الشيخ نبيل العوضي
2013-01-17
إن من أعظم الأسباب التي جعلت المسلمين يتهاونون في ارتكاب المعاصي ويكثرون منها هو قلة الخوف من الله عز وجل، ونسيان عظمته سبحانه وتعالى، ونسيان ما أعده الله لمن عصاه ولم يقم بما أمر به، والناظر في حال السلف وما كانوا فيه من شدة الخوف من الله سبحانه وتعالى يرى الفرق كبيراً بيننا وبينهم، فقد كانوا كثيري العبادة ومع ذلك يخافون من الله أشد الخوف ألا يقبل أعمالهم، ونحن بالعكس منهم فقد كثرت ذنوبنا وقل خوفنا من الله عز وجل واستشعار مراقبته.
أيها الإخوة الكرام: إن كثيراً من الناس يجترئ على الذنوب والمعاصي، ويتهاون في الواجبات ويتساهل بها، وإذا فعل أكبر الكبائر كأنما ذباب وقع على أنفه، فقال به: هكذا وطار، وكأن الأمر هين وسهل.
.
إذا ترك الصلاة ضحك، وإذا ارتكب الحرام فرح، وإذا تهاون بالواجبات كأنه لم يفعل شيئاً، أما إن خالف غيره من البشر فالأمر شديد، والهول كبير، ويخاف أن تصدر عليه عقوبة؛ فلا ينام الليل، وأما أن يتذكر عذاب الله عز وجل فلا.
أيها الإخوة: إن المقام الذي ينقص هذا هو مقام الخوف من الله جل وعلا .
.
فقد قلَّ في كثيرٍ من المسلمين -إلا من رحم الله- الخوف من الله؛ فتجده يرتكب المحرمات، ثم يقولها وبكل سهولة: أستغفر الله وهو يضحك، القلب لا يندم، والعين لا تدمع، والخوف لا يوجل في قلبه ولا يدخل قلبه، ما السبب؟ إنه لا يخاف من ربه جل وعلا.
قال الله جل وعلا واصفاً عباده المؤمنين: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ [النور:6-37] تعرفون لماذا؟ لأنهم كانوا يجلسون في بيوت الله، ويحافظون على الصلوات الخمس، ويؤدون الفرائض، قال: يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ [النور:37].
كان ابن مسعود -رضي الله عنه- جالساً، فسمع أحد أصحابه يقول: ما أود أن أكون من أصحاب اليمين، إنما أود أن أكون من المقربين -لأنهم أعلى درجة من أصحاب اليمين- فقال ابن مسعود أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: [أما أن هاهنا رجلاً يود أنه إذا مات لم يبعث -يعني: نفسه- أود أنني إذا مت لا أبعث، وددت أنني شجرة تعضد] شجرة ثم تزول وتهلك كما تهلك الأشجار، ولا أبعث عند الله عز وجل يوم القيامة، يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ [النور:37].
هذا اليوم الذي كان يبكي منه أسلافنا، حتى كان أحدهم إذا أراد أن ينام لا يستطيع النوم تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً [السجدة:16] خوفاً من ذلك اليوم خَوْفا ًوَطَمَعاً [السجدة:16].
يقول بعضهم: "ما رأيت مثل الحسن -أي: البصري - وعمر بن عبد العزيز كأن النار لم تخلق إلا لهما".
وبكى بعضهم قبل الوفاة بكاء شديداً فبكت أمه، قال: ولم تبكين؟ قالت: لبكائك يا بني! قال: أما إني أبكي لخوف المطلع عند الله جل وعلا في ذلك اليوم.
بل إن بعضهم كـسفيان الثوري وغيره كان إذا ذكر عنده الموت كان من شدة خوفه يبول دماًَ، أجلكم الله.
ما بالنا -يا عباد الله- الواحد منا يرتكب المحرمات إلا من رحم الله، وبعضنا يرتكب المنكرات العظام بل أكبر الكبائر والأمر عنده هين، والخطب سهل.
.
لماذا؟ لأن الخوف من الله جل وعلا لم يخالط قلبه.
عبد الله! أراك لا تصلي الفجر في الأسبوع إلا مرة، ولا تتذكر العصر إلا بعض الأحيان، وأراك تستمع بعض الأغاني، وتقع في غيبة بعض الناس، ثم لو سئلت قلت: إن ربي غفور رحيم.
اسمع إلى سلفنا كيف كانوا يخافون من الله جل وعلا: قال الحسن البصري: " سمعت أن هناك رجلاً يخرج من النار بعد ألف سنة " يقول الحسن: (قيل لي، وروي، وسمعت): أن رجلاً يخرج من النار بعد ألف سنة أي: بعد أن يمكث في النار، قال: " وددت أنني ذلك الرجل" أي: أود وأتمنى أني أمكث في النار فقط ألف سنة.
عباد الله! هل وصلنا إلى هذه الدرجة؟ أم أن الواحد منا قد ضمن نفسه مع أنه لا يصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة في بيوت الله؟ والصلاة ما كان يتركها إلا المنافقون في عهد النبوة، وكان الذي يصلي الجماعة يخاف على نفسه من النفاق.
عباد الله! هل وصلنا إلى هذه الدرجة من الخوف؟ الواحد منا يعطي من نفسه ويقوم الليل ثم يخاف من عذاب الله جل وعلا.
يقول عروة بن الزبير: كنت أبيت، ثم إذا غدوت أبدأ ببيت عائشة فأسلم عليها -أول بيت في الصباح أسلم عليه بيت عائشة - يقول: فقدمت عليها يوماً فإذا هي قائمة تصلي وتبكي -لعله قبل الفجر، ولعله في الضحى، ولعله في وقتٍ من الأوقات- قال: قائمة تبكي وتقرأ قول الله جل وعلا: فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ [الطور:27] فنظرت إليها تبكي، فأعادت الآية مرة أخرى فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ [الطور:27] فانتظرت فأعادت الآية مرة ثالثة ورابعة وخامسة وأخذت تعيدها وتبكي، فقلت: أذهب لأقضي حاجة لي فأرجع، قال: فذهبت، ثم رجعت بعد زمن، فنظرت إليها قائمة تردد نفس الآية وتبكي رضي الله عنها وأرضاها.
بعضهم يا عباد الله! كان يقوم الليل فيبكي بعد القيام حتى الصباح يستغفر الله تعالى على تقصيره، وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:18].
كانوا يستغفرون من تقصيرهم في قيام الليل، لا من عدم قيامهم لصلاة الفجر، ولا من ارتكابهم للمحرمات، ولا من سهرهم على الأغاني والمسلسلات، لا والله، يقومون الليل ثم يستغفرون الله وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ [المؤمنون:60] بعضكم يقول: هؤلاء الزناة، وهؤلاء شاربو الخمور، يجب أن يخافوا من الله، وقد قالت عائشة: هم الزناة؟ هم شاربو الخمور؟ وهم الذين يفعلون ويفعلون؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يا بنة الصديق! هم الذين يصلون ويصومون ويتصدقون ويخافون ألا يتقبل منهم) يخافون من الله جل وعلا أن يأتي يوم القيامة فيجعل أعمالهم هباء منثوراً، صلاتي يا رب .
.
صيامي .
.
صدقتي .
.
حجي وعمرتي جعلها الله هباء منثوراً؛ لأن للأعمال محبطات، لا تظن أنك إذا عملت العمل انتهى كل شيء! لا والله، المشقة كل المشقة في المحافظة على هذا العمل، كيف تحافظ عليه حتى تلقى الله؟
ألا تعلم -يا عبد الله- أن هناك أعمالاً تحبط هذا العمل، منها: أن تختلي بمحارم الله؛ تجلس في البيت، أو في المجلس، أو الغرفة، أو السيارة، أو تسافر إلى بلاد الغرب فتنتهك محارم الله، قال عليه الصلاة والسلام: (فيجعلها الله هباء منثوراً) أي: الصيام والصلاة والصدقة والحج والبر كله، يجعلها الله هباء منثوراً.