الخلافات الزوجية أمر لا مفر منه، فالتفاعلات اليومية بين الزوجين لا بد أن تفرزها، أحيانا تكون تلك الخلافات علامة على صحة الزواج وحيويته وأحيانا أخرى تدق ناقوس الخطر محذرة من اقتراب كارثة عائلية قد تنتهي بانهيار الزواج تماما.
ويمكن للزوجة الذكية أن تتحكم في إدارة الصراع لتجعله يدور في دائرة الحب والاحترام دون أن يفلت الزمام منها.
وكلما كانت الزوجة تتحلى بالذكاء العاطفي ـ الذي يعني الحس المرهف والمهارة الاجتماعية والقدرة على ضبط النفس وتوجيه الانفعال والتعاطف مع الآخرين ـ كلما أحرزت نجاحًا منبهرًا في العلاقة الزوجية بصفة خاصة وفي علاقتها الاجتماعية عمومًا.
الزوجة الذكية هي الزوجة المحبوبة التي تظل تحظى بارتباط زوجها بها وحبه لها، وعدم قدرته على الاستغناء عنها، وهذا يرجع إلى ما تمثله في حياته من مساندة ودعم نفسي وعامل محفز للنجاح وصدر حنون عند الأزمات ويرجع أيضًا إلى ما تشيعه في حياة عائلتها من تفاؤل وأمل وطمأنينة، إنها الروح المرهفة التي يلجأ إليها الزوج عندما يحتج إلى التعاطف، ويلتف حولها الأبناء وتشكل دائمًا نقطة الارتكاز ومحور التوازن في الأسرة كلها.
كان موضوع الخلافات الزوجية، محل اهتمام د. جون جوتمان في معمل الأبحاث الذي يديره ـ وهو طبيب نفسي في جامعة واشنطن ـ حيث أجرى أهم بحث تفصيلي عن العوامل التي ستساعد على استمرار الارتباط العاطفي بين زوجين في زواج ناجح، وأسباب انهيار وتفسخ الروابط بين الزوجين في الزيجات المهددة بالفشل، وسنعرض نتيجة أبحاثه التي اتسمت بالمثابرة والعمق.
أولاً: أربع خطوات في الطريق إلى الطلاق:
الخطوة الأولى: النقد القاسي هو علامة التحذير المبكر في الزواج المهدد، والنقد القاسي هو تعبير عن انفعال الغضب بأسلوب هدام وذلك بالهجوم على شخصية الزوجة أو الزوج بدلاً من التعبير عن مجرد الاستياء في الموقف المحدد الذي أدى إلى الشعور بالغضب.
فمثلاً: إذا تأخر الزوج عن موعد مهم مع زوجته سفر ـ عمل ـ دعوة عشاء فإنها تظل تنتظره وهي تشعر بالضيق والقلق، تنظر إلى ساعتها وإلى الطريق مراراً، تتنامى في داخلها المشاعر السلبية تجاه زوجها وتمتلئ نفسها بالغضب، وأخيرًا عندما يظهر الزوج تبادر: ’هكذا أنت دائما أناني لا تفكر في غيرك لا مبالٍ ولا يعتمد عليك، لقد سئمتك وسئمت الحياة معك’.
والخطأ هنا ليس في غضب الزوجة، ولكن في كيفية التعبير عن هذا الغضب، فهي لم تنتقد ما فعله الزوج بل بادرت بهجوم شامل وجارح على شخص الزوج نفسه، هذا النوع من النقد يحرج الزوج ويستفزه مما يؤدي إلى رد فعل دفاعي، وهكذا تتردى الأمور.
الخطوة الثانية: الأفدح من ذلك أن يأتي الهجوم محملاً بالاحتقار، وهو انفعال مدمر، عادة لا يعبر عنه بالألفاظ ولكن بنبرة صوت غاضبة أو بسخرية مريرة كما يظهر في تعبيرات الوجه التي تنم عن الازدراء، وقد يصل الأمر إلى التفوه بالشتائم والسباب، وهذا السلوك السلبي العدائي يؤدي بطبيعة الحال إلى هجوم مضاد.
الخطوة الثالثة: من الطبيعي أن يشعر الأزواج ببعض اللحظات المتوترة من وقت إلى آخر عندما يختلفان أو يتعاركان، لكن المشكلة الحقيقية تأتي حين يشعر أحد الزوجين أنه وصل إلى مرحلة طفح الكيل]بصورة مستمرة تقريبًا، عندئذ يشعر هذا الطرف أنه مقهور من قبل شريكه وهذه هي نقطة التحول الخطيرة في الحياة الزوجية.
الخطوة الرابعة: يؤدي الوصول إلى مرحلة ’طفح الكيل’ إلى التفكير فعليًّا طوال الوقت في أسوأ ما في الطرف الآخر، بحيث يترجم كل ما يفعله سلبيًّا، فالمسائل الصغيرة تصبح معارك كبيرة والمشاعر مجروحة دائمًا ومع الوقت تبدو كل مشكلة تصادفهما مشكلة حادة من المستحيل علاجها، ومع استمرار هذا ’الطوفان’ يبدو التحدث في هذه الأمور بلا جدوى ويبدأ كل منهما في الانعزال عن الآخر و’ممارسة حياتين متوازيتين’، حتى إن كلاً منهما يشعر بالوحدة رغم أنه متزوج!
وهكذا تخلص نتائج د. جوتمان، على أن الخطوة التالية غالبًا هي الطلاق. خلال هذا المسار نحو الطلاق يتبين أن النتائج المأساوية لنقص الكفاءة العاطفية تصبح واضحة بذاتها، فعندما يقع الزوجان في دورة من النقد والاحتقار وعمليات الدفاع والصمت والاستغراق في الأفكار المزعجة حتى يفيض بهما الكيل وينفصلان شعوريًّا ونفسيًّا، فإن هذه الدورة نفسها تعني انعكاسًا لما يعانيه الزوجان من تفسخ للإدراك العاطفي الذاتي ولضبط النفس والتعاطف وقصور في القدرات التي يمكن أن تخفف عن كل طرف من قبل الطرف الآخر، بل عن نفسه أيضًا.
م/ ن