د/شيرين الالفى
"الدنيا إذا حلت أوحلت وإذا كست أوكست وإذا أينعت نعت".."كم من ملك علت له علامات فلما علا مات".."إخواننا المباحث في الصف الأول يتقدموا علشان إخوانهم المصلين في الخارج"..إنها الدعابات الجميلة التي كان يطربنا بها عبقري دعاة القرن العشرين..هذا العملاق الشامخ الذي لم يحدث مثله في وزارة الأوقاف.
تولى الإمامة والخطابة بمسجد عين الحياة، بشارع مصر والسودان بمنطقة حدائق القبة بالقاهرة , والذي عرف باسمة فلقد سماه الناس مسجد الشيخ كشك . ذلك المسجد الذي ظل يخطب فيه قرابة عشرين عاماً.
انه الشيخ العظيم عبد الحميد كشك...بالرغم من انه نشأ فقيرا وعاش فقيرا ,لم يمنعه ذلك أن يكون صداحا بالحق ,في الوقت الذي لم يرفع أحداً من الدعاة ولاسيما وزارة الأوقاف بالحق لأنهم موظفين في الحكومة.
"وُلد عبد الحميد كشك في شبراخيت بمحافظة البحيرة في العاشر من مارس لعام 1933 م، وحفظ القرآن وهو دون العاشرة من عمره، ثم التحق بالمعهد الديني بالإسكندرية، وفي السنة الثانية ثانوي حصل على تقدير 100%. وكذلك في الشهادة الثانوية الأزهرية وكان ترتيبه الأول على الجمهورية، ثم التحق بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر. وكان الأول على الكلية طوال سنوات الدراسة، وكان أثناء الدراسة الجامعية يقوم مقام الأساتذة بشرح المواد الدراسية في محاضرات عامة للطلاب,بتكليف من أساتذته الذين كان الكثير منهم يعرض مادته العلمية عليه قبل شرحها للطلاب، خاصة علوم النحو والصرف ومع ذلك رفض التدريس الجامعي وآثر الدعوة إلى الله إلى بسطاء القوم وعامة الأمة ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر,لأنه كان رجل نادر الوجود ".1
كل هذا برغم فقره الذي لم يمنعه عن تفوقه وحبه للعلم,في زمن قدس الناس المال,والسلطة ولم يخافوا الله .
"كان يرى أن أعظم ما تبتلى به الأمم هو النفاق,إذا ابتليت به أمه ,أضحى الذل رائدها,والهزيمة عاقبتها,وأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون."2
عندما كنت طفلة كنت أرى جدتي وخالتي حريصات على حضور خطبة الشيخ كشك ,هذه الخطبة التي كان يأتي لها المسلمون المصريون من كل فج عميق,يأتون متعطشين لان يسمعوا رجلاً مخلصاًً يعلمهم دينهم الذين يرغبون أن ينهموا من بحره في زمن عز فيه العلماء المخلصون.
وعندما كبرت قليلاً وجدت عدة شرائط للشيخ عند والدي فسمعتها ,فوجدت رجلاً عالماً تقطر كلماته علماً وبساطة وجاذبيه,رجلا يفهم الإسلام الحقيقي ويعلم الناس دينهم بطريقة رائعة,برغم انه كان ضريراً ,ولكنه كان شامخا وواثقاً من نفسه ,لم يخف أبدا في الله لومة لائم.
يقول الشيخ: ( لما رخصت لحوم النساء في الحرام ارتفعت أسعار اللحوم عند الجزار.. لما وقفنا طوابير على شبابيك تذاكر الأفلام... وقفنا طوابير على أبواب الجمعيات من أجل كيلو من اللحم يعلم الله وحده من أي الذبائح هو ؟.. لما حقد بعضنا على بعض.. ارتفعت الأسعار.. لما استبدلنا الحلال بالحرام.. وعزف الشباب عن الزواج.. اشتدت أزمة المساكن.. لما اختلطت لحوم الرجال بالنساء في المواصلات ُرفعت من البيوت البركات.. لأن الله تعالى هيأ للمرآة عملا واحدا.. إذا عملت سواه خُربت البيوت وأُطفئت مصابيحها.. إن هذا العمل الذي وكل الله به المرأة هو بيتها.. فلما خرجت النساء من البيوت كانت في البيوت مصابيح أُطفئت أنوارها وأصبح الأطفال وديعة في أيدي الحاضنات والحاضنة لا ُتراعي الله ولا تعرف رسول الله. ).
هكذا يلخص لنا عبقري الدعاة والمخلصين ما آل إليه حال الأمة ويشرح لنا الأسباب ,ليعلم الناس أن تقوى الله هي مفتاح كل خير وأننا نحن الذين نهلك أنفسنا بالمعاصي التي نملأ بها الكون.
اعتقل هذا الرجل العظيم في عهد عبد الناصر ,وعهد السادات ,لأنه لم يخف في الله لومة لائم ,وعذب هذا الرجل العظيم وتحمل في سبيل الله برغم انه رجل ضرير ,وهذا دائما هدى العلماء المخلصين ألا يخافوا في الله لومة لائم,ويا ليت دعاة الفضائيات يتعلمون .
رفض الشيخ عبد الحميد كشك مغادرة مصر إلى أي من البلاد العربية أو الإسلامية رغم الإغراء إلا لحج بيت الله الحرام عام 1973م ,حقا إنه من نوادر عصره وقل أن يتكرر مثله.
عرف وفهم معنى الإسلام الحقيقي واندمج في مشكلات المجتمع ,ولم يكن كمثل دعاة المنابر غيره يتحدث في موضوعات لا تمس الناس وكلام عفي عليه الزمان ,بل فهم أن من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم,وفهم أن الساكت عن الحق شيطان اخرس,وفهم أن أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر وان الظلم ظلمات يوم القيامة.
تعلم منه الكثير ين من الدعاة والكثير من الناس ورحل في صمت كغيره من الصالحين ,رحل وهو ساجد ,اقرب ما يكون العبد إلى ربه, رحل إلى الذي لا يظلم أحدا وتركنا نبحث عن الدعاة المخلصين في زمن ندر فيه الإخلاص وندر أن يجتمع الإخلاص والعلم.
فلنسأل الله تعالى أن يسكنه فسيح جناته,وان يهدينا إلى السبيل القويم والإخلاص .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1موسوعة وييكيبيديا
2(كتاب حوار ساخن مع الشيخ كشك للأستاذ محمود فوزي)