نحو الأحسن
حين يطمع إنسان في رضا من يحبه من البشر فإنه يتزين له إن كان سيقابله، ويأتي بأغلى ما يملك إن كان سيقدم هدية، ويجتهد في تحسين عمله ما دام المقابل كبيراً والأجر عظيماً.
إن الله تعالى يحب من عباده أن يقدموا إليه عباداتهم في أحسن صفة، وأن تكون أعمالهم التي يتقربون بها إليه في أحسن صورها وأتم أركانها، وقد ورد التعبير عن المؤمنين الموحدين في كثير من الآيات بلفظ المحسنين، لأنهم أحسنوا فتركوا الكفر والمعاصي وآمنوا وعملوا الأعمال الصالحة، والتعبير بصفة الحسن فيه دلالة على أنها صفة مطلوبة في إيمان المسلم وأعماله، وأنها صفة مهمة من صفات الموحدين التي ينبغي أن يجتهدوا في تحقيقها ويتصفوا بها، فالإحسان أعلى درجات الإيمان.
وقد وَرَدَ لفظ الحسن ومشتقاته في كثير من النصوص الشرعية، سواء في بيان مكانته، أو في الحث على عمل، أو في ذكر فضل عمل على آخر، ومن هذه النصوص: قال تعالى:{ وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } [هود: 7]، قال الشنقيطي:
"... إن الله تبارك وتعالى صرح بأن الحكمة التي خلق الخلق من أجلها هي أن يبتليهم أيهم أحسن عملاً، ولم يقل: أيهم أكثر عملاً، فالابتلاء في إحسان العمل" .
ومن الناس من يغفل ويقصر عن تحقيق مثل هذا الإحسان فيما يقدمه لنيل رضا ربه عز وجل، سواء في عبادة واجبة، أو عمل صالح، ولا سيما الأعمال التي تقع خارج نطاق المنفعة الذاتية وتكون في نطاق منفعة المسلمين أو مصلحة الأمة، فتجد عباداته هزيلة، فصلاته لا خشوع فيها، أو صيامه مليء بمنكرات الأخلاق والأعمال، أو تجده يسيء معاملة جاره، أو يكذب في حديثه، أو يغش في تجارته، أو يعق والديه، أو يهمل في عمله .
وهذه المظاهر وغيرها خطرها كبير، سواء على مستوى الفرد أو على مستوى المجتمع، حيث يضيع كثير من ثواب العمل، ويخسر المقصر في الإحسان ما ورد فيه من فضل، وعلى مستوى المجتمع تشيع روح الإهمال ويزيد التخلف.