إشعال النار بالسعودية.. والاستحقاق العلماني الخطير
بعد أن هدأت الأوضاع بالبقيع على إثر أعمال العنف والتجاوزات الشرعية التي بلغت حد محاولة نبش قبور الصحابة رضوان الله تعالى عليهم من قبل الطائفة الشيعية، سعى قيادي شيعي إلى إشعال النار في بساط الاستقرار والهدوء بالبلاد التي شرفت بالإشراف على الحرمين الشريفين عبر تهديدات بالغة الخطورة تمس أمن السعودية وتبرهن على نزعة انفصالية واضحة، وتبرهن على نية مبيتة كانت وراء الأحداث المؤلمة تؤذن برغبة في التمرد على النظام والدولة، في وقت لا يمكن فصل فيه هذه التصعيدات عن أخريات "شقيقات" في دول مجاورة وغير مجاورة في حوض العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه، تقطف ثمرة الغفلة السنية عن مكامن قوتها، وتستخدم ـ على أقل تقدير ـ كأوراق في صفقات تمنح إيران حظاً كبيراً في المنطقة، وتعينها شرطياً أو فزاعة لابتزاز الدول العربية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
فاجأتنا خطبة الجمعة الماضية لنمر باقر النمر بمدينة العوامية في محافظة القطيف، وهو يصرح علناً بأن "كرامتنا أغلى من وحدة هذه الأرض"، في إشارة لا تحتمل الالتباس إلى التلويح بالرغبة في الانفصال (كما تقوم الدعوة الحوثية في اليمن)، ثم يؤكد الإشارة بتصريح واضح: "إذا حال الوضع بيننا وبين كرامتنا، سندعو إلى الانفصال عن هذا البلد. سندعو إلى الانفصال، وليكن ما يكون. كرامتنا أغلى من وحدة هذه الأرض".
ويضيف لأنصاره الموتورين: "لن تنالوا عدلاً إلا بالجهاد.. لن تستردوا حقاً إلا بالتضحية والجهاد والقوة والجرأة والشجاعة" (مع علم الجميع بأن الجهاد في الفقه الشيعي مؤجل حتى ظهور المهدي في آخر الزمان، ولكنه قائم في صورة الثورة فقط على المسلمين وعلى أعمال الشغب باسم الثورات الحسينية!).
ثم يشدد على أن معركته الحقيقية ليست مع من أسماها بالسلطة الدينية التي اعتبرها مجرد أداة قائلاً: "من قام بالعمل هو السلطة السياسية وليس السلطة الدينية. السلطة الدينية أداة تنفذ ما تؤمر به ليس إلا"، وأضاف: "السلطة السياسية حاقدة علينا". [هذا ما نشرته الوكالات أمس، ومواقع شيعية عديدة أشادت بشدة بهذه الرغبة الانفصالية للقيادي الشيعي].
من جهتنا لن نعلق كثيراً على ما تقدم، فهو لا يحتاج إلى برهان للدلالة على تلك الرغبة لدى قيادي له كل الاحترام من طائفته، وله أتباعه الكثيرون، ولن ننفق وقتاً للحديث عن تهافت هذه "الثورية الحنجورية" التي لا تستقوي بالخارج وبإعلام الخارج وأوراق الخارج الإيراني، ولا تبدي هذه العنتريات إلا حينما تسمح لها الولايات المتحدة الأمريكية وإيران بهذا الاندفاع والجرأة، تحت مظلة تنشيط كل الخلايا والقوى الطائفية النائمة من قبل إيران، والصمت الأمريكي المتواطئ معها، إنما ما يحدونا لأن نثير قضية أخرى تتعلق بهذا الموقف المخزي والمريب للقوى الليبرالية والعلمانية على هذا الهراء والهياج الأجوف، في وقت لم يزل فيه فئة من الطائفيين تملأ وسائل الإعلام السعودية الداخلية والخارجية ـ لاسيما تلك الفضائية التي يصعب جداً إدراجها ضمن من ينتمي إلى تراث هذا الوطن وقيمه وأخلاقه وثوابته ـ وتتولى فيها مناصب تحول معها دون تنبيه المجتمع إلى أخطار هذا المخطط الكامن، وتفسح المجال لمن يخرب دون من يبني وينبه.
إننا نتعجب بشدة، لهذا الصمت المريب من قبل القوى العلمانية والليبرالية على هذا الخطر، ونراها أمام استحقاق ولائي لم تنجح فيه أبداً؛ فلقد كانت تطلب من العلماء والدعاة والمصلحين إبان أزمة العنف الماضية التي سلم الله بلادنا منها، إدانتها في كل حين بدعوى الحرص على الوطن، وقد كان العلماء والدعاة يفعلون وفاء لدينهم وقناعتهم بوجوب حفظ دماء المسلمين وأموالهم، وكان الاتهام المعولب حينها للعلماء عند التفاتهم أحياناً لقضايا أخرى، أن ذلك قادح في ولائهم وانتمائهم لهذه البلاد، وقد كانوا غير محقين في ذلك....
الآن، أي عذر يسوقونه إذا صمتوا على هذه الدعوة الانفصالية، وأي مبرر يقدمونه إذا ما استمروا يقربون الطائفيين ويفسحون لهم المجال في صحفهم وفضائياتهم ويقصون المصلحين؟! إنه استحقاق خطير، يمس انتماءهم وولاءهم، ولا نريد إزاءه إلا أن نضع الجميع أمام مسؤوليتهم الدينية والوطنية...
منقول من موقع المسلم