أنواع الكذب المباح :
يُعَرِّفون الكذب بأنه : الإخبار بما يخالف الواقع .
و الكذب مذموم مطلقاً ليس فيه حمد قط , فهو صفة ذم لا يهدي إلا إلى الفجور ولا يكون من المؤمن الكامل الإيمان .
ولست بصدد بيان قبحه في الشرع والعرف وأثره على الأمة وما يُستثنى من التحريم منه , فقد أُلف في هذا ما لا مزيد عليه.
إلا أني أناقش هذا الضابط الذي ذكروه حيث يدخل فيه ما ليس منه فليس هو بمانع ..
*******
وهنا أذكر من الأمور التي تخالف الواقع وليست من باب الكذب والله أعلم .
1- الإصلاح بين الناس .
2- ما يجري بين الرجل وامرأته.
3- في الحرب .
وهذه مستثناة بالنص الشرعي (1) على الخلاف في هل المعنى الكذب : الصريح أم التورية ؟
---------------
(1) حديث أم كلثوم في البخاري مرفوعاً ((ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس ، فينمي خيرا أو يقول خيرا ))
------------------
والأظهر هو القول الأول من وجوه بعضها :
- فهم الراوي أنه صريح الكذب لقولها : ولم أسمعه يرخص في شيء من الكذب مما يقول الناس إلا في ثلاث.. الحديث .
وهم أقرب إلى النص وأعلم باللغة.
- لا ينبغي صرف اللفظ عن ظاهره إلا لقرينة تقتضيه أو لمخالفة ظاهر النص أصلاً شرعياً وهذا غير موجود هنا.
- أن التورية إذا لم تؤدي إلى محرم فهي جائزة أصلاً فصرف اللفظ إليها لغو ينزه عنه الشرع.
- قوله عليه السلام : (ليس الكذاب ) استعمل صيغة فعال وهي إحدى الصيغ التي تفيد تأكيد المعنى المشار إليه .
وعليه فليست هذه النقطة مما يتعلق ببحثنا فليحرر.
4- التورية والتدليس :
وهو أيضاً مما يخالف الخبر به الواقع عند المستمع وهو ليس من الكذب المذموم اتفاقاً .
على أنه ليس ممدوحاً أيضاً خاصة عند عدم الحاجة إليه ,
وهو من أكبر أسباب خرم المروءة وعدم الوثوق بالشخص المشتهر به, كما أنه يجر _ أعني كثرة استعماله _ لا محالة إلى الكذب المذموم .. نتيجة للخطأ الذي يصدر عن المتكلم لتسرعه في الحديث أو قلة بضاعته في أساليب اللغة التي توقعه في المحظور مع عدم تمكنه من التراجع وإدراك الأمر فيقع فيما حرم الله .
وعموماً فهو من الكلام الجائز للحاجة وليس من الكذب
ومنه قول إبراهيم عليه السلام( إني سقيم ) وقوله ( إنها أختي )
على أن هذه الأخيرة يمكن أن يقال أنها من قبيل إيجاب الكذب في حالة مخاطبة الظالم وصرفه عن أذية أو قتل..
وهي أيضاً من باب المعاريض وليست من الكذب الصريح والله أعلم .
5- المبالغة لغرض :
وهذا أسلوب عربي مستعمل يدخل في الحد الذي وضعوه في ضابط الكذب وليس منه , ومنه قوله صلى الله عليه وسلم ( أما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه ) رواه مسلم..
ومما لا شك فيه أنه ليس على الحقيقة فلابد وأنه يضعها حين الأكل والاغتسال والنوم , وإنما هو كناية إما عن كثرة الأسفار أو عن ضربه للنساء .
ومن قول المجامع في رمضان ( فوالله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر من أهل بيتي ) فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ,
ولاشك أن هذه مبالغة وجزم بظن غائب وفي المكان أهل الصفة وغيرهم , ومع ذلك لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فدل أن المبالغة والجزم بالظن ليس من الكذب والله أعلم .
6- صنع مناظرة علمية وهمية .
كما فعل ابن القيم بين سني وقدري , وابن عقيل في الفنون بين الحنابلة وغيرهم, والسعدي في مسألة طهارة المني ويقال أن له كتاب مناظرات..
7- في الأدبيات والأمثال .
كقولهم في الأشعار ( قال حمار الحكيم ..)
ومنه :
مقامات الحريري ,
وكتاب كليلة ودمنة
كما جاء في مجلة البحوث الإسلامية لهيئة كبار العلماء قولهم : ((فهو يقول [يعني الحريري صاحب المقامات]: إنه لم يَعرف عن أحد من علماء الأمة إلى زمنه أنه حرم أمثال تلك القصص التي وضعت عن الحيوانات ككتاب "كليلة ودمنة" وغيره ؛ لأن المراد بها الوعظ والفائدة ، وصورة الخبر في جزئياتها غير مرادة ،
وما سمعنا بعده أيضا أن أحداً من العلماء حرم قراءة مقاماته)) انتهى المراد منه.
وجاء عن النعمان بن بشير الصحابي المعروف ، أنه خطب الناس فضرب مثلاً في حكاية على لسان ثلاثة من الحيوانات الضبع والضب والثعلب.[ أغاني الأصفهاني (16/38)].
8- إجابة سائل أبله عن سؤال جوابه أوضح ..
كقول إبراهيم عليه السلام (بل فعله كبيرهم هذا
وكقول الإمام الشعبي لمن أتاه وهو واقف ومعه سائلة في الطريق فسأله:
قائلاً بأدب جم و حياء !!:: أيكما الشعبي ؟!!!!
فكان جواب الإمام بسخريته : أنْ أشار للمرأة وقال هذه!
**************
وهنا نقطة : قول مؤذن يوسف ( أيتها العير إنكم لسارقون ) وهم لم يسرقوا ؟
عدها ابن جرير الطبري في التفسير وغيره - كما في شرح مسلم للنووي - من الكذب
وتأولها الطبري: أن هذا بإذن من الله فجاز .
قلتُ : ولعل الجواب أن التكذيب إنما يكون للخبر وعبارة المؤذن إنشاء وهي اتهام يطالبهم بدليل البراءة أو الإدانة ,ولهي أقرب إلى الشتم منها إلى الكذب الاصطلاحي , ولو صح جوابهم بكذبت علينا فهو بمعنى أخطأت باتهامك إيانا
كما هو معلوم من لغة الحجاز .
والله تعالى أعلم وأحكم
على أن هذا الجواب فيه نظر...يراجع لاحقاً.
والله المستعان ...
************
ولمن أدلى بدلوه فأفاد ،، شكر وتقدير ..
************
والله الموفق ...