العلمانية.. وحكم الجاهلية
حاول أعداء الإسلام ـ من يهود صهيونيين، ونصارى صليبيين، وغيرهم ـ حاولوا القضاء على الإسلام عن طريق نشر الإلحاد.. وفشلوا.. وحاولوا صرف الناس عن الإسلام عن طريق الشيوعية.. وفشلوا.. وأحس الأعداء اليأس من هذا الدين ولكنهم، بعد التفكير والتدبير، لجأوا إلى طريقة أخبث، وحيلة أمكر..
لجأوا إلى إقامة أنظمة وأوضاع تتزيا بزي الإسلام، وتتمسح في عقيدته، ولا تنكر الدين جملة، بل تعلن إيمانها به إيماناً نظرياً، واحترامها له كعقيدة في الحنايا، وشعائر تؤدي في المساجد، أما ما وراء ذلك من شؤون الحياة فمرده ـ بزعمهم ـ إلى إرادة الأمة الحرة الطليقة التي لا تقبل سلطاناً عليها من أحد.. وكانت هذه هي خدعة "العلمانية" التي تخفى النظم اللادينية حقيقتها وراء لافتتها، لتُقْصي شريعة الله عن الحياة، وتحكم الأمة بغير ما أنزل الله، ولما كانت حقيقة هذه العلمانية تخفى على كثير من المسلمين، فإنه من واجبنا أن نفضح هذه العلمانية، عبر نظرة نلقيها على واقعها لنراها على حقيقتها ونتبين ما هي العلمانية؟ وكيف نشأت؟.. لمن حق التشريع المطلق في نظمها؟ وما هي الشريعة التي تحمل الأمة على التحاكم إليها؟
العلمانية.. التعريف والنشأة:
لفظ العلمانية ترجمة خاطئة لكلمة Secularism في الإنجليزية، أو Secularite بالفرنسية، وهي كلمة لا صلة لها بلفظ العلم ومشتقاته على الإطلاق.. والترجمة الصحيحة للكلمة هي اللادينية أو الدنيوية، لا بمعنى ما يقابل الأخروية فحسب، بل بمعنى أخص هو ما لا صلة له بالدين، أو ما كانت علاقته بالدين علاقة تضاد !!.
وفي دائرة المعارف البريطانية مادة Secularism: هي حركة اجتماعية تهدف إلى صرف الناس وتوجيههم من الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بهذه الدنيا وحدها..
وهل الدينا والآخرة طريقان منفصلان؟! وهل هذه لإله وتلك لإله؟! وهل الإله الذي يحكم الدنيا، غير الإله الذي يحاسب الناس يوم القيامة؟!
ولذلك فإن المدلول الصحيح لكلمة "العلمانية" هو: فصل الدين عن الدولة.. أو هو إقامة الحياة على غير الدين، سواء بالنسبة للأمة أو للفرد، ثم تختلف الدول أو الأفراد في موقفها من الدين بمفهومه الضيق المحدود، فبعضها تسمح به، وتسمى العلمانية المعتدلة، فهي ـ بزعمهم ـ لا دينية ولكنها غير معادية للدين، وذلك في مقابل المجتمعات الأخرى المضادة للدين.. وبدهي أنه لا فرق في الإسلام بين المسميين، فكل ما ليس دينياً من المبادئ والتطبيقات فهو في حقيقته مضاد للدين، فالإسلام واللادينية نقيضان لا يجتمعان. ولا واسطة بينهما.
وإذن فالعلمانية دولة لا تقوم على الدين، بل هي دولة لا دينية، تعزل الدين عن التأثير في الدنيا، وتعمل على قيادة الدنيا في جميع النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والقانونية وغيرها بعيداً عن أوامر الدين ونواهيه.
والعلمانية دولة لا تقبل الدين إلا إذا كان علاقة خاصة بين الإنسان وخالقه بحيث لا يكون لهذه العلاقة أي تأثير في أقواله وأفعاله وشؤون حياته.
ولا شك أن المفهوم الغربي العلماني للدين، على أنه علاقة خاصة بين العبد والرب، محلها القلب، ولا علاقة لها بواقع الحياة.. جاء من مفهوم كنسي محرف، شعاره "أد ما لقيصر لقصير، ما لله لله"، ومن واقع عانته النصرانية خلال قرونها الثلاثة الأولى، حين كانت مضطهدة مطاردة من قِبل الإمبراطورية الرومانية الوثنية، فلم تتمكن من تطبيق شريعتها، واكتفت بالعقيدة والشعائر التعبدية ـ اضطراراً ـ واعتبرت ذلك هو الدين وإن كانت لم تتجه إلى استكمال الدين حين صار للبابوية سلطان قاهر على الأباطرة والملوك، فظل دينها محرفاً لا يمثل الدين السماوي المنزل. فلما جاءت العلمانية في العصر الحديث وجدت الطريق ممهداً، ولم تجد كبير العناء في فصل الدين عن الدولة، وتثبيت الدين على صورته الهزيلة التي آل إليها في الغرب..
وإذن فالعلمانية، رد فعل خاطئ لدين محرف وأوضاع خاطئة كذلك، ونبات خرج من تربة خبيثة ونتاج سيئ لظروف غير طبيعية.. فلا شك أنه لم يكن حتماً على مجتمع ابتلى بدين محرف أن يخرج عنه ليكون مجتمعاً لا دينياً بل الافتراض الصحيح هو أن يبحث عن الدين الصحيح..
فإذا وجدنا مجتمعاً آخر يختلف في ظروفه عن المجتمع الذي تحدثنا عنه، ومع ذلك يصر على أن ينتهج اللادينية ويتصور أنها حتم وضرورة فماذا تحكم عليه؟.. وكيف يكون الحكم أيضاً إذا كان المجتمع الآخر يملك الدين الصحيح.. فقط نثبت السؤال، ونترك ـ لا نقول لكل مسلم ـ بل لكل عاقل الإجابة عليه؟
أما نحن فنكرر هنا أنه لا يوجد دين جاء من عند الله هو عقيدة فقط، والدين الذي هو عقيدة فقط أو عقيدة وشعائر تعبدية، دون شريعة تحكم تصرفات الناس في هذه الأرض، هو دين جاهلي مزيف لم يتنزل من عند الله.
العلمانية.. وحق التشريع المطلق:
في مسلسل نبذ الشريعة الإسلامية، وفصل الدين عن الحياة في ديار الإسلام، كانت الحلقة الأخيرة هي النص في دساتير الدول (الإسلامية) على تقرير حق التشريع المطلق للأمة ـ الأمة في الإسلام لا تملك حق التشريع المطلق، ولكن الشرع فوض إليها ـ في حدود ضوابط معينة ـ الحق في اختيار أئمتها ليسوسوا أمورها على مقتضى الكتاب والسنة ـ ونصت بعض هذه الدساتير على اعتبار رئيس الدولة جزءاً أصيلاً من السلطة التشريعية، واكتفى بعضها الآخر بالنص على الحقوق التي يمارسها رئيس الدولة في مجال التشريع وهي حق الاقتراح، وحق الإصدار وحق الاعتراض أو التصديق.
ومن الأولى:
- دستور المملكة الأردنية الهاشمية الذي ينص في المادة 25 على أنه: تناط السلطة التشريعة بمجلس الأمة والملك.
- والدستور السوداني الذي ينص في المادة 80 على أنه: رئيس الجمهورية هو رأس الدولة ويتولى السلطة التنفيذية، ويشارك في السلطة التشريعة.
- ودستور البحرين الذي ينص في المادة 42 على أنه: لا يصدر قانون إلا إذا أقره المجلس الوطني ووافق عليه الأمير.
ومن الدول التي اكتفت على النص على الحقوق التي يمارسها رئيس الدولة في مجال التشريع.. دستور مصر المادة 109: لرئيس الجمهورية حق الاقتراح، والمادتان 112، 113: تنظمان حق رئيس الجمهورية في التصديق على القوانين والاعتراض عليها.
- والمملكة المغربية ينص دستورها على: للملك حق الإصدار.. وينص في الفصل 44: يصدر القانون عن مجلس النواب بالتصويت.
- ودستور الجزائر ينص: رئيس الجمهورية يصدر القوانين (المادة 154) وينص في المادة 5: السيادة الوطنية ملك الشعب.
- والدستور الكويتي ينص في المادة 6: نظام الحكم في الكويت ديمقراطي السيادة وللأمة مصدر السلطات جميعاً.. ويقول في المادة 51: السلطة التشريعية يتولاها الأمير ومجلس الأمة.
والمسلمون يعرفون أن: الأمة في الإسلام لا تملك أن تحل ما تشاء وتحرم ما تشاء، كما هو الحال في الفكر الغربي الذي أخذ هؤلاء عنه دساتيرهم.
- ونفس هذا التقرير ـ تقرير السيادة والتشريع للأمة أو الشعب، واعتبار رئيس الدولة جزءاً من السلطة التشريعية ـ نفس هذا التقرير منصوص عليه في الدستور السوري (المادة 110)، والدستور الليبي (المادة 18، 20)، والدستور التونسي (المادة 38، 44)، والدستور العراقي (المادة 41، 51، 44)، والدستور اليمني (المادة 92)، ودستور دولة الإمارات (المادة 110، 47، 54).
وفي كل تلك الدول تتجسد السيادة التي قررتها الدساتير للأمة أو الشعب في ثلاثة مظاهر رئيسية:
الأول: السلطة التشريعية: ودورها سن القوانين التي يتحاكم إليها في الدماء والأموال والأعراض، وفي كل شؤون الحياة.
الثاني: السلطة التنفيذية: ووظيفتها المحافظة على النظام العام والسهر على حماية القوانين.
الثالث: السلطة القضائية: ووظيفتها حل المنازعات والفصل في الخصومات وفقاً للقوانين الصادرة من السلطة التشريعية.
وإذن فالأنظمة العلمانية تقر بالسيادة المطلقة للأمة، وتنص في دساتيرها على أن القانون هو التعبير على إرادتها المطلقة.. فالأمة ـ بزعمهم ـ هي التي تقرر الشرائع التي تحكم بها، وحقها في ذلك بلا حدود !!.
ولا شك أن هذا في حقيقته هو الإقرار بحق التشريع المطلق للأمة لا ينازعها فيه منازع، ولا يشاركها فيها شريك.. فما تحله هو الحلال وإن اجتمعت على حرمته كافة الشرائع السماوية، وما تحرمه هو الحرام وإن اتفق على حله كل دين جاء من عند الله..
ذلك أن الأمة في الأنظمة العلمانية هي مصدر التشريع، وما يصدر عنها هو القانون.. والقانون ليس بنصيحة، ولكنه أمر، وهو ليس أمراً من أي أحد، ولكنه أمر صادر فقط ممن يدان له بالطاعة وموجه إلى من تجب عليه تلك الطاعة.
وإذا كان سلطان الأمة يتجسد في السلطة التشريعية، والتنفيذية، والقضائية فإنه لا يوجد قانون بالمعنى الصحيح إلا إذا صدر عن السلطة التشريعية في الحدود التي رسمها الدستور، وكلتا السلطتين التشريعية والقضائية بهذا الاعتبار مشتركان في الخضوع لسيد الكل.. ألا وهو الدستور.. الذي يجب أن يحنى الجميع أمامه رؤوسهم صاغرين.
وتأمل معي هذه الكلمات، وقل معي رحم الله ابن تيمية حين قال: "إن الإنسان أمام طريقين لا ثالث لهما، فإما أن يختار العبودية لله.. وإما أن يرفض هذه العبودية فيقع لا محالة في عبودية لغير الله.
· - العلمانية.. وكيف تحكم؟
للقانون في ظل العلمانية مصادر مادية، ومصادر رسمية، فأما المصادر المادية فهي التي تغترف منها مادة القانون، وهي متعددة ومتنوعة، ولا تفيد هذه المصادر في معرفة ما إذا كانت هناك قاعدة قانونية أم لا، لأن القاعدة القانونية لا تعتبر إلا إذا توفر لها عنصر الإلزام الذي يضيفه عليها المصدر الرسمي.
فالمصادر الرسمية هي التي يستمد منها القانون إلزامه، وسطوته وسلطانه.. والمصادر الرسمية للقانون المصري هي:
- التشريع.
- العرف.
- مبادئ الشريعة الإسلامية.
- مبادئ القانون الطبيعي.
- قواعد العدالة.
وليست هذه المصادر على درجة واحدة من الأهمية، فالتشريع هو المصدر الأساسي السابق في أهميته، في حين أن المصادر الأخرى لا تعدوا أن تكون مصادر ثانوية احتياطية لا يلجأ إليها إلا إذا سكت التشريع عن حكم النزاع.
فالمشرع الوضعي يوجب على القاضي أن يعمل نصوص القانون الوضعي فيما يعرض عليه من وقائع، فإن لم يجد عمل بالعرف، فإن لم يجد بحث في أحكام الشريعة الإسلامية، فإن لم يجد فقواعد العدالة والقانون الطبيعي. [مدخل دستوري ـ سيد صبري، نظرية القانون ـ فؤاد عبد الباقي].
فالتشريع الوضعي يشغل مكان الصدارة بالنسبة للمصادر الأخرى، والأغلبية الساحقة من القواعد القانونية ترجع إليه، إذ قد تقلص ظل المصادر الأخرى حتى أصبحت أهميتها بالغة التفاهة ـ حسب تعبير د/ سيد صبري ـ واقتصر دورها على سد النقص في التشريع عن حكم النزاع المعروض أمام القاضي.
على أن القاضي إذا عرض عليه نزاع معين وجب عليه أن يبحث في نصوص التشريع فإذا وجد بينها نصاً يسري بلفظه أو بروحه على الحالة المعروضة عليه التزم تطبيقه وما كان له أن يلجأ إلى المصادر الأخرى.
فقد نصت المادة الأولى من القانون المدني على ما يلي، تسري النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها في لفظها أو في فحواها، فإذا لم يجد نص تشريعي يمكن تطبيقه حكم القاضي بمقتضى العرف، فإذا لم يجد فبمقتضى الشريعة الإسلامية، فإذا لم يجد فبمقتضى القانون الطبيعي وقواعد العادلة.
فتأمل ـ أخي المسلم ـ تقديم العمل بهذا القانون الوضعي على الشريعة الإسلامية وتأمل ما في ذلك من إهدار للشريعة، بل وتقديم العرف البشري على أحكام الشرع الإلهي، وفي هذا مزيد من الإهدار للشريعة الإسلامية..
فهي لا تعدو عند العلمانية أن تكون مصدراً احتياطياً في الدرجة الثالثة.. ولا يعدو تعليق إعادة الحكم إلى الشريعة الإسلامية على حالة انعدام النص القانوني أو العرفي، لا يعدوا أن يكون ضرباً من المحال، لأن التشريعات الوضعية يراعى فيها ـ كما يقول العلمانيون ـ الشمول والإحاطة والتناول المفصل لكل ما يمكن أن يعرض من المنازعات في الحياة العملية.
هذه هي طريقة العلمانية في الحكم بقوانينها، وتلك هي مصادر القوانين في ظلها.. ومن قبلها كانت مصادر جنكيزخان في كتاب أحكامه الذي وضعه للتتار هي اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية، وكانت الشريعة الإسلامية عنده مصدراً أصلياً وليس احتياطياً.. فماذا قال عنه العلماء؟
لقد أطلقها ابن كثير ـ المفسر المؤرخ المحدث ـ أطلقها صريحة مدوية: من ترك الشرع المنّزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء، وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة فقد كفر، فكيف بمن تحاكم إلى الياسا، وقدمها عليه، لا شك أن هذا يكفر بإجماع المسلمين.
العلمانية.. والمصدر الرئيسي للتشريع:
هناك شبة قد يشوش بها العلمانيون، وهي أن بعض الدساتير قد نص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع.. مثل دستور مصر الذي جاء في مادته الثانية: أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع... ونحن نقول: إننا لا نحكم إلا بما نعلم، ولا نجزم إلا بما نرى المحاكم الوضعية تمارسه صباح مساء، وهو أن المحاكم لا تزال ملزمة قانوناً بتطبيق القوانين الوضعية، وأن القضاة لا يملكون بحال من الأحوال تطبيق الشريعة.
ففي قضية اغتيال السادات أسس الدفاع عمله على الدفع بعدم الدستورية لأن نصوص القوانين مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية التي تعتبر المصدر الرئيسي للتشريع وفقاً لأحكام المادة الثانية من الدستور الصادر عام 1971، والمعدلة عام 1980... فماذا قالت المحكمة في ردها على ذلك؟
جاء في رد المحكمة: رداً على هذا الدفع، فإن المحكمة تشير بادئ ذي بدء إلى ما هو مستقر من أن قواعد التفسير للنصوص تأبى تأويل النص أو تحميله أكثر مما يحتمل إذا كان واضحاً لغوياً فعبارة "المصدر الرئيسي للتشريع" لا تمنع لغوياً وجود مصادر أخرى للتشريع، وهو نفس مفاد النص قبل تعدليه.
أرأيتم.. إن المحكمة تؤكد أن العبارة شركية، وأنها تتضمن وجود مصادر أخرى غير الشريعة الإسلامية.
ولماذا نذهب بعيداً؟ لقد حدث بالفعل أن حكم قاضٍ بالجلد في جريمة سُكر، متأولاً هذه المادة الدستورية..
فماذا كانت النتيجة؟
لقد أبطل حكمه، وأقصى عن العمل من القضاء !!
وكان ممن ذكره رئيس محكمة استئناف الإسكندرية المستشار سعيد العيسوي في أوجه بطلان هذا الحكم ما يلي:
- أن من قضى بذلك فقد حنث في يمينه القضائي الذي أقسم فيه على الحكم بالعدل واحترام القوانين.. والعدل كما يقول السيد المستشار، يعني أن تقضي في الواقع المعروض بالعقوبة الملائمة في حدود القانون المطبق.. ثم يضيف فيقول: فقضاء هذه المحكمة بقانون آخر غير القوانين المطبقة في ذلك حنث باليمين فما بالك بمن يطبق أو يخترع قانوناً يعلم أنه غير معمول به !!.
- وجنائياً لا يجوز، ولا يقبل من القاضي أن يجرم فعلاً لا ينص القانون على اعتباره جريمة، ولا يجوز له ولا يقبل منه أن يقضي بعقوبة لم ينص عليها القانون.
- أن مصدر هذا الحكم لم يعرف شيئاً عن علم العقاب، فقد شدد المشرع الوضعي في العقوبة وجعلها ستة أشهر حماية للمجتمع، وهذا أحفظ من مجرد الجلد ثمانين جلدة !!!. [مأخودة من كتاب أحكام إسلامية إدانة للقوانين الوضعية ـ المستشار محمود عبد الحميد غراب].
أرأيت ـ أخي المسلم ـ إن هذه العلمانية ترى أن التشريع الوضعي أحفظ لأمن المجتمع من الشريعة الإسلامية.. والقاضي الذي حكم بالجلد لم يعرف شيئاً عن علم العقاب !!.. هكذا.. وكأن القوم يقولون إن الله ـ تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً ـ لا يعرف شيئاً عن علم العقاب عندما اكتفى بمجرد الجلد على السُكر.. سبحانك.. هذا بهتان عظيم..
ومن الذي يجرؤ على ادعاء أنه يشرع للناس، ويحكم فيهم، خير مما يشرع الله لهم ويحكم فيهم؟ وأية حجة يملك أن يسوقها بين يدي هذا الادعاء العريض؟
أيستطيع أن يقول: إنه أعلم بالناس من خالق الناس؟
أيستطيع أن يقول: إنه أرحم بالناس من رب الناس؟
أيستطيع أن يقول: إنه أعرف بمصالح الناس من إله الناس؟
أيستطيع أن يقول: إن الله سبحانه وهو يشرع شريعته الأخيرة، ويرسل رسوله الأخير، ويجعل رسوله خاتم النبين، ويجعل رسالته خاتمة الرسالات، ويجعل شريعته شريعة الأبد.. كان ـ سبحانه ـ يجهل أن أحوالاً ستطرأ، وأن حاجات ستجد، وأن ملابسات ستقع، فلم يحسب حسابها في شريعته لأنها كانت خافية عليه، حتى انكشفت للناس في آخر الزمان..
ما الذي يستطيع أن يقوله.. وبخاصة إذا كان يدّعي الإسلام؟.
إنه مفرق الطريق، الذي لا معدى عنده من الاختيار..
إما إسلام وإما جاهلية.. إما إيمان وإما كفر.. إما حكم الله وإما حكم الجاهلية..
وهذه العلمانية التي وصفنا حالها، ورأينا واقعها ليست يقيناً حكم الله القائم على الكتاب والسنة.. فماذا تكون إلا.. حكم الجاهلية؟
قال تعالى: {أفحكم الجاهلية يبغون، ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون} فجعل عز وجل الحكم حكمين لا ثالث لهما: حكم الله.. وهو الحكم القائم على الكتاب والسنة، وحكم الجاهلية.. وهو ما خالف ذلك.
وإذن فالعلمانية هي.. حكم الجاهلية.
من كتاب لماذا نرفض العلمانية
للدكتور محمد محمد بدري