علامات انهيار المشروع الصفوي
بسم الله الرحمن الرحيم
المحور الأول
نبذة عن نشأة الدولة الصفوية
هذا الاسم يُطلَق على الدولة التي أسّسها الشاه إسماعيل الصفويّ وعلى أتباعه، وهو من سلالة الشيخ صفيّ الدين الأردبيلي الذي كان يسكن مدينة أردبيل التابعة لإقليم أذربيجان في شماليّ غرب إيران.
والشيخ الأردبيلي هو أحد طلاب الشيخ تاج الدين الزاهد الكيلاني صاحب إحدى الطرق الصوفية.وقد قام حفيد صفيّ الدين الشيخ إبراهيم بتطوير طريقته الصوفية، ثم باعتناق المذهب الاثناعشري وتحويل طريقته إلى طريقةٍ شيعيةٍ إمامية متعصّبةٍ غالية .
وسار على دربه ابنه الأصغر جنيد الذي قُتِلَ في إحدى حروبه، فخلفه ابنه حيدر الذي لُقِّبَ بلقب سلطان وأمر أتباعه بأن يضعوا على رؤوسهم قلنسواتٍ من الجوخ الأحمر، تضم الواحدة منها اثنتي عشرة طيّةً رمزاً للأئمّة الاثني عشر عند الشيعة الإمامية، وقد قُتِلَ حيدر أيضاً في إحدى حروب الثأر لوالده وخلفه ابنه إسماعيل، الذي أعلن فيما بعد دولته الصفوية (في عام 1501م)، ووطّد دعائمها، حيث امتدّت من إيران إلى ما حولها، إلى أن وصلت بغداد.
كانت نسبة أهل السنة في إيران 90% وقت قيام الدولة الصفوية على يد إسماعيل الصفويّ ، الذي اتّخذ من مدينة (تبريز) عاصمةً له، وقام بفرض عقيدته بالقوّة، على الرغم من أنّ علماء الشيعة حذّروه بأن لا يفعل ذلك، لأنّ الأغلبية الإيرانية الساحقة تنتمي إلى أهل السنة، لكنه رفض ، وقام بصكّ عملة الدولة، منقوشاً عليها مع اسمه عبارة: (لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي وَليّ الله).
ثم أمر جنوده بالسجود له كلما قابلوه، وقد اشتهر بدمويّته وساديّته الشديدة، فقام بقتل علماء المسلمين وعامّتهم، فقتل أكثر من مليون مسلمٍ سنيّ، ونهب أموالهم، وانتهك أعراضهم، وسبى نساءهم، وأجبر خطباء المساجد من أهل السنة بسبّ الخلفاء الراشدين الثلاثة (أبي بكرٍ وعمر وعثمان) رضي الله عنهم، وبالمبالغة في تقديس الأئمة الإثني عشر ، ووصل الأمر به إلى أن ينبشَ قبور علماء المسلمين من أهل السنة وأن يحرقَ عظامهم.
امتدّت الدولة الصفوية في كل أنحاء إيران وما جاورها، فقضى (الشاه إسماعيل) على الدولة التركمانية السنية في إيران، ثم سيطر على كرمان وعربستان ، وكان في كل موقعةٍ يذبح عشرات الآلاف من أهل السنة ، وهاجم بغداد واستولى عليها، ومارس أفظع الأعمال فيها ضد أهل السنة ، ومما فعله : أنه قام بهدم مدينة بغداد، وقَتل الآلاف من أهل السنّة، واستخدم التعذيب الشديد بحقّهم قبل قتلهم، ثم توجّه إلى مقابرهم، فنبش قبور موتاهم، وأحرق عظامهم!.. كما توجّه إلى قبر أبي حنيفة وعبد القادر الجيلاني رحمهما الله ونكّل بهما ونبشهما، وكذلك قام بقتل كل مَن ينتسب لذرية الصحابي الجليل خالد بن الوليد رضي الله عنه في بغداد، لمجرّد أنهم من نَسَبِه، وقَتَلهم قتلةً شنيعة (تحفة الأزهار وزلال الأنهار، لابن شدقم الشيعي).
عندما وصلت أخبار المجازر الصفوية إلى السلطان العثماني سليم الأول عام 1514م، قام بتجهيز جيشه، واتجه به إلى بغداد، فحرّرها بعد ست سنواتٍ من الاحتلال الصفويّ، وبعد فراره، قام إسماعيل الصفويّ بإبرام حلفٍ مع الصليبيين البرتغاليين، على أن يحتل الصفويون مصر والبحرين والقطيف، ويحتل البرتغاليون هرمز وفلسطين ، لكنّ العثمانيين أحبطوا مخطّطه هذا، وفي عام 1524م هلك إسماعيل الصفوي في تبريز ، فخلفه ابنه طهماسب الصفويّ .
قام طهماسب بالتحالف مع المجر والنمسا ، ضد الدولة العثمانية التي كان يحكمها السلطان (سليمان القانوني) عام 1525م ، واستعان بأحد رجال الدين الشيعة اللبنانيين (نور الدين علي بن عبد العال الكركي)، فكتب له المؤلّفات التي برّرت ممارسات الشيعة ضد السنة، وأسّس بفكره ومؤلّفاته الشيعية لما يُسمى اليوم بـ (ولاية الفقيه)، بأن اعتبر زعيمَ الدولة الصفوية نائباً للإمام المنتَظَر الغائب وكالةً ، وعاد نفوذ الصفويين إلى العراق عن طريق عملائهم الشيعة هناك ، لكنّ السلطان العثماني سليمان القانوني أعاد فتح العراق من جديد، وقضى على حكّامه الموالين للصفويّين ، ثم هلك طهماسب بالسمّ على يدي زوجته، فخلفه من بعده ابنه إسماعيل الثاني ثم ابنه الثاني محمد خدابنده ، ثم آلَ الحكم إلى عباس الكبير بن محمد خدابنده .
تواطأ عباس الكبير مع بريطانية ضد العثمانيين، وحاصر المدن السنية في إيران ، ونكّل بها وبأهلها، وقتل سبعين ألفاً من الأكراد السنة، ومنع الحج إلى مكة المكرّمة، وأجبر الناس على أن يحجّوا إلى قبر الإمام موسى بن الرضا في مدينة مشهد، ثم هاجم العراقَ ، واستولى على بغداد والموصل وكركوك، ثم على معظم البلاد، وحاول فرض (التشيّع) بالقوة، لكنّ أهل العراق رفضوا ذلك، فنكّل بهم، قتلاً وتشريداً وتعذيباً، وسبى النساء والأطفال، وأعاد هدم مرقدي الشيخ عبد القادر الجيلاني والإمام أبي حنيفة النعمان، وحوّل المدارس الدينية السنّية إلى اصطبلات لخيله وخيل جيشه، وقام بإعداد قوائم طويلةٍ لإبادة أهل السنّة في العراق.. إلى أن أهلكه الله، فخلفه الشاه صفيّ الأول، الذي حرّر العثمانيون العراقَ في عهده مرةً جديدةً وأخيرة .
المحور الثاني
تميّزت حقبة الحكم الصفويّ بثلاثة أمورٍ رئيسة.
1
فرض التشيّع بالقوّة، وارتكاب أنواع الجرائم بحق أهل السنة، وتحويل إيران من دولةٍ سنّيةٍ خالصةٍ إلى دولةٍ ذات أغلبيةٍ شيعيةٍ صفوية (النسبة الحالية هي: 63% شيعة، و35% سنّة، و2% نصارى وأرمن ويهود وزارادشت وبهائيون) ، ويقدَّر عدد أهل السنة في إيران اليوم بخمسةٍ وعشرين مليون نسمة.
2
الغلوّ، وإدخال مختلف أنواع الخرافات والبدع والطقوس (اليهودية والمجوسية والنصرانية) إلى الشعائر الإسلامية.
3
التحالف مع غير المسلمين ضد المسلمين.
وانتهت الدولة الصفوية بعد مائة عامٍ تقريباً من عهد صفيّ الأول، أي في عام 1722 م ، بعد أن استمرّت (221) سنة، ولم يعد الصفويون إلى بغداد، إلا في عام 2003م، على ظهر الدبابات الأميركية .
المحور الثالث
الخميني وتجدد الحلم التوسعي
بعد انتصار ثورة الخميني عام 1979 م انبعثت فكرة الهيمنة الفارسية من جديد وتجدد الحلم الصوفي التوسعي ، لكن بعمامة شيعية هذه المرة . فتقاطع في المنطقة مشروعان : مشروع صهيو أمريكي، ومشروع صفوي فارسي.
أي المشروعين أخطر : المشروع الصهيو أمريكي ، أم المشروع الفارسي ؟.
يبدو للمتابع أن المشروع الفارسي أشد خطورة لأن المشروع (الصهيو أمريكي) معروف واضح لكل الشعوب العربية والإسلامية وأبنائها ، حتى للبسطاء منهم، ومن السهل حشد الطاقات لمقاومة هذا المشروع الاستعماريّ الخبيث ، وأصحاب هذا المشروع لا يستطيعون اختراق مجتمعاتنا بالشدة التي يستطيعها الإيرانيون.
أما المشروع الصفوي فإنه يهدد المجتمعات الاسلامية من الداخل ، ويقوّض بنيتها الاجتماعية والثقافية والعقدية والتربوية والإسلامية والأخلاقية، ويهدّد استقراها الداخليّ والأمنيّ ويستخدم أدواته المتعدّدة الأشكال: فهو عنيف قاتل مجرم سفّاح في العراق.
وكريم سَخِيٌّ دبلوماسي مُفسِد خبيث، يتحرّك تحت عمامةٍ مزيَّفةٍ ينسبها لآل البيت في سورية.
ومتآمر مخرِّب خادع يفتعل الضجيج ويرفع الشعارات البرّاقة المزيّفة في لبنان وغزة.
ووقح متحفِّز في دول شماليّ إفريقية والخليج العربيّ.
المحور الرابع
ارتكز هذا المشروع على ركيزتَيْن أساسيَّتَيْن.
الأولى
غَرْس بذور الفتنة الداخلية داخل مجتمعاتنا.
الثانية
الدفع باتجاه تفتيت الكيانات السياسية العربية والإسلامية القائمة أو إضعافها.
المحور الخامس
نظرية أم القرى تحكم السياسة الايرانية .
في ثمانينيات القرن الماضي كتب أكبر منظر إستراتيجي للثورة الإيرانية محمد جواد لاريجاني شقيق علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى ، ورئيس مؤسسة العلوم الإيرانية نائب وزير الخارجية سابقا ، وعضو مصلحة تشخيص النظام ، كتب مذكرة خطيرة يتم تداولها في الأوساط الحاكمة داخل إيران، هذه المذكرة بعنوان "مقولات في الإستراتيجية الوطنية" يطرح فيها محمد جواد لاريجاني دور إيران في الجوار وفي المنطقة العربية والعالم الإسلامي وسمى هذه المذكرة نظرية "أم القرى" ، يقول فيها : إن القرآن ذكر أم القرى والمقصود بها في القرآن مكة، لكن ينبغي أن نحول قم إلى أم القرى، وينبغي أن تكون قم هي أم القرى وينبغي أن تتحول إيران إلى دولة المقر للعالم الإسلامي وينبغي أن يكون ولي أمر المسلمين هو الولي الفقيه الذي يحكم إيران، وبالتالي ينبغي كل السياسة الخارجية الإيرانية أن تبنى على هذا الأساس الفكري والروحي والفقهي . هذه المذكرة هي الآن خارطة الطريق بالنسبة للنظام الإيراني في العالم العربي.
ولتحقيق هذه الغاية، قامت إيران بتشكيل المنظمات الداخلية والخارجية، التي قامت بأنشطة كبيرة ومتعددة في بعض البلدان العربية، كالكويت والسعودية واليمن والبحرين ولبنان.
المحور السادس
أداة التنفيذ هي شعار "تصدير الثورة"
اتخذ المشروع الصفوي شعار تصدير الثورة لقلب الأنظمة في الدول العربية السنية والسيطرة عليها ، وهذا يؤكد أن التشيع الذي تتذرع إيران به هو وسيلة من وسائل التأثير والاختراق أكثر من أي شيء آخر .
وقد صرّح بذلك زعماء إيران وأولهم الخميني، بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لانتصار ثورته، أي بتاريخ 11/2/1980م، فقال : إننا نعمل على تصدير ثورتنا إلى مختلف أنحاء العالَم .
ولأجل هذا وضعوا خطة ، نشرتها مجلة البيان الإماراتية في عددها رقم (78) وفي مقدمتها رسالة موجَّهة من مجلس الشورى للثورة الثقافية الإيرانية إلى المحافظين في الولايات الإيرانية، وذلك في عهد الرئيس الإيرانيّ خاتمي ، وحصلت عليها المجلة من رابطة أهل السنة في إيران مكتب لندن ، ومما جاء في تلك الرسالة : لقد قامت، بفضل الله، دولة الإثني عشرية في إيران بعد عقودٍ عديدة، وبتضحية أمة الإمام الباسلة، ولذلك، فنحن بناءً على إرشادات الزعماء الشيعة المبجَّلين نحمل واجباً خطيراً وثقيلاً، هو"تصدير الثورة " ، وعلينا أن نعترفَ بأنّ حكومتنا فضلاً عن مهمّتها في حفظ استقلال البلاد وحقوق الشعب فهي حكومة مذهبية، ويجب أن نجعلَ تصدير الثورة على رأس الأولويات، لكن نظراً للوضع العالميّ الحاليّ، وبسبب القوانين الدولية كما اصطُلح على تسميتها لا يمكن تصدير الثورة، بل ربما اقترن ذلك بأخطارٍ جسيمةٍ مدمِّرة .
ولهذا، فإننا وضعنا خطةً لنقوم بتصدير الثورة إلى جميع الدول المجاورة، لأن الخطر الذي يواجهنا من الحكّام ذوي الأصول السنيّة، أكبر بكثيرٍ من الخطر الذي يواجهنا من الشرق والغرب، لأنّ أهل السنّة هم الأعداء الأصليون لولاية الفقيه والأئمّة المعصومين، وإنّ سيطرتنا على هذه الدول تعني السيطرة على نصف العالم، ولتنفيذ هذه الخطة ، يجب علينا أولاً، أن نُحَسِّن علاقاتنا مع دول الجوار، ويجب أن يكونَ هناك احترام متبادل وعلاقة وثيقة وصداقة بيننا وبينهم وإنّ الهدف هو فقط تصدير الثورة ، وعندئذ نستطيع أن نُظهر قيامنا في جميع الدول، وسنتقدّم إلى عالم الكفر بقوةٍ أكبر، ونزيّن العالم بنور التشيّع، حتى ظهور المهديّ المنتَظَر .
(يتبع)