الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد
  1. الصورة الرمزية أبو محمد ..

    أبو محمد .. تقول:

    افتراضي أشباه المجتهدين أضر على الأمة من محض المقلدين :

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسوله الأمين محمد وآله وصحبه أجمعين ..
    وبعد ..


    فإن مما يؤسف له حقاً وجود مثل هذا الأمر فيمن ظاهره الصلاح والتقى ، بل وممن يحسن شيئاً من العلوم ويتكلم بها ويفتي ..


    ولقد سمعنا كثيراً وحُذِرنا مراراً من جمعٍ من أصحاب الفتاوى المنحرفة الشاذة والتي تخرج من أناس قد يشتغل بعضهم في بعض المجالات العلمية ، ثم يخرج للناس بطريقة استعراضية لعل من ورائها هدف الشهرة والله أعلم بما في القلوب ، إذ قد سمعنا فتاوى من العجب بمكان ، ولا أقل من أن تثير ضحك المتعجب وإن من شر البلية ما يضحك ..


    إلا أني هنا سأتحدث عن قوم لهم طابع آخر ، ليسوا ممن يصح اتهامهم بابتغاء الشهرة إذ لا مجال لهم فيها إلا فيما يحيط بهم ، ولكنهم قوم نحسبهم أهل إخلاص أخطئوا الهدى ، أرادوا حقاً يتعبدون به فأصابوا باطلاً ومخالفة ،


    ولكن الذي يجعلني أقرنهم بمن سبق ذكره هو الإصرار على الخطأ وعدم قبول التراجع والنصح ..


    وسبب ذلك ليس غروراً وعزة بإثم ، كلا ولكنه جهلاً مركباً تركيباً شديداً ..


    إذ أنه تعلم شيئاً من القواعد العلمية ، مزجه بشيء من الحضور لبعض أهل العلم ، استفاد منه شيئاً من مسائل الفروع ، فظن نفسه الآن مجتهداً ، أخذ المسألة من أصلها ..


    ولذلك إذا قيل له اتق الله قال : أنا كذلك ، فلم أقل بمسألة إلا ولي بها إمام ولا أقلد أحداً ، وقد نظرت في أدلتها .. !!


    والواقع أنه لو راجع نفسه بنية اكتشاف الحق ، لرجع ، ولكن المراجعة بنية تثبيت ما استقر في النفس هي البلية العظمى لطالب الحق ..


    لذلك فإني أظن إن علاج مثل هذه الحالات لا يكون بالوعظ في باب تعظيم القول على الله بغير علم . إذ أنهم يعتقدون أنهم على علم بالمسألة
    ولكن العلاج هو التوجيه إلى اتهام النفس بالتقصير والعجز
    فمن تعودت نفسه على مثل هكذا صفة تراه كثير التحرز من الوقوع في الخطأ ، كثير الرجوع والاعتراف بالخطأ إن وقع فيه ..


    وتجد في نفسه قضية التصحيح مرافقة لقضية طلب العلم .. فلو وقع على جديد يعارض ما عنده مسبقاً سارع بمراجعة ما عنده ليرى أكان الصواب حليفه أم لا بد من التعديل..
    ومن لا يستحي من التراجع هو من يستحق أن يقال عنه : عظيم القدر ..
    وخلاصتها إنها طاعة تعرف بالمراقبة ..


    وعن سبب هذه البلية فمن الممكن القول : أنها ترجع إلى أن للعلم الشرعي شهوة من الشهوات التي تحيط بطالبه المسلم ، لما فيه من حظ وافر للنفس يظهر في بروز الشخص وتصدره ، ولذلك فقد خشي كثير من السلف على أنفسهم من هذه البلية التي تصاحب التقدم والبروز في العلم .


    حتى لقد ضربوا أروع الأمثال في الورع والتواضع وستر العمل وتجنب الفتية ما أمكن لهم ذلك ، والتزامهم تفويض العلم لله سبحانه ، حتى وُضِعَ لكل من سار على نهجهم القبول في الأرض ..


    ولكن الأمر تغير في زمننا والله المستعان ، فلقد كثر في زمننا هذا أنصاف بل أشباه العلماء ،


    وصار الطالب للعلم الشرعي – إلا من رحم الله - يُعَامِل حصيلته العلمية الشرعية معاملته للعلوم الدنيوية ، فيجعلها بمنزلة علوم الحساب . لابد من ظهور النتيجة بعد إجراء العملية ، من غير أن يصاحبه التقوى والورع والخوف من الخطأ ،
    وهكذا تراهم يتسرعون في الفتية والرد على فتاوى العلماء الكبار بحجة عدم موافقتها لظاهر الدليل ولا تجد عنده أدنى حرج من فعله ذلك ولا يظن نفسه إلا محسناً وعجباً لأمرهم ويزيد العجب لمن عاشرهم وعاين فعلهم ..


    فالعالم هو الأكثر خوفاً وتعظيماً وخشية وورعاً وإجلالاً لله تعالى
    ((إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ))
    ((وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ))
    ((ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ))


    إنها بلية وآفة العلم ،
    الـتـعـالـــم
    والذي يجر إلى الخوف من تفويض العلم لله خشية على هيبته أن تهز أمام من يعرفه .


    ومن هنا دعتني نفسي أن أطرق أمثلة لإحدى هذه البلايا المصاحبة لطالب العلم في زمننا والتي عاصرتها وعايشتها لعلها أن تكون تنبيهاً ونصيحة لكاتبها قبل قارئها فعسى أن من تنبه لنفسه منها سمى عند ربه ورفعه بين خلقه ..


    والله المستعان .


    وأقدم هنا مقدمة من مجموعة نصائح أنصح بها نفسي وإخواني :


    - لابد أن يكون المجتهد صاحب تقوى وخوف من الله عز وجل , لأن العلم المجرد إنما هو وعاء أجوف لا ينفع صاحبه بل قد يضره .
    - لابد من اعتبار فتاوى السلف من الصحابة والتابعين ولو لم يوجد في المسألة دليل , لأن المفتي موقع عن ربه ، فالعمل بالأحوط مطلوب , لا البحث عن الرخص والتيسير بحجة عدم الدليل .
    فلا يضع طالب العلم توقيعه بجانب توقيع السلف بحجة الترجيح لعدم الدليل والبراءة الأصلية. مالم يكن له سلف من السلف ..
    - اعلم أن مستوى التحصيل العلمي يمر بطالبه على مراحل .. فمرحلة النشوة والجمع إذا لم يصاحبها تقوى وورع صار العلم الشرعي الذي يحمله بمنزلة علوم الرياضيات ...
    قواعدٌ يُسَارُ عليها ونتيجة توافق القاعدة ,
    وهذا ليس من العلم الشرعي في شيء .
    لأن النتيجة هنا لابد أن توافق أمر الله عز وجل .. والقواعد إنما هي مُعِيْنَةٌ ووسيلة لا مقصد .
    - فلا ينبغي لطالب العلم الصغير التصدي للإفتاء واستسهال الأمر لمجرد مطابقة السؤال لما درسه ...
    فالصحابة كانوا يتوقون الإفتاء وعلى نَهجهم الربانيين من العلماء ، وإذا ازداد علم الرجل زاد ورعه وكثر تفويضه العلم لله.
    - اعلم أن أوامر الله ونواهيه يكثر فيها الإطلاق والتعميم وذلك ليعْلَم من يخافه بالغيب , بالسر والعلن في نفسه وعند غيره .


    فعلى سبيل التمثيل : لو أن أميراً من الأمراء أمر حواشيه بأمر وأطلقه فإنَّ مَنْ قَصَّرَ عن الأداء بحجة عدم وضوح المقصود يكن مُلاماً مغضوباً عليه ، بخلاف من احتاط لنفسه ولم يجعل عليه مدخلاً للتقصير ..
    وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى ..



    - ولذلك تجد بعض الفتاوى من العلماء الكبار أول ما تطرق الأسماع إذا بصغار الطلبة يسارعون بالاستنكار والرد محتجين بعدم الدليل ، من غير نظر في الفتوى وملابساتها ولوازمها ودواعيها ودخولها تحت القواعد الشرعية العامة ...
    وإن فعل فسيعلم .. مدى دقة علم هذا الموقع عن ربه ، ومدى ما يحمل من توقير وإجلال لشرع الله ، ولو خالفناه في الفتوة ولكن مع الفارق .
    - ولذا لابد من التنبه لهذا الأمر الذي يقع فيه صغار الطلاب عموماً , فليس المقصود من طلاب العلمالاجتهاد في طلب علوم الآلة وعلوم الاجتهاد، فهذه قد وصل لها المستشرقون من الكفار .
    ولكن المقصود هو طلب تقوى الله وتعليم النفس الورع والزهد والإخلاص .
    وأن يعرف أولاً وآخراً مدى ما تحمل من مسؤولية لو كانت تحت ملوك الدنيا كان الخطأ يثمَّن بالرقاب ، فيَحمد الله على كمال رحمته وعفوه سبحانه ، ويخشى أن يقع في موجب غضبه وسخطه .


    - واعلم أن الله لعن الضالين من النصارى وذكر من أسباب غضبه عليهم (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ) فكان غضبه عز وجل أن ابتدعوا ما لم يشرع ، وإن كان المقصود عبادته ، إذ أن الأمر والنهي والخوف والرجاء هو من أعظم أركان التذلل والخضوع والتعبد ، فكيف يُخَالَفُ في هذا ويدعي المخالف أنه يحسن عبادته ، إذ العبادة إنما تكون بما شرع سبحانه ولذا ينبغي الانتباه والتحري لمعرفة مراده جل جلاله ..


    تعصي الإله وأنت تزعم حبه ..... هذا لعمري في القياس بديع
    لو كان حبك صادقاً لأطعته ..... إن المحب لمن أحب مطيع
    ،،،


    ترج النجاة ولم تسلك مسالكها ..... إن السفينة لا تجري على اليبس
     
  2. الصورة الرمزية أبو محمد ..

    أبو محمد .. تقول:

    افتراضي رد: أشباه المجتهدين أضر على الأمة من محض المقلدين :

    وقد قابلتُ من هؤلاء القوم جمعاً ، وأذكر هنا شيئاً من مؤاخذاتي عليهم :


    - 1- أحدهم : تارك للجماعة والجمعة يصلي في بيته الصلوات جمعاً وقصراً بحجة أنه مسافر!

    أقول :
    من كان يرى عدم وجوب الجماعة فلا يلحقه لوم هنا , ولكن الذي يفتي بوجوبها ثم يتركها فهذا فاسق مخالف للطاعة وهذا واضح .

    وسبب هذا الاشتباه مسألة مقدار السفر ومدته ،
    فقد اطلع هذا الأخ في هذه المسألة على قول شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم والذي نصره من معاصرينا الألباني والعثيمين والسعدي وسيد سابق وغيرهم وهو عدم تعلق السفر بالمدة طالت أم قصرت ، فالمسافر مسافر طالما هو في سفره لم ينوي الإقامة ..

    وهذا القول في ظني أعدل الأقوال في بابه والله تعالى أعلم وأحكم .. لكن المشكلة ليست في القول ومتعلقه وإنما في أفهامنا ونتائجها ،
    فلقد لقي هذا القول قبولاً عند كثير من طلاب العلم بمختلف درجات علمهم وفهمهم ، ووجد من صغارهم - علماً لا سناً - من أخذ هذا المذهب واستنبط منه مسائل فرعها على هذا القول ليخرج بالقول الجديد وهو سقوط صلاة الجماعة عن المسافر !

    وممن عرفتُ من هؤلاء شخصاً يظهر بمظهر الصالحين ، مقيماً في غير بلده للعمل ، وإلى حين كتابة هذه الكلمات يكون قد بلغ سفره تسع سنوات ، وهو لا يصلي جمعة ولا جماعة في غالب أحيانه ، ويجمع قصراً حياته في تلك البلاد بل والأدهى أنه انتهك حرمة رمضان بجماع امرأته نهاراً !!

    كل ذلك لأنه يظن أنه يعمل بالمسألة التي تُنْقَل عن شيخ الإسلام في أن المسافر مسافر ما لم يرجع إلى وطنه أو ينوي الاستيطان .

    ففهم هؤلاء من هذا المذهب أنه لا حرج عليهم في تطبيق رخص السفر والاستمرار عليها, والأدهى والأمر الذي يحز في النفوس أنهم يتعبدون بها ويظنون أنهم يعملون بالأفضل .. فحالهم أن تركهم للجماعات أفضل من فعلهم لها ، محتجين بقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه))

    ولما رأى نفسه وحيداً في هذه المسألة سعى لنشرها ، وفعلاًَ أثر على جمع من الإخوة المحيطين به فكان يعرض عليهم فتوة العثيمين في حكم المسافر وينزلها على صلاة الجماعة فأضحى الجمع منهم لا يحضرون صلاة الجماعة في المسجد على حسن مظهرهم من طول اللحى وقصر الثياب !!

    ومن الطرائف أن أحدهم كان قد التزم بصلاة الجماعة في المسجد لأن صاحب الدار التي استأجرها منه ، من شروطه أداء الصلاة في المسجد فكان يحافظ عليها حتى رُزِقَ داراً أخرى !!

    ولو أتينا لننظر في هذه المسألة وحال هؤلاء الثلة لو جدنا أنهم أُتوا من قبل فهمهم واعتمادهم على عقولهم وهم أصلاً ليسوا أهلاً أن ينظروا في المسائل ويقررون فيها ..
    فرأسهم اجتهد وهو ليس من أهل الاجتهاد والآخرون جريرتهم إتباع قول من لا يستحق الإتباع .. ولو استمر الحال هكذا فإننا نخشى أن نعاين الحال التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله كما في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو : (( إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبقى عالماً اتخذ الناس رءوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا ))

    ولو أرادوا حقاً لسألوا أهل العلم ولبحثوا عمن يوافقهم على فتواهم ..
    بل المعروف أن أكثر من يقول بوجوب الجماعة في الحضر يقول بوجوبها في السفر .. وبخاصة قول الشيخ العثيمين الذين تعلقوا بفتواه فقاموا بدمج مسألتين في واحدة وخرجوا بقول لا يقول به الشيخ قط فنسبوه إليه ودعوا غيرهم له .. وهي مسألة السفر وسقوط الجماعة ..

    والدليل على وجوب الجماعة للمسافر من كتاب الله صفة صلاة الخوف حيث أمر بأدائها مقصورة العدد مجموعة الصفة وهذا أوضح دليل .. إذ إن حالة الخوف لم تُسْقِطْ الجماعة مع أنها أسقطت كثيراً من الواجبات في الصلاة كعدد الركعات واستقبال القبلة , وكان الأيسر إسقاط الجماعة إذ أن إسقاطها في الخوف أيسر على النفس من إسقاط القبلة وشطر الركعات ، ولن يحتاج إلى حراسة صف وسجود آخر بل سيصلي البعض ويحرس الآخرون .
    ناهيك أن صلاة الخوف هذه كان المسلمون فيها في حالة سفر أيضاً .
    فلو زعم زاعم أن الجماعة للخوف واجبة وللسفر حكم خاص لقلنا له فالقوم كانوا سفراً .
    فتركهم للجماعة وصلاتهم قصراً متفرقين مع إبقاء الحراسة ، أيسر بكثير على الجيش من صفة صلاة الخوف ..
    فلما لم يستغني المسلمون بحضرة نبيهم صلى الله عليه وسلم عن الجماعة في ظرف كهذا مع توفر أسباب اليسر – وهو السفر - والخوف أشد حاجة منه دل على أنها لا تسقط بهذا السبب المزعوم والله أعلم .

    فيأتيهم الشيطان بشبهة فيقول : إذاً إذا كانت الرخصة للمسافر قائمة مادام مسافراً ، فكيف يستغلها ويؤدي هذه العبادة - القصر - إذا كنتم توجبون عليه الجماعة ؟
    والجواب : أولاً أن هذا إلزام قبيح يخالف الانقياد والاستسلام التام لصاحب الشرع .
    ثم إن الجماعة على المسافر واجبة ولا علاقة لذلك بالقصر فهذا بابه آخر , قال صلى الله عليه وسلم : لمالك بن الحويرث وهو مسافر مع رفيق : ((إذا أنتما خرجتما فأذنا ثم أقيما ثم ليؤمكما أكبركما)) وهذه إحدى روايات البخاري .. وهو أمر منه صلى الله عليه وسلم بوجوب الجماعة ولا تعرض للقصر فيها بل يقصر مُجَمِّعَا ً .
    فكل مسافر في طريقه بين المحطات يتوفر له القصر ، وإن كان له رفقة يجمع معهم أو صلى منفرداً .

    ولذلك فهم لا يخالفوننا في أن القصر يسقط في حالة صلاة المسافر خلف المقيم فإنه يتم بصلاته ، فلو فرض أنه لم يوافق حضوره للصلاة إلا في حال جماعة قائمة فأين يكون القصر ؟
    لكن أنفسهم أجازت لهم الخروج من هذه العقدة بالقول بعدم وجوب الجماعة عليهم فيصلون فرادى والجماعة قائمة ..

    ونحن نقول لهم : من أقام في منطقة فإن النداء للجماعة يشمله كما يفتي بذلك العلماء ويقول الله سبحانه وتعالى ((يأيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله))

    نعم ليس على المسافر إقامة الجمعة ولكن يشمله الأمر بالسعي إليها إذا أدركته وهو مقيم غير ناوٍ على المسير . لأن النداء عام ولا مخصص .

    ومن الأدلة : قول النبي صلى الله عليه وسلم لابن أم مكتوم : ((أتسمع النداء قال نعم قال فأجب)) . وهو قد توفرت في حقه من الظروف التي قد يقال أنها أعذار لترك الجماعة من العمى والمشقة ومن وعورة الطريق وخوف الأذى من وحش وغيره , والواحد من هذه قد يكون عذراً مستقلاً في ترك الجماعة أحياناً ، ولذلك أجابه صلى الله عليه وسلم بداية ، ولكنَّ حمل الفتوة على الدوام ليس مشروعاً فاستدرك صلى الله عليه وسلم الأمر إما اجتهاداً أو بتصويب الوحي له ..
    هذا وحال المسافر الآمن أفضل من هذا فكيف لا يجيب النداء ؟.

    ومما يستعان به قوله صلى الله عليه وسلم لمن رآهما في المسجد بعد الصلاة ولم يصليا في القوم فقال : ((ألستما مسلمين)) وفي هذا دلالة على أنَّه ينبغي على المسلم ألا يجعل للظنون إليه سبيلاً , وإني لأعرف ما يقوله كثير من العوام في صاحب هذا المثال والله المستعان .

    وممن يوجب الجماعة على المسافر : العثيمين – مع كونه على رأي ابن تيمية في مطلق السفر- والوادعي وابن باز وكثير من المعاصرين ..

    تنبيه لابد من الانتباه له :
    استرسلتُ في مسألةٍ ليست مطلوبة هنا ، إذ أن مسألة سقوط الجماعة عن المسافر فيها خلاف معتبر بين أهل العلم ، فمن رأى برأيهم وفقاً لبحث وأدلة معتبرة فله ذلك ،
    إلا أن إنكاري هنا على هؤلاء القوم ليس في خصوص هذه المسألة وإنما في تركيب مذهب للشيخ العثيمين لا يقول به ، نتج عن تحكيم فهمهم لا عن بحث واطلاع .. والله المستعان .

    ومن باب الفائدة : فأن شيخ الإسلام رغم أنه ناصر هذا القول في كون المسافر على سفر طالما لم ينوي الإقامة ... هو نفسه يستثني من سافر بأهله ولا يجيز له الترخص برخص السفر ،، ومَثَّلَ بمن يسافر في سفينة فيها أهله ,
    فهل يوافقونه هنا كما وافقوه فيما وافق هواهم ؟
    الجواب : لا ..
    لأني ذكرتُ لهم هذا.
    فقالوا : ليس عليه دليل ؟!
    وبدون تعليق ..
    نص الفتوى كما في مجموع الفتاوى (25 / 213)
    (ويفطر من عادته السفر إذا كان له بلد يأوي إليه . كالتاجر الجلاب الذي يجلب الطعام وغيره من السلع وكالمكاري الذي يكري دوابه من الجلاب وغيرهم . وكالبريد الذي يسافر في مصالح المسلمين ونحوهم . وكذلك الملاح الذي له مكان في البر يسكنه . فأما من كان معه في السفينة امرأته وجميع مصالحه ولا يزال مسافرا فهذا لا يقصر ولا يفطر. وأهل البادية : كأعراب العرب والأكراد والترك وغيرهم الذين يشتون في مكان ويصيفون في مكان إذا كانوا في حال ظعنهم من المشتى إلى المصيف ومن المصيف إلى المشتى : فإنهم يقصرون . وأما إذا نزلوا بمشتاهم ومصيفهم لم يفطروا ولم يقصروا . وإن كانوا يتتبعون المراعي والله أعلم) أ.هـ

    -*-*-*-*-*-*-*-*-*-
    -2- ومنهم المسافر النازل الذي يستمر بالجمع بين الصلوات بحجة السفر والذي عليه أهل العلم أن الجمع يشرع للمسافر لمن جد به السير ، أما الاستمرار عليه فخلاف للسنة . إلا ألا يظن أن عمله طاعة فلا بأس .
    -*-*-*-*-*-*-*-*-*-
    -3- ومن هؤلاء من يجمع للمطر في بيته متعبداً بتطبيق السنة !
    والأصل أن هذا خلاف السنة ففعله فيه إضاعة للجماعة ، وجمع من دون حاجة ؟!
    وذلك لأن الجمع للمطر إنما شُرِعَ في المسجد في الجماعة الأُولى حتى لا يتكلف الناس الحضور مرة أخرى . فمن صلى في بيته فلا يحتاج إلى الجمع أصلاً إذ لا مشقة هنا وهذا واضح .

    -*-*-*-*-*-*-*-*-*-

    -4- وشخص رابع يظن أنَّ فِعْلَ الرخصة مطلقاً أفضل من فعل العزيمة ،
    وعليه فإنه يستغل نزول المطر مثلاً لعدم الحضور إلى المسجد لا لأنها رخصة ولكن لأنها عنده أفضل من الحضور للمسجد , وبعد أن يصليها يخرج من بيته متنزهاً أو لأي شغل كان ..
    ولم أرى لهذا مستنداً ولا قائلاً يدعمه , بل الذي نعرفه هو أن الرخصة هنا من باب التيسير لمن يشق عليه الأخذ بالعزيمة وهذا في حقه الرخصة أفضل ، وعليه يتنزل الحديث ..
    فمن كان في حاجة الترخص بالرخصة الشرعية لمشقة أو حاجة له ، فإنها تكون أولى وأحب إلى الله تعالى من تكلف فعل العزيمة .
    أما من استطاع الحضور بلا مشقة ، أو أرادت نفسه العزيمة ، فهو خير من الآخر ، ولذلك فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى في المسجد والمطر يهطل ، وسجد صلى الله عليه وسلم على ماء وطين كما في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري في علامات ليلة القدر .
    فإن أُتي لنا ببقولٍ لأحد أهل العلم المعتبرين يوافق ما يقولون به ، سلمنا وأذعنا باعتبار وجود الخلاف والله أعلم ..

    -*-*-*-*-*-*-*-*-*-

    -5- وخامسهم كذاب يدعي التدليس :

    وفي هذا من البلاء الشيء الكثير فمنه أنه : كثير التدليس في كل تعاملاته حتى التافه منها وفي الجد والهزل فصار على حسن مظهره من طول اللحية وقصر الثوب والمحافظة على الالتزام بالمظهر لا يثق في كلامه أحد .
    وأضاف إلى هذه بلية أشد , وهي ادعاؤه العمل بقاعدة نفي النفي إثبات .. ويحملها في قوله لمن أراد إيهامه بالنفي وهو يريد الإثبات ( لا, لا) ويريد نعم !
    فإذا سئل بسؤالٍ الصدقُ فيه الإثبات وهو لا يريد أن يَصْدُق سائله ، فيوهمه بالنفي .
    كأنْ يُسأل : هل ذهبتَ إلى السوق اليوم ؟
    فيقول : لا ، لا .
    وهو يريد بالثانية نفي الأولى لتكون الإجابة نعم !!
    وعنده ، تعتمد هذه الطريقة على عدد النفي وإن تعدد وصارت بالعشرات ، فالنفي بالعدد الزوجي إثبات ، أما بالعدد الفردي فنفي !! ..

    قلتُ : القاعدة – نفي النفي إثبات - لا عيب فيها وإنما العيب في المتفيقه بها..
    فنفي النفي إثبات لاشك في ذلك ولا يختص هذا بلغة معينة ، فالخطاب المنفي إذا نُفيَّ فهو إثبات النافي للمنفي السابق .
    والاستعمال العربي لهذه القاعدة أيضاًَ معروف بنفي المعنى المنفي لإثباته ، ويعبر عنه بأساليب مختلفة ومنها أسلوب الاستفهام الإنكاري في المعنى المنفي كما في قوله تعالى ((أَلَمْ يَعِدْكُمْ)) ، ((أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ)) ، ((أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ)) وغيرها كثير ..
    فإن الاستفهام الإنكاري يأتي بمعنى النفي والعبارة منفية فيرتفعان ..
    --
    وكما يكون أيضاً بأحرف مخصوصة ، كاللفظ (بلى) الذي هو نقيض الحرف (لا) ،
    وتستعمل كل منهما في مجالها ، فالحرف (لا) يستعمل في نفي الإثبات ،
    والحرف (بلى) يستعمل في نفي النفي أي إبطال نفي سابق وإثباته ..

    فمثال (بلى) قوله تعالى ((الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ))
    فقول الله عز وجل عن أهل النار ((مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ)) هذا نفيٌ ، فإذا أردنا نفي هذا النفي لإثبات المنفي السابق استعملنا لفظ (بلى) والمعنى : كنتم تعملون السوء .
    وعلى نسقها قوله تعالى ((زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ))
    وقوله عز وجل ((وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ))

    فإن كان المراد من النفي إثبات فلا يستخدم لفظ (بلى) بل يستعمل لفظ (نعم) لأن (نعم) تثبت المثبت ، ولذلك في قول الله تعالى ((أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى)) كان المعنى : بلى أنت ربنا ..
    فعملت (بلى) على نفي المنفي ،
    ولو استعملت لفظة (نعم) هنا لكان عملها إثبات المنفي فيكون المعنى : نعم أنت لست بربنا ..

    وعلى هذا فقس كقوله تعالى ((أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى)) بلى قادر ولو قيل نعم فيكون نعم ليس بقادر ..
    وقوله تعالى ((قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى)) ..

    وخلاصتها أن تصديق الخبر وتكذيبه باستعمال الأحرف يتضح بهذا المثال :
    إذا قيل : قام زيد ، أو قيل : أقام زيد ؟
    فتصديقه يكون بلفظ : نعم .
    وتكذيبه يكون بلفظ : لا .
    ولا تستعمل هنا لفظة (بلى) لعدم وجود نفي في الجملة .
    ---
    وإذا قيل : ما قام زيد ، أو قيل : ألم يقم زيد ؟
    فتصديقه يكون بلفظ : نعم .
    وتكذيبه بلفظ : بلى .
    ويمتنع هنا دخول لفظة (لا) لأن العبارة نفي ، ولفظة (لا) تستعمل لنفي الإثبات لا لنفي النفي .. كما في مغني اللبيب ..
    ----
    إلا أن الأمر يختلف تماماً في مسألة تكرار حرف النفي لأنه يكون هنا توكيد لفظي ، أي زيادة تأكيد لمعنى النفي ومنه قول كثير :
    لا لا أبوح بحب بثنة إنها . . . أخذت عليّ مواثقاً وعهودا
    فـ (لا) الثانية مؤكدة لمعنى الأولى .
    --
    وقد وقفتُ على كلام لهم يمكن أن يستشهد به لقول صاحبنا ، ولكنه مخصوص بحرف (ما) فقط . وخصوها في حالة واحدة وهي إذا ما كانت تعمل عمل (ليس) فيشترط ألا تتكرر بقصد النفي ، ويجوز تكرارها بقصد التأكيد ، لأن تكرارها بقصد النفي سينفي الأولى وبالتالي سيكون المعنى إثباتاً ، أما بقصد التأكيد فلا يغير المعنى .
    ذكر هذا ابن عقيل وغيره في شرح الألفية .

    على أن الأسنوي (772هـ) في كتابه الكوكب الدري فيما يتخرج على الأصول النحوية من الفروع الفقهية قال : (المفهوم من كلام العرب - كما قاله شيخنا أبو حيان - أن الكلام باق على النفي وأن (ما) الثانية توكيد لفظي ويتفرع على ذلك فروع كثيرة تجري في أبواب متفرقة كالأقارير والإيمان ونحوهما حتى إذا قال مثلاً : ما ما له عندي شيء .
    لم يترتب على هذا القول شيء .
    لكن ذكر الرافعي في آخر الباب الأول من أبواب الإقرار أن نفي النفي إثبات ذكره في كلام على (نعم وبلى) وحينئذ فيصير التقدير في المثال المذكور ( له عندي ) وسببه أن التأسيس خير من التأكيد نعم (إذا) ادعى المقر أنه أراده فيقبل منه كما لو كرر أنت طالق ... ) أ.هـ

    فنجد أن أبا حيان والأسنوي كلاهما على أن توكيد النفي هو المفهوم من كلام العرب وما نُقل عن الفقهاء ينبغي حمله على المعاني التي لها استعمال معروف في اللغة بما أسلفنا ذكره آنفاً ، ولم أجدهم مثلوا فيما ذكروه بغير حرف (ما) خاصة دون غيرها ..
    هذا مع كونهم قد صرحوا كما أسلفنا بأنهم خصصوا استعمال الحرف (لا) بنفي الإثبات ، لا بنفي النفي كما في مغني اللبيب وغيره .. وصاحبنا هنا لا يستعمل في كذبه - أقصد تدليسه - غير هذا الحرف فتأمل .
    ----

    وقد قرأت على صاحبنا هذا كلام أحد النحويين في إعراب بيت كثير السالف ذكره وقولهم في إعراب أداة النفي الأخرى (لا) بأنها توكيد لفظي ، فكان جوابه الابتسام لعدم توفر الجواب . كما أنه رفض استفتاء كبار العلماء في أثناء نقاشي معه وعلل السبب أنه أخذ هذه الفائدة من أستاذ مجتهد في علوم اللغة ولا أُلزم بتقليد كبار العلماء !

    ولم يدر المغفل أنه هكذا لم يزل في ربقة التقليد ، كما ذكرنا فلعل أستاذه أن يكون مجتهداً مغفوراً له أما مقلده فمأزور .
    والدليل على ذلك أن المفرط في طلب العلم - طلب الحق - لا يرفع عنه الإثم , خاصة إذا وصلهم أثارة من اختلاف أقامت شبهة في ما عندهم . ولذلك لم يعد ابن القيم هؤلاء من أهل الفترة .

    والله المستعان ..

    ======-*-======

    هذا ما حضرني ذكره من أمثلة حول هؤلاء القوم حتى اللحظة وإن توفر لي غيرها ألحقتها ،
    وكل ما أردته هو النصح لأنفسنا بالتزام باب مراقبة الله في أعمال النفس .
    وقد أكون ذكرت مسائلاً الخلاف فيها معتبر ولم أنتبه ، إذ لا يصح الإنكار في هكذا أمور بهذه الطريقة إلا أني لم أقصد الإنكار قط على أهل الأقوال بل على المتفيقهين المقلدين المدعين للاجتهاد من دون الاستعانة بأولوياته وأبرأ إلى الله مستغفراً ومعتذراً لكل من قد يظن أنه مقصود بنقدي وهو بريء من فكرهم هذا ..
    والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ..

    أبو محمد (أحمر العين)
    تم الانتهاء من تنسيقها صباح الخميس
    19/10/1430هـ
    الموافق : 8/10/2009م