سَـوَادُ عينَيْـكِ أمْ أنغـامُ شاديـكِ
أم النجـومُ الـدَّرَارِي فـي ليَالِيْـكِ
من هاهنا قد رَسَمْتِ المَجْدَ وابتسَمَتْ
أزهارُ روضِـكِ وازدَانـتْ مَغَانيكِ
بَغدادُ إنَّ حُـرُوفَ الشّعـرِ تتْعِبُنِـي
فترتمِـي مُحْكَمَـاتٍ فـي نوَاحيـكِ
وكنتُ أزعمُ أنّي " قيْصَـرٌ " حَـذِقٌ
وأنّني مـن بَدِيْـعِ الشّعـرِ أهديـكِ
وأنّ تاجَ المعانـي ليـسَ يؤْرِقُنِـي
وأن دُرَّ البَيَـانِ الـيـومَ يأتـيـكِ
وأنني قد أجدتُ الشّعرَ فـي زمنـي
فمـا لهـا لا تُؤاتِيْنِـي قوافيـكِ ؟!
رأيتُنِـي والفـؤادُ الغَـضُّ يطربُـهُ
شدوُ المآثرِ حيـن الدّهـرُ يَرْوِيـكِ
وما نسينَا مـع النجـوى مآثرَنـا
لكنَّهـا سِنَـةُ الجُـلَّـى بنـادِيـكِ
صَمْتُ الثّريَّا وألحانُ المَسَـاء ومَـا
بقلْبِ غرِّيـدكِ الشاكـي سَيُبْكِيـكِ
أوّاهُ وازْوَرَّ عنـي وجْـهُ غَانِـيَـةٍ
مـن الدِّيـارِ فناجِيْنِـي أنَاجِـيْـكِ
أأنتِ بغدادُ ذاتُ الحُسْـنِ ؟ أم طَلَـلٌ
عرفتُه ذاتَ عِشْـقٍ فـي رَوَابِيْـكِ
سألتُ لَيلَى ! وأشواقـي وتذكرتـي
دفنتُهـا فـي فـؤادٍ مـن معانيـكِ
وذكرياتي وريّانُ الهَـوَى وصـدىً
مـن المشَاعـرِ يعنينـي ويعنِيـكِ
وشطُّ دجلةَ يحكينِـي إلـى وَطَنِـي
وموطني للنّجُـومِ الزّهْـرِ يحكيـكِ
وفي الرّصافة غنّى القلبُ وانْشَرَحَتْ
منِّي الأسَاريْرُ .. يا بَغـدادُ يكفيـكِ
أرى حُرُوفي وأحزانـي تصاحبُهـا
والعينُ سكّابُهَـا المـدرارُ يبكيـكِ
فما رأيتُ سُطورَ الشعـر ترقُبُنـي
ولا سَمعتُ صهيلَ الخيـلِ يحْميـكِ
وما لها الضّادُ ؟ لا همـسٌ يذكّرنـا
بأنَّهـا كالفُـراتِ العَـذْبِ تُرْويـكِ
وَهلْ هنا قد أقامَ الدّهـرَ معتصـمٌ ؟
وسطّرتْ أحرفُ الأمجـادِ ماضيـكِ
وَهلْ لنقفورَ بعدَ اليوم مـن أمَـلٍ ؟
وصوتُ هـارونَ صـدّاحٌ بواديـكِ
وَصَبْـرُ أحمـدَ فـي أيـامِ محْنتِـهِ
وفقهُ نعمانَ فـي أقْصَـى أقاصِيْـكِ
كأنني بالرِّيـاحِ الهُـوْجِ تخبُرُنـي
أنَّ الليالـي ستُنْبِيْـنِـي وتُنْبِـيْـكِ
وأنَّ أرضَ الكرامِ الغرِّ قد سقطـتْ
وأنَّ كفَّ الصَّليـبِ اليـومَ تشقيـكِ
أمَـرُّ مـنْ عَهْـدِ وِدٍّ فـي تَرَحُّلِـهِ
صَمْـتُ الأكابـرِ عـنْ ذُلٍّ يغطِّيكِ
بَغْـدادُ مـا هـذه الحُمَّـى بدائمَـةٍ
ورايةُ الكفـرِ قـد أمَّـتْ أرَاضِيْكِ
ولسـتُ أعلـمُ عمّـا قـد تخبِّئـهُ
لكِ الليالـي ومكْـراً مـن أعاديـكِ
لكنَّنِي أُبْصِـرُ الأيـامَ فـي غَدِهَـا
وألْمَـحُ المجْـدَ خفّاقـاً يناغِـيـكِ
وأرسمُ الفجرَ وضّاحاً علـى أفُـقٍ
يسمُو سَمَـاءً ويَحْيَـى إذْ يُحَيِّيْـكِ
وما سألتُ عـن الأبطـالِ ملحمـةً
إلا وموكـب أحــرارٍ سيفـديـكِ
كأنَّهم فـي لُحُـونِ المجـدِ قافيـة
بهيّة الوقْـعِ فـي أسمـاعِ حَاديـكِ
أو زهرةُ الروضِ يكسُوها النّدى ألَقٌ
أو بـدرُ تِـمٍّ بليـلٍ كـادَ يحْويـكِ
وسنّـةُ الله قـد أحيَـوْا معالِمَهَـا
ونصـرُ ربّـك ترجُـوهُ أيـاديكِ
وكنتُ أحسـبُ أنـي لا أشاطرهُـم
إلا الهمـومَ وأنـي مـن يعـزّيـكِ
حتى وقفتُ وما قَوْلي سِـوَى نَغَـمٍ
من التباريـحِ يشْجِينـي ويُشْجِيْـكِ
عليـكِ منِّـي سَـلامُ اللهِ أبْعـثُـهُ
كَهَاطِلِ الشّوْقِ فـي أحْلَـى ليَالِيْـكِ
الشاعر / فلاح الغريب