بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد:
فإن الخلاف بين العلماء وارد, ولكن الحق هو الأحق بالاتباع
وقد قال العلامة المقدسي - رحمه الله تعالى - في لمعة الاعتقاد كلمة طيبة في مسألة اختلاف العلماء؛ فقال: "اختلافهم رحمة واسعة, واجتماعهم حجة قاطعة"
ومهما كثرت الفتاوى وتعددت فالنصيحة تكون في نقاط أدرجها - بإذن الله - وهي أقوال حفظتها وفهمتها عن الفقهاء؛ فأفرغتها بين يديكم, وأظنها موجزة شاملة لتيسير الفهم إلى كيفية أخذ الفتوى وحكم لزوم الشيخ أو المذهب, وإن أحببتم البحث عن الحق والحكمة فيما سواها فلكم الخيار والعمل ومن الله التوفيق والهداية؛ فأقول وبالله التوفيق:
1- نحن المسلمون مأمورون بعبادة الله وحده مخلصين له العبادة نية وعلانية متبعين سنة محمد صلى الله عليه وسلم في هذه العبادات متبعين لا مبتدعين.
2- في مسائل العقدية والتوحيد لا يجوز التقليد لعالم أو مذهب دون النظر في الأدلة لأن العقيدة أسأس الدين ولا مجال للأجتهاد فيها.
3- الناس بين ثلاثة أصناف في المسأئل الفقهية:
أ) علماء مجتهدون. وهم الذين تعلموا القرءان وعلومه, والحديث ودرجاته وشروحه, وناسخ النصوص ومنسوخها, وأسباب النزول والورد, وطرق وأدوات الاستنباط والاستدلال, والخلاف والاجماع, وقدرة النظر في حال السائل والمسألة, وهؤلاء هم ورثة الأنبياء ومن خلال علمهم يتضح لنا الطريق الصحيح لعبادة الله تعالى.
ب) متبعون. وهم من كان لديهم بعض العلم والاطلاع, والقدرة على النظر في الدليل والحجة التي يطرحها كل عالم وصاحب مذهب؛ فيختار ما يبريء ذمته, بين الحذر من الوقوع في الشبهات, والتورع عن المشتبهات, وبين التيسير في حال الاضطرار. على أن يكون في كل حال متبع لهدي الرسول الكريم - صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم - غير متبع لهوى, ولا مائل لمتع وملذات مشبوهة, ولابد من البعد عن زلات العلماء وشواذ الآراء.
ومن المهم أن ننبه على نقطة هامة, وهي أن حالات الإضطرار والاختيار, حالات يحتاج الحكم فيها إلى نظر عالم فقيه يميز حالة الإضطرار من عدمها. فينبغي أن لا يقدم المرء على تتبع رخصة بحجة الاضطرار إلا بعد التيقن بأنه في حالة إضطرار حقيقية.
ج) مقلدون. وهم عامة الناس غير العلماء. وهؤلاء يجب عليهم أن يعبدوا الله على بصيرة, بأن يقلدوا عالما أو مذهبا. سواء بلزوم العالم أو المذهب في كل المسائل أو بالتبعيض فيأخذ من هذا وهذا ما يبريء به ذمته بالطريقة التي أشرت إليها في الفقرة (ب). وإن لم يستطع فعليه أخذ الفتوى من عالم مجتهد يغلب على الظن بالظاهر فضله على غيره بالتقوى وكثرة طلبة العلم عنده وسيرته وغيره من الفضائل.
وسيأتي الكلام بإذن الله عن مسألة لزوم العالم أو المذهب.
وخلاصة القول الذي فهمته في مسألة التنقل بالفتوى بين العلماء أن المسلم غير ملزم بأن يسأل كل العلماء في أمر عرض له حتى يجد من يحرم أو يحلل. بل عليه أن يستفتي الأصلح والأتقى والأعلم, ولذلك طرق أشرنا إليها, وعلى هذا أدلة وشواهد ونصوص شرعية, أما إذا قلنا بلزوم سؤال كل العلماء فهذا هو التنطع والغلو والحرورية بعينها, خاصة إذا كانت بحثا عن التعسير وهذا هو مذهب بني إسرائيل, أما إذا كانت للبحث عن التيسير وتتبعا للرخص فهذا هو التلاعب والجفاء والزندقة بعينها. فلا إفراط ولا تفريط.
4- لا يوجد في الشريعة الاسلامية ما يلزم المرء بلزوم طريقة أو مذهب عالم معين وإلا للزم من قولنا هذا إخراج جمهور الصحابة والتابعين من دائرة العبادة الصحيحة. وهذا ينطبق على أصحاب المذاهب الأربعة الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية فليس هنالك ما يلزم باتباع أحدها دون الآخر وقد أفتى علماء أجلاء بذلك منهم ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله بل كان أصحاب هذه المذاهب رحمة الله عليهم يؤكدون أن مذهبهم هو الحديث الصحيح وأن كلامهم يؤخذ منه ويرد ويعتريه الخطأ.
5- في الأمة من العلماء والفقهاء من خلفوا مسائل تعد مذاهب فقهية قوية غير الأئمة الأربعة رحمهم الله ورضي عنهم منهم من الصحابة والتابعين وتابعيهم رضي الله عنهم أجمعين ورحمنا وإياهم كعمر وعلي وابن عباس وعائشة وعبدالله بن عمر وعبدالله بن عمرو ومحمد الملقب بالباقر بن علي وجعفر الملقب بالصادق بن علي (وهذان الأخيران من آل البيت رضوان الله عليهم وسلامه ولكن الشيعة كذبوا عليهم ولفقوا لهم الكثير من الأكاذيب وحرفوا مذاهبهم) وعمر بن عبدالعزيز والليث بن سعد والثوري وغيرهم ولحقهم متأخرون كابن حزم وكان علماء يفتون من المذاهب الأربعة وغيرها رغم شهرتهم بمذهب معين كابن تيمية رحمه الله ومن المعاصرين ابن باز وابن عثيمين والألباني رحمهم الله أجمعين.
6- كانت ولا تزال مظاهر المحبة والاجتهاد في طلب العلم هي سمة العلماء وطلبة العلم الصادقين فكم من عالم حنبلي تعلم يد شافعي وآخر حنفي وكم من عالم شافعي تتلمذ على يد حنبلي ومالكي وكم منهم من أحال الفتوى للآخر.
7- الفقهاء الأربعة الأئمة رحمهم الله تعالى اشتهرت مذاهبهم لتلقي الناس لها بالقبول ولكثرة طلبة مذاهبهم وانتشارها في بلاد المسلمين وذلك لعلمهم الجم وتقواهم وورعهم ولذا كثر أتباع مذاهبهم ولكن لا يلزم من ذلك وجوب لزوم أحدها دون الآخر أو دون ما سواها من الأقوال إن وافقت حقا وطريقا سليما. مع بقاء التقدير والاجلال لهؤلاء الفقهاء والأئمة الأعلام.
8- مذهب المسلم ما قال الله وقال رسوله فمتى تبين له الحق في نص جلي صحيح ببيان عالم متقن تقي فذاك الحق الذي هو أحق أن يتبع. وكلما كان رأي الجمهور أو المجامع الفقهية أو الهيئات العلمية الشرعية متفقا في حكم معين كلما كان أقرب للحق بإذن الله ولكن هذا لا يعني أن الحق دائما مع الجمهور فالجماعة المرموز لها بالحق والمنصوص على لزومها هي الحق بعينه وليست العدد والكثرة فقط فالجماعة إذا هي الحق وإن كان عليه رجل واحد فقط لكان هذا الرجل هو الجماعة. وهذا لا ينافي كون أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم لا تجتمع على ضلال فحديثنا عن الخلاف وليس عن الإجماع فإذا قام من يعتد بقولهم من المسلمين فأجمعوا في زمنهم على حكم فإن إجماعهم يكون أصلا فقهيا يحتج به بلا شك.
9- ما دخل من بدع على المسلمين لم يكن من أقوال السلف الصالحين والعلماء الصادقين والأئمة الفقهاء الأعلام بل هي سقطات أو هفوات أتباعهم فيجب علينا التنبه حينما نصف مذهبا أو فقيها فلا نطعن ولا نقدح بل نجادل بالحسنى ونحاور لبيان الحق وننصح ونأمر بالمعروف وننهى عن المنكر حسب درجاته, وندعو لجميع المسلمين بالهداية, والفقيه المجتهد بين أمرين مصيب له أجران ومجتهد أخطأ وله أجر.
ومن الهام جدا أن يبتعد المسلمون عن التعصب للمذاهب, وأقوال الرجال, فالحق والخير في ما دل عليه قول الله ورسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - وإذا أردنا شيخا معصوما لا يخطئ فما هو الفرق بيننا وبين الرافضة إذا؟!
وتوجد فتاوى قيمة هامة حول هذه المسائل في المجموع الذي قدمه الدكتور الجريسي وأسماه الفتاوى العصرية لعلماء بلد الحرمين - هكذا يحضرني إسم الكتاب حاليا ولعله كذلك -.
وتوجد روابط قيمة لفتاوى مجموعة من الفقهاء الأفاضل في هذا الباب, أدرجها بمشيئة الله تعالى إن أذن لي أحد المشرفين - وفقهم الله - بذلك.
هذا والحمد لله رب العالمين.
أخوكم أبو خالد