السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أيها المؤمنون إن مفتاح العبودية الأعظم هو شهادة أن لا إله إلا الله، فلا إله إلا الله قامت بها السماوات والأرض ولا إله إلا الله فطرة الله التي فطر الناس عليها ولا إله إلا الله أول دعوة الرسل لأقوامهم ولا إله إلا الله كلمة التقوى والإسلام ومفتاح الجنة دار السلام.
أيها المؤمنون إن فضائل لا إله إلا الله عظيمة كثيرة، فمن ذلك أنها أول ما يطالب به العبد ليدخل في الدين الذي لا يقبل الله - تعالى -سواه ففي قصة بعث معاذ إلى اليمن: ((فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله))(4) ومن فضائلها أن بها يعصم دم العبد وماله قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من قال: لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله - عز وجل -))(5) رواه مسلم. ومن فضائل لا إله إلا الله أنها تحرم على النار من قالها صادقاً مخلصاً ففي الصحيحين من حديث عثمان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله))(6).
ومن فضائلها أن بها يدخل العبد الجنة دار السلام قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أشهد أن لا إله إلا الله و أني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما فيحجب عن الجنة))(7)رواه مسلم. ومن فضائلها أنه من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة فعن معاذ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسام: ((من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة))(8) رواه أبو داود بسند صحيح.
ومن فضائل هذه الكلمة المباركة أنها أفضل ما نطق به العبد ففي الترمذي بسند صحيح قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله و حده لا شريك له)(9) ومن فضائل هذه الكلمة الطيبة أن من قالها بإخلاص حصلت له شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - ففي الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أحق الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصة من قلبه)). (10)
ومن فضائل لا إله إلا الله أنه لا يعدلها شيء في الميزان فعن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن نوحاً - عليه السلام - قال لابنه عند موته: آمرك بلا إله إلا الله فإن السماوات السبع و الأرضين السبع لو وضعت في كفة ووضعت لا إله إلا الله في كفة رجحت بهن لا إله إلا الله ولو أن السماوات السبع و الأرضين السبع كن حلقة مهملة قصمتهن لا إله إلا الله))(11) رواه أحمد بسند جيد.
ومن فضائل لا إله إلا الله أنها إذا رسخت في قلب العبد بددت ضباب الذنوب وغيومها فعن عبد الله بن عمر مرفوعاً: ((يصاح برجل من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر له تسعة وتسعون سجلاً كل سجل مد البصر ثم يقال: أتنكر من هذا شيئاً؟ فيقول: لا يارب. فيقال: ألك عذر أو حسنة؟ فيقول: لا. فيقال: بلى إن لك عندنا اليوم حسنة وإنه لا ظلم عليك فيخرج له بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقال: إنك لا تظلم فتوضع في كفة و البطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة)) (12) رواه أحمد والترمذي وغيرهما، بإسناد صالح.
أيها المؤمنون إن من فضائل لا إله إلا الله الكبار أنها تثمر العمل الصالح فجميع الأعمال الصالحة الظاهرة والباطنة إنما هي ثمرة هذه الكلمة المباركة قال الله - تعالى -: ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ. تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُون) (13) فشبه - سبحانه - الكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة فمن رسخت هذه الكلمة الطيبة في قلبه إيماناً وتصديقاً انقادت جوارحه لأمر الله - تعالى -عملاً وتطبيقاً فلا إله إلا الله ما أعظم هذه الكلمة وأكثر فضائلها.
أيها الإخوة المؤمنون إن لنا مع هذه الفضائل العظام وقفتين:
الوقفة الأولى: في معنى هذه الكلمة الطيبة فإن كثيراً من الناس لا يعرف معناها وقد لا يدرك حقيقة مضمونها ولا شك أن هذا سبب كبير في تخلف هذه الفضائل عن قائلها أيها المؤمنون إن معنى قولكم: لا إله إلا الله أنكم تقرون بأنه لا معبود بحق إلا الله - تعالى -فلا يستحق أحد أن يصرف له شيء من العبادات القلبية كالمحبة والخوف والرجاء والتوكل غير الله - تعالى - ولا يستحق أحد أن يصرف له شيء من العبادات العملية من صلاة ونذر وذبح ودعاء غيره - سبحانه - بل الواجب أن يفرد - جل وعلا - بجميع العبادات الظاهرة والباطنة.
فإن أخل العبد بشيء من ذلك فصرف العبادة لغير الله - تعالى -فإن لا إله إلا الله لا تنفعه بشيء بل هو مشرك كافر متوعد بقوله - تعالى -: ( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَار) (14) فاحذروا الشرك يا عباد الله فإن خطره عظيم اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك ونحن نعلم ونستغفرك مما لا نعلم.
الوقفة الثانية: أنه لا يكفي في حصول تلك الفضائل والخيرات المرتبة على قول لا إله إلا الله مجرد قول اللسان فقط قال ابن القيم - رحمه الله - عن الاكتفاء بقول اللسان دون العمل بها: " فإن هذا خلاف المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام " ثم قال - رحمه الله -: فإن المنافقين يقولونها بألسنتهم وهم تحت الجاحدين لها في الدرك الأسفل من النار فلابد من قول القلب وقول اللسان.
أيها المؤمنون إن قول القلب الذي لابد من توفره لتحصيل تلك الفضائل وإدراك تلك المناقب هو أن تكون أعمالك يا عبد الله كلها لله وأقوالك لله عطاؤك لله ومنعك له حبك لله وبغضك له معاملاتك كلها لوجه الله وحده لا تريد بذلك من الناس جزاءً ولا شكوراً. فمن صاغ قلبه وقوله وعمله على ذلك فإنه من أهل لا إله إلا الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
أيها المؤمنون اقدروا لهذه الكلمة العظيمة قدرها فإنها مفتاح النجاة وباب السعادة في الدنيا والآخرة.