بسم الله الرحمن الرحيم
ليس من الدعاء ((سيؤتينا الله من فضله إنا إلى الله راغبون))
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه إلي يوم الدين.أما بعد؛ فقد اطلعت على ورقة توزع كُتب فيها بالأحرف الكبيرة ما يلي: ((حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله إنا إلى الله راغبون، يقول ابن باز: والله! ما دعوت بهذا الدعاء بعد التشهد الأخير في أمر عسير إلا تيسر))!! وبلغني أنها موجودة في مواقع كثيرة من شبكة المعلومات، وسمعت تسجيلاً لأحد المشايخ قال فيه: ((إذا ضيِّق عليك في الرزق قل: حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله إنا إلى الله راغبون، أعيد: إذا ضيِّق عليك في الرزق قل: حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله إنا إلى الله راغبون، إن قال لك أحد: هذا الشيخ مبتدع؛ أين الدليل عليها؟ قل: إن الله قال في حق المنافقين: (ولو أنهم قالوا (كذا) حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله) الرسول مات الآن لا نقول (حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون)، فإذا ضيق عليك قل هذا: حسبنا الله سيؤتينا الله من فضلة إنا إلى الله راغبون، هذا تعليم الله لعباده وأوليائه، جعلنا الله وإياكم منهم)).
وأعلق على ذلك بما يلي:
1. هذه الآية والتي قبلها في طائفة من المنافقين، قال الله عز وجل: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58) وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ [التوبة : 58 ، 59] ، وليس فيها دعاء وإنما فيها الإخبار عن بعض المنافقين الذين همهم الدنيا فيرضون إذا أُعطوا شيئاً منها ويسخطون إذا لم يُعطوا، فأرشدوا إلى الرضا بما آتاهم الله وجعل رسوله صلى الله عليه وسلم سبباً في ذلك؛ كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إنما أنا قاسم والله يعطي)) رواه البخاري (71) ومسلم (2392)، والتوكل على الله بأن يقولوا: حسبنا الله، وأما قولهم: سيؤتينا الله من فضله ورسوله فليس بدعاء، وإنما فيه إخبار عما يؤمِّلونه ويحصل لهم من الله ورسوله من الإيتاء في المستقبل كما حصل في الماضي في قوله: ((وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ) ، وجواب لو محذوف تقديره: لكان خيراً لهم كما قال الشوكاني في تفسيره، وقال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي: ((لسلموا من النفاق ولهدوا إلى الإيمان والأحوال العالية))، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (10/36): ((وقد ذكر الله هذه الكلمة (حسبي الله) في جلب المنفعة تارة، وفي دفع المضرة أخرى، فالأولى في قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) [التوبة : 59] الآية، والثانية في قوله: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) [آل عمران : 173] ، وفي قوله تعالى: (وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ) [الأنفال : 62] ، وقوله: (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) ، يتضمن الأمر بالرضا والتوكل))، والتعليم في هذه الآية الكريمة إنما هو للمنافقين، وليس فيها تعليم هذا الدعاء لعباد الله وأوليائه مع حذف كلمة (وَرَسُولُهُ ) ، وليس في كلام شيخ الإسلام المتقدم الإشارة إلى ذلك، ولم أقف على نسبة الدعاء بهذا إلى أحد من السلف، بل إن الإمام ابن جرير في تفسيره وكذا السيوطي في الدر المنثور ـ مع عنايتهما بجمع الآثار ـ لم يذكرا شيئاً منها في تفسير هذه الآية، وخير من الاهتمام بهذا الدعاء الذي لم يثبت وشغل الناس به التنبيه إلى الدعاء الوارد في القران الكريم الجامع لخير الدنيا والآخرة من الرزق وغيره؛ وهو: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة : 201] ، وفي صحيح مسلم (6840) بإسناده إلى عبد العزيز بن صهيب قال: ((سأل قتادة أنساً: أي دعوة كان يدعوا بها النبي صلى الله عليه وسلم أكثر؟ قال: كان أكثر دعوة يدعوا بها يقول: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، قال وكان أنس إذا أراد أن يدعو بدعوة دعا بها، فإذا أراد أن يدعو بدعاء دعا بها فيه))، ورواه البخاري (6389) عن أنس رضي الله عنه قال: ((كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار))، وهو من الأدعية الثابتة في الطواف بالبيت، ففي سنن أبي داود (1892) ومسند الإمام أحمد (15398) بإسناد حسن عن عبد الله بن السائب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما بين الركنين: ((ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار)).
2. أما نسبة هذا الدعاء في التشهد الأخير إلى شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله مع إقسامه على نفعه فلا يصح ذلك عنه، ومن الخطأ البيِّن نسبته إليه؛ ولو كان من نسبه إليه صادقاً لبيَّن مستنده في ذلك من كلامه المقروء والمسموع، ولم يذكره رحمه الله في رسالته: ((تحفة الأخيار ببيان جملة نافعة من مما ورد في الكتاب والسنة من الأدعية والأذكار))، ولا في رسالته: ((كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم)) فإنه ذكر فيها في آخر الصلاة التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والاستعاذة من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال ولم يذكر هذا الدعاء، ولم يذكره في الأدعية التي أوردها في منسكه للدعاء بها في عرفة وغيرها، وقد حرصت على جمع الأدعية والأذكار الواردة في القرآن الكريم، فذكرت في كتاب: ((تبصير الناسك بأحكام المناسك على ضوء الكتاب والسنة والمأثور عن الصحابة)) تحت عنوان: ((أدعية وأذكار من الكتاب والسنة الصحيحة يُدعى بها في عرفة وغيرها)) ذكرت خمسة وثلاثين ذكراً ودعاء ولم يخطر ببالي ذكر هذا الدعاء لأنه ليس من أدعية القرآن لاسيما مع حصول التعديل فيه بالحذف منه، إلا ﭽﮔ ﮕﭼ فإنها توكل على الله ورد في الكتاب والسنة.
3.
ونظير هذا الدعاء المنتزع من الآية الخاصة بالمنافقين استدلال بعض الناس بقوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا) [النساء : 64] ، على المجيء إلى قبره صلى الله عليه وسلم وطلب الاستغفار منه، وهو استدلال غير صحيح؛ فإن هذه الآية جاءت في المنافقين لأن ما قبلها وما بعدها فيهم، وليس المراد المجيء إلى قبره صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، بل المراد المجيء إليه في حياته صلى الله عليه وسلم كما فهمه الصحابة رضي الله عنهم، فإنهم رضي الله عنهم في حياته يطلبون منه الدعاء فيدعوا لهم، وبعد موته صلى الله عليه وسلم في حياته البرزخية ما كانوا يذهبون إلى قبره صلى الله عليه وسلم فيطلبون منه الدعاء، ولهذا لما حصل الجدب في زمن عمر رضي الله ع
الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله تعالى