ننتقل اخواني الأحبة الى ورع هذا العالم الزاهد رحمه الله ، فكان رحمه الله زاهد ورع متواضع ، فلله درّه من عالم .
5-ورعه .
الزهد والورع صفتان نبيلتان يتحلى بهما كرائم الرّجال ، والزهد كما عرفه أهل العلم : هو ترك ما لا ينفع في الآخرة ، والورع: ترك ما يخشى ضرره في الآخرة .
والشيخ رحمه الله تعالى قد تحلّى بكلا الصفتين الكريمتين ، وقد سبق الحديث عن زهده ، وهذه نماذج من ورعه .
قال الشيخ الدّكتور يوسف بن عبد الله الزامل :
( جئته مع وفدٍ اقتصاديٍّ في أمسية عصرٍ جميلة في منزله القديم ، وتحدّثنا في بعض الأمور ، وشكونا إليه شخصاً مسيئاً ، فكأنّ الشيخ تكلم فيه بضع كلمات تبين أذاه ، ثم تحدثنا في موضوعات أخرى وقضينا بعد مدةٍ مجلسنا ، وكان المجلس مسجّلاً في شريط ، وعندما أردنا أن نخرج قال لي: انتظر ، أعطني الشريط ، أريده ثم أرجعه لك ، ثم بدا له فقال : أتعرف تلك الكلمة التي في الشريط عن فلان ، امسحها ) . (1)
وقال الشيخ عائض الردادي :
( وما زلت أذكر موقفَ الشيخ من اسم برنامج ( مِنْ أحكام القرآن ) في إذاعة القرآن الكريم ، فقد أقرتـه الإذاعة باسم ( أحكام القرآن ) فأصرّ
ـــــــــــــــ
(1) مجلة الأسرة ، العدد 92 .
الشيخ على أن يكون الاسم ( من أحكام القرآن ) التزاماً منه بخلق العلماء ، وتواضعهم وورعهم ، فهو لم يرد أن يوصف ما استنبطه من آيات الذكر الحكيم بأنه كلّ ما في الآيات من أحكام، بل أدخلَ (مِن) ليكون ما يقوله شيئاً مما استُنْبِطَ من الآية ) . (1)
وقال الدّكتور عبد الله بن عبد المحسن التويجري :
( إنه عرض لمسألة في المسح على الخفّين ، وذكر أنّ فهمه للدليل كذا ، ولولا أنه لا يعرف من قال بها من السلف لأفتى بها ) . (2)
وقال الشيخ محمد صالح المنجّد :
( وكان متحرّياً للدقة ، وحتى في تصحيح درجات الطلاب فربما يعطي واحداً من خمسٍ وأربعين ، وواحداً من ثمانين ، فيقول له بعض من حوله من المدرّسين : إلى هذه الدرجة الدّقة ! فقال : لا أستطيع أن أزيده فأظلم غيره ، ولا أن أنقصه فأظلمه ) . (3)
وقال الشيخ الدّكتور إبراهيم بن عبد الله المطلق :
( في عام 1417هـ وفي شهر شوّال ، استضافته جامعة الإمام في دورة المبتعثين في المعهد العلمي بجدّة في محاضرة علميّة للمبتعثين ، ليجيب على أسئلتهم الشّرعية ، وقد تزامن ذلك مع اجتماع هيئة كبار العلماء في مدينة الرياض ، فاعتذر الشيخ عن المحاضرة إلاّ أن يأذن له سماحة الشّيخ ـــــــــــــــ
(1) الجزيرة ، (2) مجلة الدّعوة ، العدد 1776 .
(3) الدعوة ، العدد 1777 .
عبد العزيز بن باز ، فأذن له ، فحضر وقد شرفت بمرافقته وقراءة الأسئلة على فضيلته ، وفي نهاية المحاضرة طلبت منه توقيع أنموذج يتم من واقعه صرف مكافأة لصاحب المحاضرة، فلمّا صلى الشيخ رحمه الله تعالى المغرب وجلست بجواره لاستكمال الإجابة على الأسئلة ، قال لي : أين الورقة التي قبل قليلٍ ؟ فأعطيتها إيّاه ، فمزّقها ، فقلت له : لما فعلت هذا يا شيخ أحسن الله إليك ؟
قال : نحن محسوبون الآن على هيئة كبار العلماء بالرياض .
فأكبرت هذا الورع العظيم في شخصه رحمه الله تعالى حيث رفض مكافأة الجامعة على هذه المحاضرة رغم تكلفة مشقّة السفر إلى جدّة معلّلاً ذلك بأنه في حال انتداب إلى الرّياض لحضور اجتماع الهيئة ، فرحمه الله رحمة واسعة ) . (1)
وقال الشيخ عبد الرحمن العشماوي :
( ومما رواه لي بعض الأخوة الثّقات عن أمانة الشيخ : أحد الإخوة كان ينقله معه من عنيزة إلى بريدة للعمل في الجامعة ، ويقول : أنا في نقل الشيخ معي كنت أستفيد فائدة كبيرة ؛ علم ، وأسئلة ، والشيخ يجيبني ، وأفاجأ به في آخر كلّ شهر عندما يستلم راتبه يأخذ المبلغ المقتطع للنقل ويسلمه لي ، وأنا أحاول ردّ المبلغ ، فيقول : لا يمكن لأن هذا المبلغ مخصص للنقل ، وأنت نقلتني فيجب أن تأخذه ) . (2)
ـــــــــــــــ
(1) مجلة الدعوة ، العدد 1776 .
(2) مجلة الدّعوة ، العدد 1776 .
وقال أيضاً :
( ومن الأشياء العجيبة عنه أنه كان إذا استخدم قلمه في الجامعة واضطر أن يملأ قلمه بالحبر من ( الدواة ) من مكتبة الجامعة ، بعد أن ينتهي من العمل ، وقبل أن يخرج يفرغ ما بقي من الحبرفي قلمه في ( الدواة ) بالمكتب ، ثم ينطلق ) . (1)
وقال الشيخ عبد الرحمن بن علي النّهابي إمام وخطيب جامع الصالحية ، وعضو الجمعية الخيرية الصالحية :
( وفي مجالس الجمْعية لاحظت الورع في تعامله رحمه الله ، فلا يمكن أن يدخل على الجمعيّة ما لا يصحّ أن يدخل فيها أو يخرج منها ، ما ليس فيه مصلحة ظاهرة ، أو منفعة تعود على الجمعية .
ومن ذلك :
أنه وصلنا تبرع من آل الإبراهيم وفقهم الله بمبلغ مائة ألف ريال ، وكان مزيل في الشيك أنّه زكاة ، فعرضنا ذلك على فضيلته ، فقد كان أفتى بعدم صرف الزكاة لجمعيّات تحفيظ القرآن الكريم ، وقلنا سنضعه في الطّلاب الفقراء والمعلمين المحتاجين ، فقال : ليُرد عليهم المبلغ ، أو يراجعون في تحويله لصرفه لغرض الزكاة .
وكان يقول : نحن مسؤولون عن هذا المال الذي بين أيدينا فلا نستهين ولا بريالٍ واحد ) . (2)
ـــــــــــــــ
(1) المصدر السابق .
(2) جريدة الجزيرة ، العدد 10346 .
وقال الدّكتور عبد الله بن علي الجعيثن :
( ومن أمثلة ذلك : أنه كان رحمه الله يميل إلى قوة القول بأن لابس الخفّ لو نزعه وهو على طهارة مسحاً أنه له إعادته والمسح عليه ، لكنه أوقف القول به على وجود قائلٍ به ممن سبقه ، حيث قال – رحمه الله تعالى – فالذي يمنعني من القول به هو أنني لم أطلع على أحدٍ قال به ، فإن كان قال به أحد من أهل العلم فهو الصواب عندي ) . (1)
ومن ذلك أن الشيخ أفتى بفتيا اتهمه الناس على إثرها بتهم شتّى تتعلّق باعتقاده ، وذات مرّة سأله أحد طلبة العلم عن تلك الفتوى وما أثارته ، فأجابه الشيخ ، وقال ضمن إجابته : ( إن النّاس إذا رأوا إنساناً مشهوراً تكلموا عليه ، وطعنوا فيه حسداً من عند أنفسهم ) وفي المساء طلب الشيخ شريط التسجيل الذي تضمّن هذا الكلام ، وطلب حذفه ، وقال: ( قَوْلي : إنساناً مشهوراً ما كان ينبغي لي قولها ، فهذه فيـها تزكية للنفس ) . (2)
وقال في شرح زاد المستقنع في أحد الدّروس :
( قضيّة الأوامر والنواهي لم أصل إلى ضوابط محددة في هذه المسألة ، لأننا لوقلنا بوجوب كل أمرٍ لكلفنا الناس ، وإلى سـاعتي هذه ما وجدت ضابطاً تنضبط به جميع الأوامر وجميع النواهي ، لأنه يخـرج من الوجوب
ـــــــــــــــ
(1) الدعوة ، العدد 1777 .
(2) الأسرة ، العدد 92 .
كثير من الأوامر بالاتفاق ، وأما ما خالف الإجماع فالأمر فيه واضح). (1)
يتبع بإذن الله