<div align="center">بسم الله الرحمن الرحيم</div>
<div align="center">السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. </div>
<div align="center">******************************** </div>
السؤال : ما حكم الشرع في الإنشاد واستماع الأناشيد الإسلاميّة ؟
الجواب : أقول مستعيناً بالله تعالى :
النشيد عبارةٌ عن شعرٍ مُلحّن ، و الشعرُ كلامٌ , حَسَنُه حسنٌ ، و سيّئه سيّئ .
فإذا كان الكلام حسناً ، واللحنُ خالٍ من الخُضوع والخنوع ،
وغير مصحوبٍ بمحرّم كالاختلاط وأصوات المعازف على تنوّعها ونحو ذلك ؛
فلا بأس في أدائه ولا في سماعه إن شاء الله .
أمّا ما ذهب إليه بعض المعاصرين من اعتبار النشيد من شعارات أهل التصوّف ،
وحمل نهي الأئمّة عن ( السماع ) عليه ، فغيرُ مسلّمٍ به ،
لأنّ النشيد معروفٌ مشهورٌ عند الصوفيّة و غيرهم ، وليس حكراً على أحد ،
وإن أكثر عند أهل البِِِدَع , فلا يعدّ من شعاراتهم لمجرّد ذلك .
و قد عُرف الحِداء عن السلف ، وعُرِفَ عنهم الرجَز في الجهاد ،
وما هذا وذاك إلا من الشعر الملحّن ( الإنشاد ) ، و لم يُنكره أحدٌ لذاته ،
ولكن أنكره من أنكره لما قد يرافقه من منكرات ,
لا تكاد تخلو منها مجالس السماع عند المتصوّفه ومن وافقهم .
والترخيص في الإنشاد وسماع الأناشيد هو المختار لدى معظم أهل التحقيق من المعاصرين ،
وتعميماً للفائدة أذكر أقوال طائفة منهم .
فقد قال محدّث الديار الشاميّة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله :
( إذا كانت هذه الأناشيد ذات معانٍ إسلامية ،
وليس معها شيء من المعازف وآلات الطرب كالدفوف والطبول ونحوِها ،
فهذا أمرٌ لا بأس به ،
ولكن لابدَّ من بيان شرطٍ مهم لجوازها ،
وهو أن تكون خالية من المخالفات الشرعية ؛ كالغلوّ ، و نَحوِه ،
ثم شرط آخر ، وهو عدم اتخاذها دَيدَناً ،
إذ ذلك يصرِفُ سامعيها عن قراءة القرآن الذي وَرَدَ الحضُّ عليه في السُنَّة النبوية المطهرة ،
وكذلك يصرِفُهُم عن طلب العلم النافع ، و الدعوة إلى الله سبحانه )
انظر العدد الثاني من مجلة الأصالة ، الصادر بتاريخ 15 جمادى الآخرة 1413هـ ، ص : 73
وقال سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله :
( الأناشيد الإسلامية مثل الأشعار ؛
إن كانت سليمة فهي سليمة ،
و إن كانت فيها منكر فهي منكر ...
والحاصل أن البَتَّ فيها مطلقاً ليس بسديد ، بل يُنظر فيها ؛
فالأناشيد السليمة لا بأس بها ، والأناشيد التي فيها منكر أو دعوة إلى منكرٍ منكرةٌ )
راجع هذه الفتوى في شريط أسئلة و أجوبة الجامع الكبير ، رقم : 90 / أ
وقال الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله :
( الأناشيد الإسلامية كثُرَ الكلام حولها ،
وأنا لم أستمع إليها منذ مدة طويلةٍ ،
وهي أول ما ظهرت كانت لا بأس بها ، ليس فيها دفوف ،
وتُؤدَّى تأديةً ليس فيها فتنة ، وليست على نغمات الأغاني المحرمة ،
لكن تطورت , وصارَ يُسمع منها قرع يُمكن أن يكون دُفاً ، ويمكن أن يكون غيرَ دُفٍّ .
كما تطورت باختيار ذوي الأصوات الجميلة الفاتنة ،
ثم تطورت أيضاً حتى أصبحت تؤدى على صفة الأغاني المحرمة ،
لذلك : أصبح في النفس منها شيء و قلق ،
و لا يمكن للإنسان أن يفتي بأنها جائزة على كل حال , ولا بأنها ممنوعة على كل حال ،
لكن إن خلت من الأمور التي أشرت إليها فهي جائزة ،
أما إذا كانت مصحوبة بدُفٍ ،
أو كانت مختاراً لها ذوو الأصوات الجميلة التي تَفتِن ،
أو أُدِّيَت على نغمات الأغاني الهابطة ، فإنّه لايجوز الاستماع إليها )
انظر : الصحوة الإسلامية ، ص : 185
واعتَبَرَت اللجنةُ الدائمةُ للإفتاءُ الأناشيدَ بديلاً شرعيّاً عن الغناء المحرّم ، إذ جاء في فتاواها :
( يجوز لك أن تستعيض عن هذه الأغاني بأناشيد إسلامية ،
فيها من الحِكَم و المواعظ و العِبَر ما يثير الحماس والغيرة على الدين ،
ويهُزُّ العواطف الإسلامية ، وينفر من الشر ودواعيه ،
لتَبعَثَ نفسَ من يُنشِدُها ومن يسمعُها إلى طاعة الله ، وتُنَفِّر من معصيته تعالى ، وتَعَدِّي حدوده ،
إلى الاحتماءِ بحِمَى شَرعِهِ ، والجهادِ في سبيله .
لكن لا يتخذ من ذلك وِرْداً لنفسه يلتزمُه ، وعادةً يستمر عليها ،
بل يكون ذلك في الفينة بعد الفينة ، عند وجود مناسباتٍ و دواعيَ تدعو إليه ،
كالأعراس والأسفار للجهاد ونحوه ، وعند فتور الهمم ، لإثارة النفس والنهوض بها إلى فعل الخير ،
وعند نزوع النفس إلى الشر وجموحها ، لردعها عنه وتـنفيرها منه .
وخيرٌ من ذلك أن يتخذ لنفسه حزباً من القرآن يتلوه ، ووِرداً من الأذكار النبوية الثابتة ،
فإن ذلك أزكَى للنفس ، وأطهر ، وأقوى في شرح الصدر، وطُمأنينة القلب .
قال تعالى : ( اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ
تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ
ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ
ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) الزمر 23
وقال سبحانه : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ *
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ ) الرعد 28 ، 29
وقد كان دَيدَن الصحابة وشأنهم رضي الله عنهم العناية بالكتاب والسنة حفظاً ودِراسةً وعملاً ،
ومع ذلك كانت لهم أناشيد وحداء يترنمون به في مثل حفرِ الخندق ، وبناء المساجد ،
و فيسيرهم إلى الجهاد ، ونحو ذلك من المناسبات ،
دون أن يجعلوه شعارهم ، و يعيروه جلّ همهم وعنايتهم ،
لكنه مما يروحون به عن أنفسهم ، و يهيجون به مشاعرهم )
انظر النص الكامل لهذه الفتوى في كتاب :
فتاوى إسلامية لأصحاب الفضيلة العلماء ،
جمع وترتيب محمد بن عبدالعزيز المسند : 4 / 533
وفي فتوى اللجنة إشارةٌ إلى ما رواه مسلم وابن ماجة وأحمد عن أَنَسَ بْنِ مَالِكٍ ،
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ :
اللَّهُمَّ إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الآخِرَةِ
قَالَ شُعْبَةُ : أَوْ قَالَ :
اللَّهُمَّ لاَ عَيْشَ إِلاَ عَيْشُ الآخِرَهْ , فَأَكْرِمِ الأَنْصَارَ وَ الْمُهَاجِرَهْ .
وما رواه الشيخان عَنْ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :
رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ ،
وَهُوَ يَنْقُلُ التُّرَابَ حَتَّى وَارَى التُّرَابُ شَعَرَ صَدْرِهِ ،
وَكَانَ رَجُلاً كَثِيرَ الشَّعَرِ ، وَهُوَ يَرْتَجِزُ بِرَجَزِ عَبْدِ اللَّهِ :
اللَّهُمَّ لَوْ لا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا
وَلا تَصَدَّقْنَا وَلا صَلَّيْنَا
فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا
وَثَبِّتْ ا لاقْدَامَ إِنْ لاقَيْنَا
إِنَّ الأعْدَاءَ قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا
إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا
يَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ
ونحو ه ما رواه البخاريّ أيضاً عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال :
خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر ,
فسرنا ليلاً , فقال رجل من القوم لعامر بن الأكوع : ألا تُسمعنا من هنيهاتك ؟
قال : وكان عامر رجلاً شاعراً ، فنزل يحدو بالقوم يقول :
اللهم لولا أنت ما اهتدينا
ولا تصدقنا ولا صلينا
فاغفر فداء لك ما اقتفينا
وثبت الأقدام إن لاقينا
وألقينْ سكينة علينا
إنا إذا صيح بنا أتينا
وبالصياح عوِّلوا علينا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من هذا السائق ؟ ) ،
قالوا : عامر بن الأكوع ،
فقال عليه الصلاة و السلام : ( يرحمه الله ) .
وفي سُُُنَن النسائي رحمه الله أنّ سلمةَ بن الأكوع ارتجز بأبيات أخيه هذه
بين يدي رسول الله صلّى الله عليه و سلّم ، فثدّقه رسول الله عندما قال :
اللهم لولا أنت ما اهتدينا
ولا تصدقنا ولا صلينا
وروى مُسلِم حديث إياس بن سلمة ابن الأكوع ، و فيه رَجزه :
وَأَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ
وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ
ورَجز عمِّه عامر بن الأكوع المتقدّم , وقولَه أيضاً في مبارزة مَرحَب ملك يهود :
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي عَامِرٌ
شَاكِي السِّلَاحِ بَطَلٌ مُغَامِرٌ
حتّى إذا رَجَعَ سيفُ عامر رضي الله عنه عليه فقتله ،
برزَ عليٌّ لِمَرحب , فضَرَبَ رأسه ، فقتله , وهو يقول :
أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَهْ
كَلَيْثِ غَابَاتٍ كَرِيهِ الْمَنْظَرَهْ
أُوفِيهِمُ بِالصَّاعِ كَيْلَ السَّنْدَرَهْ
ولم يُنكر رسول الله صلى الله عليه وسلّم شيئاً من ذلك ،
فكان بمثابة إقراره ،
بل يؤخذ منه اسْتِحْبَاب الرَّجَز فِي الْحَرْب ،
كما قرّره النووي في شرح صحيح مسلم .
وقال الحافظ في ( الفتح ) بعد أن ذكر أقوال العلماء في الغناء عند شرح حديث البراء المتقدّم :
( نَقَل ابنُ طاهر في كتاب السماع الجوازَ عن كثيرٍ من الصحابة ,
لكن لم يثبت من ذلك شيء إلا في النصب - وهو الحداء - المشار إليه أولاً .
قال ابن عبد البر :
الغناء الممنوع ما فيه تمطيط وإفساد لوزن الشِعر طلباً للطرب وخروجاً من مذاهب العرب .
وإنما وَرَدت الرخصة في الضرب الأول دون ألحان العجم .
وقال الماوردي : هو الذي لم يزل أهل الحجاز يُرَخِّصُون فيه
من غير نكير إلا في حالتين :
أن يُكثِرَ منه جداً ، وأن يصحبه ما يمنعه منه .
واحتج من أباحه بأن فيه ترويحاً للنفس ,
فإن فعله ليقوى على الطاعة فهو مطيع ، أو على المعصية فهو عاص ,
وإلا فهو مثل التنزه في البستان والتفرج على المارة .
وأطنب الغزالي في الاستدلال ,
ومُحصَّله أن الحِداء بالرَجَز والشعر لم يزل يُفعل في الحضرة النبوية ,
وربَّما التمس ذلك , و ليس هو إلا أشعار توزن بأصوات طيبة وألحان موزونة
وكذلك الغناء أشعار موزونة تؤدى بأصوات مستلذة وألحان موزونة .
والخلاصة أنّ الأناشيد منها ما هو مشروع ,
ومنها ما هو محظور ،
فما خالطه المنكر , حُرّم لأجله ،
وما سَلِم من المنكر بكافّة صُوَره ، وصَفَت نيّة صاحبه ، فلا بأس فيه ،
والله تعالى أعلم .
كتبه : د . أحمد عبد الكريم نجيب
<div align="center">منقول للفائدة </div>
<div align="center">صقر الأحبة </div>