف، و قدر شريف، لأن الوحي الذي هو حياة القلوب، و صلاح الشعوب ، و هداية الناس، و عمار الأرض، نزل في هذه الليلة فحق لها أن تشرف على كل الليالي، و تسمو على كل الأوقات. (وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ) (القدر:2) ما أعظمها، يا محمد، من ليلة، و ما أجلها من مناسبة، لقد حدث فيها تنزيل غير وجه العالم، و بعث الناس من جديد، و بدل من مسار التاريخ، و قام بسببها سوق الجنة و النار، و ارتفع بها علم الجهاد، و حصلت بها المقامات الجليلة من العبادة، و النصر و الفتح، و الهدى و النور و الهداية. (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) (القدر:3) هي أفضل من ألف شهر من العبادة و العمل الصالح، ليس في الألف ليلة قدر، ليلة واحدة، لكنها ببركتها و خيرها و شرفها و قدرها أجل عند الله من ألف شهر، و أعظم في ميزان الحسنات من سعي ألف شهر، و أبرك في العبادة و القبول من ألف شهر، و الله يختار من الأوقات و المناسبات و الأمكنة و الملائكة و الناس، فيفضله على حنسه، و يشرفه علة نوعه، و يصطفيه على شكله،( وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ )(البقرة: من الآية105).
و أن تفق الأنام و أنت منهم **** فان المسك بعض دم الغزال
(تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) (القدر:4) هي ليلة يكثر فيها هبوط الملائكة، يتنزلون بالرحمات والبركات ، و النفحات و الفتوحات من رب الأرض و السموات، يحملون معهم أوامر الهية، و أقدار ربانية من الهداية و الرزق، و الفتح التوبة و القبول، ففيها تصلح أحوال ، و ترفع أعمال، و تكتب أجال، و يجاب سؤال، فيها أحداث عظام، و قضايا جسام، يهبط بها الملائكة الكرام من الملك العلام، و جبريل مع هؤلاء الملائكة، و خص بالتعريف لزيادة التشريف، فهو روح القدس، و أمين وحي السماء إلى الصادق الأمين محمد صلى الله عليه و سلم، فهو في هذا الليلة يتنزل لمهمات عظيمات، شرفه الله بحملها و القيان بها، (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) (القدر:5) هي ليلة سلام، و أمن و أمان، و رحمة و رضى و قبول، و فوز و سعادة و فلاح، تسلم الملائكة فيها على العباد الصالحين ، و الأولياء المفلحين، و هي سلام، لا شر فيها، و لا غضب، و لا سخط، بل هي موسم لعتق الرقاب، و قبول توبة من تاب، و رد من أخطأ إلى الصواب، و فيها قبول الأعمال، و إصلاح الأحوال، و نزول البركة، و عموم الرحمة، و إتحاف العاملين، و ثواب الصالحين، و الستر على المسيئين، و كشف الكربات، و تسهيل الصعوبات، و فيها عافية و شفاء، و يسر و صفاء، و طمأنينة و سكينة
منقول--