أولاً ، مقدمة:
لأهمية الأسرة البالغة ، وضع الإسلام المبادئ والقواعد التي تؤسس عليها هذه الأسرة، والتي تكفل لأفرادها حياة فاضلة تقوم على معاني المودة والرحمة والسكن والوئام والسلام ، قال الله تعالى {ومن ءايته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمةً إن في ذلك لآياتٍ لقوم يتفكرون}.وظلت الأسرة المسلمة قروناً طويلة متمسكةً بقيم الترابط والتراحم والتعاطف والتآلف والتكافل،والإحسان والإيثار والمحبة والكلمة الطيبة وصلة الرحم ، فكان لها دور فاعل قوة الأمة ونهضتها .
وفي زمن العولمة وهبوب رياح التغريب، التي ترمي إلى غسل العقول والقضاء على الشخصية المسلمة، تأثرت الأسرة ، فتضعضعت بعد أن كانت متماسكة ، وتفككت بعد أن كانت نواة قوية ، فظهرت مشكلة التفكك الأسري ، وباتت الأسرة رهينة تذبذب وحيرة بين قيم الإسلام وبين القيم الوافدة التي تنأى بهذه الأسرة عن هويتها وأصالتها.
ويعتبر التفكك الأسري من أخطر المشكلات التي تواجه المجتمع ، حيث أدى إلى قائمة طويلة من الآثار الضارة بدءاً بتزايد انحراف الأبناءمروراً بمشكلة تعاطي الخمور والمخدرات، وشيوع سلوك السرقة لدى صغار السن، وتكاثر الأمراض النفسية الناتجة عن تهدم الأسرة في الآباء والأمهات والأبناء والبنات، وغير ذلك كثير من المشكلات التي يصعب حصرها.
ثانياً ، مفهوم التفكك الأسري :
التفكك الأسري أو الانحلال الأسري أو المشكلات الأسرية ، أسماء لمعنى واحد ، هو: فشل واحد أو أكثر من أعضاء الأسرة في القيام بواجباته نحوها، مما يؤدي إلى ضعف العلاقات وحدوث التوترات بين أفرادها، وربما أفضى هذا إلى انفراط عقدها وانحلالها.
قد يأخذ التفكك الأسري أشكالاً عدة منها :
1- انحلال الأسرة بسبب غياب أحد الزوجين عن طريق الطلاق أو الهجر، وفي بعض الأحيان قد يستخدم أحد الزوجين حجة الانشغال الكثير بالعمل ليبقى بعيداً عن المنزل لأطول فترة ممكنة.
2- أسرة "القوقعة الفارغة " حيث يعيش الأفراد تحت سقف واحد، ولكن بالحد الأدنى من العلاقات والاتصال فيما بينهم ، وربما فشلوا في إقامة علاقات متينة فيما بينهم .
3 - الصراع الداخلي بين الآباء والأبناء .
ثالثاً ، من أسباب التفكك الأسري :
الأسباب كثيرة وبعضها يتداخل مع البعض الآخر . من أهمها :
1- عدم متانة التأسيس . قال تعالى { أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير امن أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم }. ويتجلى ذلك في عم اختيار الشريك الصالح .
قال تعالى {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ } . وقال عز وجل { الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّأُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } .
2- الذنوب والمعاصي : فالذنوب والمعاصي تدمر الأسر، وتزلزل بنيانها، وتزيل النعم، وتجلب النقم، وتشتت القلوب، وتدمر المبادئ والقيم، ويحصل بوجودها في البيت تمرد وشذوذ ، فالمرأة لا تطيع زوجها ؛ والزوج لا يهتم بزوجته . قال الفضيل رحمه الله : إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق حماري وخادمي وامرأتي وفأر بيتي . (الحلية 8/109) .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: للطلاق أسباب كثيرة: ... منها : وقوع المعاصي من أحدهما أو من كل واحد منهما، فتسوء الحال بينهما بسبب ذلك، حتى تكون النتيجة الطلاق. ومن ذلك تعاطي الزوج المسكرات أو التدخين، أو تعاطي المرأة ذلك. أ . هـ (فتاوى كتاب الدعوة 2/237) .
3- الزوج الحاضر الغائب: الذي يقضى معظم وقته خارج المنزل ، ولذلك صور متعددة منها :
- رجل الأعمال الذي يصرف معظم الوقت في متابعة أعماله ، دون أن يخصص وقتاً لأسرته، فتبدأ الزوجة بالتذمر والاستياء من هذا الغياب ، فتقع المشاكل بينهما ، خصوصاً إذا كانت الزوجة لا تعمل خارج المنزل ، وربما وفر لها الزوج من الرفاهية والرعاية والخدمة ما يغنيها عن أعمال المنزل ، وهذا مما يزيد من تذمرها وانزعاجها بدلاً من أن يكون سبباً في إسعادها وإرضائها ، فتشكو لأهلها وصديقاتها، وهؤلاء في الغالب يوفرون لها موقفاً داعماً بدلاً من النصح بالصبر ومعالجة المشكلة بهدوء ، فينشب الخلاف والنزاع ولو أن الزوج أعطى أسرته حقوقها لما حدثت الخلافات . قال صلى الله عليه وسلم:" عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ فَجَاءَهُ فَقَالَ : " يَا عُثْمَانُ أَرَغِبْتَ عَنْ سُنَّتِي ". قَالَ : لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَكِنْ سُنَّتَكَ أَطْلُبُ. قَالَ : " فَإِنِّى أَنَامُ وَأُصَلِّى وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأَنْكِحُ النِّسَاءَ فَاتَّقِ اللَّهَ يَا عُثْمَانُ فَإِنَّ لأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِضَيْفِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا فَصُمْ وَأَفْطِرْ وَصَلِّ وَنَمْ " . رواه أبو داود .
وتعظم المشكلة عندما تنتقل آثارها إلى الأولاد الذين ربما خرج أحدهم من المنزل بحثاً عن صديق يشكو له همه أو يخفف عنه من معاناته ، فيقع صيداً سهلاً في يد أصدقاء السوء الذين يأخذونه إلى طريق الانحراف بشتى طرقه ومسالكه.
- والصورة الأخرى ، الزوج المشغول بأصدقائه وجلساته ، عمل في النهار ، وسهرات في المساء ، ويحرم أسرته من الجلوس معه ، أو الخروج بهم لفسحة أو زيارة عائلية أو للتسوق ، تاركاً هذه المسؤولية للسائق، فينتح عن هذا حدوث الشقاق والخلافات بينهما، ما قد يؤدي إلى الطلاق وتفكك الأسرة وانفراط عقدها وتشرد الأولاد أو انحرافهم ، وربما بحث أحدهم عن قدوة يتمثلها دون تمحيص ، فيقلد من ليس أهلاً للقدوة .
عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ : آخَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكِ "، قَالَتْ : أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا، فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا ، فَقَالَ: كُلْ ، قَالَ : فَإِنِّي صَائِمٌ ، قَالَ : مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ ، قَالَ : فَأَكَلَ ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ ، قَالَ : نَمْ فَنَامَ ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ ، فَقَالَ : نَمْ ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ سَلْمَانُ : قُمِ الآنَ ، فَصَلَّيَا فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ : إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم :" صَدَقَ سَلْمَانُ ". رواه البخاري .
إن واجب الرجل نحو أسرته ليس مقصوراً على الإنفاق المادي ، بل يعني ذلك المسؤولية بمفهومها الشامل ، وإذا قام بها كما أوجب الله حمى أسرته من أسباب التفرق والتقاطع، ونشأ الأبناء نشأة سوية ، أما إذا قصر في القيام بواجباته المادية والمعنوية، أو ظن أن مهمته لا تخرج عن توفير الحاجات الضرورية من طعام وشراب وكساء ودواء ، ثم يهمل بيته وشؤون أولاده ، فإنه بذلك يعرض أسرته للضياع لأنها فقدت الراعي، ويسرت للذين يتلقفون الأبناء من أصدقاء السوء أن يزينوا لهم وسائل الفساد.
فمسؤولية الرجل في الأسرة كمسؤولية ربان السفينة، عليه أن يقودها نحو شاطئ الأمان والسلامة ويجنبها الأخطار والأضرار، وإذا أهمل في مسؤوليته كان الغرق هو المصير المحتوم للسفينة .
وما يقال عن غياب الزوج يمكن أن يقال عن الزوجة أيضاً ، فبعض النساء تنصرف عن مسؤولياتها الأسرية بشواغل مختلفة ، كالعمل أو كثرة الزيارات للأهل والصديقات أو الإكثار من التنزه أو التسوق ، فلا يجد الزوج من زوجته عناية بشؤونه واحتياجاته ، وإذا عاد من عمله استقبلته الخادمة التي أعدت الطعام وهيأت المكان والزوجة غير موجودة ، ثم تعود إلى منزل زوجها مُجْهدة متعبة لا وقت عندها للسؤال عن الزوج أو الأولاد وما يحتاجونه، فتنشأ الخلافات ويبدأ التصدع داخل هذه الأسرة.
4 - سعي المرأة إلى الإمساك بقرار المنزل بدلاً من الرجل ، خصوصاً المرأة العاملة التي تسعى إلى أن التحكم بالأمور ، وهذا خلاف ما أمر الله تعالى به بقوله {الرجال قوامون على النسآء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أمولهم } . والمقصود بقوامة الرجل قوامة التدبير والحفظ والرعاية ، وليس المعنى المقصود كما يخطئ في فهمه كثير من الناس : قوامة القهر والتسلط والتعنت . والقوامة بهذا المفهوم هي تكليف وواجب ، فهي تُحمّل الرجل مسؤولية كبيرة ، ولو حاولت المرأة القيام بهذا الدور لفشلت وأخفقت ووقعت النزاعات المتكررة على كل صغيرة وكبيرة في المنزل ، الأمر الذي يمهد الطريق لحصول التفكك الأسري .
ولا يعني الزواج قيام الأفراد باتخاذ قرارات مستقلة ، بل يحسن بالزوجين أن يفكرا ويقررا معاً ، فإذا اتخذت قرارات مشتركة حول موضوعات، كالميزانية والإنفاق أو تربية الأطفال، فإنها تؤدي إلى التكامل والتعاون في الحياة الزوجية، أما إذا تمت القرارات بطريقة فردية أو ارتجالية فإنها قد تضعف الزواج.
5- الغزو الفكري : يعتبر الغزو الفكري عبر القنوات والانترنت وعبر مراكز الدراسات وغيرها والذي يسعى إلى اختراق الحدود والعقل والضمير ، واقتلاع القيم الإسلامية من جذورها ، وإحلال القيم الغربية مكانها ، فتمكن من تبديل كثير من المفاهيم الأسرية ، فباتت طاعة الوالدين ذل ، وطاعة الزوجة لزوجها عبودية ورق، وإنفاق الرجل على أسرته أعباء لا داعي لها ، وتغير مفهوم الإشراف الأسري على الأبناء وتحدد هذا المفهوم بمسؤولية العناية الصحية والجسدية دون النظر إلى مدلول التربية أو اتجاهات التنشئة وانعكاسات ذلك على كثير من المعايير القيمية التي يقوم عليها بناء المجتمع الإسلامي العربي .
ولم تعد الأسرة الحاضن الوحيد والمناسب للنشء إذ وفرت أدوات الغزو الفكري الغربي – وعلى رأسها الإعلام - أنماطاً من وسائل الترفيه واللهو مما جعل دور الأسرة هامشياً ولا أدل على ذلك أن ما يقضيه الشاب أو الشابة أمام القنوات أكثر مما يقضيه من وقت مع والديه أو حتى في المدرسة .
فضلاً عن الانفصال العاطفي ، فلقد أشارت دراسة أمريكية إلى أن القنوات تجمع العائلة فيزيائياً وتفرقها عاطفياً . لذلك قد لا نستغرب أن نشاهد فتاة في العشرين لا تأكل مع أهلها وتذهب الخادمة بالطعام إلى غرفتها وقد يمر يومان أو ثلاثة دون أن تجلس مع والديها .
وبسبب الغزو الإعلامي المركز زهد بعض الأزواج بزوجاتهم والعكس، ( فتنة الممثل مهند ، وطلاق كثير من النساء بسبب إعجابهن في هذا الممثل ) .
كما أن بعض القنوات الفضائية تزيد من الخلاف الزوجي وربما يؤدي بعض الأحيان إلى حالات من الطلاق.فحين تكثر مشاهدة البرامج والمسلسلات الفضائية تترسب المواقف التي شوهدت في العقل الباطن دون أن يشعر أحد الزوجين بذلك ، فتكون هي المرجع في تقويم المواقف واتخاذ القرارات وأحياناً تبذر بذرة الشك في نفس الزوج أو الزوجة في حال تشابه المواقف .
فالخلافات الزوجية يتم مناقشتها عادة بين الزوجين من خلال الموروث المخزون لديهما . فإذا كان هذا الموروث مستقى مما يرى ويسمع ويقرأ في وسائل الإعلام ، فإن القرار الذي سيتخذه سيكون متأثراً بطبيعة الحال بوسائل الإعلام ، وأغلب الظن أن أكثر حوادث الطلاق تمت بأسباب ووسائل مشابهة تماماً لما يحدث في الأعمال التلفزيونية ولكن الزوجين لا يعترفان بأن قرارهما قد اتخذته وسائل الاعلام التلفزيون . كما أن للانترنت سلبيات كثيرة على الأسرة بسبب عدم حسن تعامل أفرادها مع هذه الخدمة، خصوصاً كثير من الأزواج والأبناء، حيث ظهر ما عرف بإدمان الإنترنت، حيث يقضي الكثير منهم جل وقته بعد العمل أو المدرسة أمام جهاز الحاسب يتصفح المواقع الاباحية والممنوعة. وفي السنوات الخمس الأخيرة قام عدد من الباحثين بدراسات على مستخدمي الإنترنت كان من أبرز نتائجها : تناقص التواصل الأسري بين أفراد الأسرة، وتضاؤل شعور الفرد بالمساندة الاجتماعية من جانب المقربين له، وتناقص المؤشرات الدالة على التوافق النفسي والصحة النفسية؛ وهذه نتائج يتوقع أن ينتج عنها خلافات وتفكك داخل الأسر التي تعاني من إسراف بعض أفرادها في استخدام شبكة الإنترنت.
6- الوضع الاقتصادي للأسرة: كثيراً ما يكون للوضع الاقتصادي للأسرة دور كبير في تصدعها ، سواءاً كان غنىً أم فقراً ، وإن كان الفقر سبباً أكثر تأثيراً من الغنى . فقلة دخل الأسرة أو فقرها لا يتيح لها القدرة على إشباع الاحتياجات الأساسية لأفرادها ، فيشعرون بالحرمان والحاجة مما يؤدي بهم إلى الانحراف وطلب المال بالحرام لتلبية ما يحتاجونه ، فتبرز دعة مشكلات اجتماعية ونفسية وأخلاقية للأسرة .
ومن أسباب النزاعات الأسرية أيضاً:
7 - عدم فهم كل من الزوجين لنفسية وطباع الآخر، حيث كثيراً من نجد كلاً من الزوجين يتمسك برأيه دون مراعاة لرأي الآخر . وربما كان سبب ذلك تسلط الرجل أو استغناء المرأة بمالها أو لعدم نضوج عقلية الزوج أو الزوجة بالدرجة الكافية .
8 - ومن أهم أسباب الأزمات الأسرية ، عدم الاهتمام بالأبناء ، ففي المجتمعات الخليجية الحديثة نجد أن عدداً كبيراً من الوالدين قد تركوا الأطفال للخدم ، مما يسبب عزلة عاطفية بينهم وبين والديهم ، وكثير من الأبناء يحبون الخدم ويتعلقون بهن أكثر من أمهاتهم ، وينتج عن هذا الحب تأثر ومحاكاة لعادات الخادمة والتي غالباً ما تكون نصرانية أو بوذية .
9 - العنف الأسري : كشفت الدراسة التي أجرتها وزارة الشؤون الاجتماعية في كتاب "العنف الأسري دراسة ميدانية على مستوى المملكة " وأعدها فريق علمي متخصص ، أن العنف غالباً ما يقع في الأسر المفككة بسبب الطلاق أو وفاة أحد الوالدين.( جريدة عكاظ الأربعاء 02/06/1427هـ الموافق 28/ يونيو/2006 العدد : 1837 ) .
10 - تدخل الأهل في شؤون الزوجين : فكثير من الأسر تعاني مشاكل حولها تدخل الأهل من مشاكل صغيرة إلى مشكلات كبيرة قد تصل إلى حد الطلاق أو الهجر . فأهل البنت يخافون على ابنتهم وأهل الزوج يخافون على ابنهم، فيتدخلون تدخلاً سلبياً يهدم ولا يبني ويفرق ولا يجمع .
ليس ثمة ما يمنع من تدخل الأهل بين الزوجين، شرط أن يكون هذا التدخل بحسن نية وأن يعتقد كلا من الزوجين أن هذا التدخل يعينهما على حل مشاكلهما ، {وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما } .
رابعاً ، من آثار التفكك الأسري :
للتفكك الأسري آثار يصعب حصرها، ولكننا نعرض أهمها ، فمن ذلك:
1- آثار التفكك على أفراد الأسرة : فأول ضحايا التفكك الأسري هم أفراد الأسرة أنفسهم ، فالزوج والزوجة يواجهان مشكلات كثيرة تترتب على تفكك أسرتهما، كالإحباط وخيبة الأمل أو الأمراض النفسية ، كالقلق المرضي أو الاكتئاب أو الهستريا أو الوساوس أو المخاوف المرضية. وقد ينتج عن ذلك عدم القدرة على تكوين أسرة مرة أخرى، فينعزل الزوج أو الزوجة عن الحياة الاجتماعية، ويعيش حياة منطوية على الذات، سلبية التعامل .
وقد يتجاوز الأمر حدود السلبية ويتحول التفكك إلى عنف قد يصدر من الرجل ضد المرأة أو العكس. وليس العنف إلا ردة فعل لتصرفات الآخرين، فالرجل الذي يمارس العنف مع زوجته يثير لديها غريزة العنف . وكذلك ممارسة العنف ضد الأبناء يثير لديهم غريزة العنف ضد الآباء مستقبلاً . والعنف يبدأ بالكلمة النابية أو الاستهانة التي تحمل الآخر على التمرد ورد الإساءة بمثلها أو أشد منها، وقد يتطور الأمر إلى الضرب وإلحاق الأذى المادي الذي يبلغ أحياناً درجة الإقدام على ارتكاب جريمة القتل.
وأكثر الآثار خطورة هي تلك المترتبة على الأولاد ، خصوصاً إن كانوا صغار السن . فأول المشكلات التي تواجههم هي التشتت حيث يعيش الأولاد أو بعضهم مع أحد الوالدين والبعض الآخر مع الوالد الآخر، وغالباً ما يتزوج الأب بزوجة أخرى، والأم بزوج آخر، والنتيجة في الغالب مشكلات مع زوجة الأب وأولادها وزوج الأم وأولاده، مما قد يدفع أولاد الأسرة المتفككة إلى ذلك المنزل إلى أماكن أخرى قد لا تكون مناسبة للعيش في حياة مستقرة . وإذا كانت بنتاً فإنه ليس لها مجال لمغادرة المنزل، فقد يقع عليها حيف في المعاملة ولا تستطيع رفعه، فتصاب ببعض الأمراض النفسية نتيجة سوء المعاملة ، وفي بعض الحالات تكون مثل تلك الفتاة عرضة للانحراف في مسالك السوء بحثاً عن مخرج من المشكلة التي تعيشها، فتكون مثل من استجار من الرمضاء بالنار.
والأطفال بعد الطلاق قد يستخدمون أحياناً كوسيلة للانتقام والإيذاء المتبادل بين الزوجين، فالأم تحرم الأب من رؤية أولاده، والأب يحاول أن يضم الأولاد إلى حضانته، ويعيش الأبناء تجربة نفسية قاسية تترك في وجدانهم انطباعاً سيئاً عن الجو الأسري والعلاقات الزوجية ، وكثير منهم يفشل في دراسته .
ولا يقتصر أثر التفكك الأسري على الأبناء على تخلفهم الدراسي وحسب، فالأبناء الذين ينشأون في أسرة مفككة لا تعرف بين أفرادها غير النفور والكراهية لا تكون نشأتهم طبيعية، وتترسب في أعماقهم مشاعر الكراهية نحو الحياة والأحياء، ويتمثل ذلك في الانحراف والتمرد على القيم والنظم والقوانين وإدمان الموبقات والمخدرات، فضلاً عن العزوف مستقبلاً عن الحياة الزوجية.
قام بعض الباحثين (شلدون واليانور جلو بك ) بربط جنح الأحداث بعدد من أنماط عدم الاستقرار الأسري، فتبين أن الأطفال الذين نشأوا في أسر تفككت أو عانت من مشكلات أسرية أكثر ارتكاباً للجنح والمخالفات ، كما أن الأطفال الذين نشأوا في أسر مات عائلها تزداد معدلات الجنوح لديهم بنسبة (50% ) .
وفي دراسة أخرى اتضح أن المراهقين الذين يعانون من مشكلة سوء التكيف الشخصي ينحدرون أساساً من أسر تتعرض لصراعات زوجية . فالفشل الذي يصيب أداء أحد الأبوين للدور المنوط به يمثل عاملاً مدمراً على الأطفال أكثر مما يمثله انسحاب أحد الأبوين من العلاقة الزوجية.
2- آثار التفكك على علاقات الزوجين بالمجتمع : ينتج عن التفكك الأسري اضطراب وخلل في علاقات الزوجين بالآخرين، خصوصاً الأقارب، فإن كانت ثمة علاقة قرابة تربط بين أسرتي الزوجين فإن هذه العلاقة تتأثر سلبياً بما يحدث للزوجين ، وربما وقعت القطيعة بين الأسرتين .
4- آثار التفكك على قيم المجتمع وثقافته: يسبب التفكك الأسري اختلالاً في كثير من القيم التي يسعى المجتمع لترسيخها في أذهان وسلوكيات أفراده، مثل الترابط والتراحم والتعاون والمسامحة ومساعدة المحتاج والوقوف معه في حالات الشدة، وغيرها من القيم الإيجابية المهمة في تماسك المجتمع واستمراره . إذ يولد التفكك إحباطاً نفسياً قوي التأثير في كل فرد من أفراد الأسرة المتفككة، قد يجعل بعضهم يوجه اللوم إلى المجتمع الذي لم يساعد على تهيئة الظروف التي تقي من التفكك الأسري، فيتحول اللوم لتلك القيم التي يدافع عنها المجتمع، ويسعى الفرد للخروج عليها وعدم الالتزام بها كنوع من السلوك المعبر عن عدم الرضى غير المعلن. كما قد يظهر الفرد نوعاً من السلوك الثقافي المنافي لما هو متعارف عليه في مجتمعه كرد فعل لعدم الرضى عن المجتمع وثقافته، فقد نجده يمجد الثقافة الوافدة على حساب ثقافة مجتمعه .