اللهم أعد علينا رمضان أعواما عديدة، وأزمنة مديدة، ونحن في صحة وعافية وإيمان.
آه يا شهر القرآن، آه يا شهر التراويح والقيام، آه يا شهر الصدقة والصيام.
وداعا يا أحلى الليالي وأسعد الأوقات .. كم كان فيها من خيرات ونفحات .. وتلاوات وصدقات .. وجباه ساجدة .. وعيون دامعة.. وأفئدة وجلة..
وداعا تردد كل المدائن ..كل الأزقة.. كل البيوت..
وداعا تردد كل المآذن.. كل السهول.. وكل الجبال..
وداعا تردد هذي الوهاد.. وتلك السحاب..
وداعا وتلهب كل الخدود دموع الوداع...
لقد عشنا رمضان، أحببناه وأنسنا به، لقد ملك قلوبنا، وصافح أحاسيسنا، وهاهو الآن يفارقنا، يودعنا.. شاهد لنا أو علينا. فيا ليت شعري من هو المقبول فنهنيه، ومن هو المحروم فنعزيه.
كيف لا تجري للمؤمن على فراقه دموع؟ وهو لا يدري هل بقي له في عمره إليه رجوع؟
أين حرق المجتهدين في نهاره؟ أين قلق المجتهدين في أسحاره؟ فكيف حال من خسر في أيامه ولياليه؟ ماذا ينفع المفرط فيه بكاؤه؟ وقد عظمت فيه مصيبته، وجل عزاؤه! كم نصح المسكين فما قبل النصح؟ كم دعي إلى المصالحة فما أجاب إلى الصلح؟ كم شاهد الواصلين فيه وهو متباعد؟ كم مرت به زمر السائرين وهو قاعد؟؛ حتى إذا ضاق به الوقت، وخاف المقت؛ ندم على التفريط حين لا ينفع الندم، وطلب الاستدراك في وقت العدم.
أخي الحبيب: لا أجد ما أعزيك به أبلغ من أن أقول أحسن الله عزاءنا جميعا بانصرام هذا الشهر العظيم، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يكتب لنا فيه خير ما كتبه لعباده الصالحين. وأن يجعلنا ممن أعتقهم من النيران إنه جواد كريم.
لا بد لنا أيها الأخ المبارك بعد هذا الفراق من وقفة يقفها كل مسلم ومسلمة، يقف مع نفسه قائلا: لقد عشت رمضان، وصليت فيه، لقد صمت فيه وقمت، لقد كنت أحرص فيه على الطاعة، وأسارع إلى القربة، لقد أحسست فيه براحة قلبي، وهدوء نفسي، وصفاء عيشي. ولذة المناجاة والأنس بالله تعالى.
وهنا أسألك أيتها النفس: لماذا لا أجعل من عمري كله رمضان؟! هل هناك عائق يعوق؟
أيتها النفس: ألست تريدين السعادة؟ ألست تطلبين الراحة؟ ألست تسعين للطمأنينة؟
هل هناك أسعد مما وجدت في رمضان؟ هل هناك أمتع وأحلى وألذ من تلك اللحظات؟
فيا نفسي اجعلي كل حياتك رمضان.
صحيح أن النفوس تمل، ولا يمكن أن تبقى على حال واحدة من النشاط والإقبال، وأن لمواسم الخيرات نفحاتها ورحماتها وبركاتها وإقبالها.
ولكن إياك يا نفس أن تكوني كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا.
لئن فترت همتك يا نفس يوما فلا تفتر عن واجب، ولا تتجاوز إلى محرم. واسمعي قول حبيبك صلى الله عليه وسلم: ((إن لكل عمل شرة ، و لكل شرة فتنة ، فمن كان فترته إلى سنتي فقد اهتدى ، و من كانت إلى غير ذلك فقد هلك )) رواه أحمد وصححه الألباني
أخي الحبيب: إن من علامات قبول الطاعة الطاعة بعدها، والحسنة تنادي أختها، والموفق من حافظ على حسناته من الضياع، وواظب على الطاعات والإحسان حتى يأتيه الموت وهو على أحسن حال من الإنابة والإقبال على الله.
- حافظ أخي على الصلوات الخمس في جماعة كما كنت في رمضان.
- صم الإثنين والخميس، وثلاثة أيام من كل شهر. وأكثر من النوافل.
- واظب على قراءة القرآن الكريم ولو ورقة واحدة من القرآن قبل كل صلاة، وسيكون المجموع اليومي: خمسة أوراق (نصف جزء) لا بأس، وفي الأسبوع ثلاثة أجزاء ونصف، وفي الشهر أربعة عشر جزءا، ويضاف لها نصف جزء، وهكذا في الشهر الآخر؛ أي تنهي المصحف كاملا في كل شهرين، إنه خير كثير، فإذا اعتادت النفس عليه؛ فلن تشبع منه أبدا.
- الوتر وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا تتركه ولو حتى بعد صلاة العشاء مباشرة إن لم أستطع القيام في الليل.
- اجعل مبلغا محددا من الدخل الشهري لجارك المسكين، أو كفالة ذلك اليتيم، أو إعانة طالب علم...ولو مبلغا يسيرا ولو حتى درهما واحدا؛ فالحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، ولا يزال الله ينمي الصدقة في يده سبحانه حتى تكون مثل الجبل، ولعله أن يكتب بذلك الدرهم آلاف الحسنات؛ والله ذو الفضل العظيم.
أبواب الخير كثيرة مشرعة طوال العام ، بر وصلة، جود وإحسان، خوف ورجاء، إحسان إلى الوالدين، أمر بالمعروف، نهي عن المنكر، حج وعمرة، حسن خلق، معاشرة بالمعروف.......
فلنجتهد في فعل الطاعات، واجتناب الخطايا والسيئات، لنفوز بالحياة الطيبة في الدنيا والأجر الكثير بعد الممات. {من عمل صلحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون } النحل 97
اللهم اجعل شهر رمضان شاهدا لنا عندك يوم نلقاك، اللهم أعده علينا أعواما عديدة، وأزمنة مديدة، ونحن في مزيد من الصحة والعافية والأمن والإيمان. اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وثبت قلوبنا على الإيمان.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..