لقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على غرس العقيدة في النفوس المؤمنة ، وأولى اهتماما خاصا للشباب ، ولا عجب في ذلك... ، فهم اللبنات القوية والسواعد الفتية التي يعوّل عليها لنصرة الحق ، وتحمّلون اعباء الجهاد لاجل لخير ونور وهدى كما قيل الحياه العقيده وجهاد .
فعن أبي العباس عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما – قال[/color]:" كنت خلفَ النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فقال : "يا غلامُ إني أُعَلِّمُك كلمات: احفظِ الله يحفظك، احفظِ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف".أخرجه الترمذي
شرح مفردات الحديث:
*ياغلام:قال له ذالك لان ابن عباس رضي الله عنه كان صغيرا.......فقد توفي النبي ص وعمره ثلاثة عشرة سنة او خمسة عشرة سنة.
*-إني أعلمك كلمات:ذكر له ذلك قبل ذكر الكلمات، ليكون ذلك أوقـــع في نفســـه، وجاء بها بصيغة القلّة؛ ليؤذنه أنها قليلة اللفظ؛ فيسهل حفظها.
*-احفظ الله يحفظك:أي احفظ حدوده وشريعته بفعل أوامره واجتناب نواهيه...يحفظك في دينك و أهلك و مالك ونفسك ,لان الله تعالى يجزي المحسنين بإحسانهم قال تعالى :"فاذكروني أذكركم" وقال:"وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم"...وهذا يدل على أن من لم يحفظ الله فإنه لا يستحق أن يحفظه الله عز وجل.
*-تجده اتجاهك:أي أمامك يدلك على كل خير ويقربك اليه ويهديك إليه.قال تعالى: "إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون".
*-اذا سالت فاسال الله:وسؤال الله تعالى والتوجه إليه بالدعاء من أبرز مظاهر العبوديّة والافتقار إليه ، بل هو العبادة كلها كما جاء في الحديث : " الدعاء هو العبادة " ، وقد أثنى الله على عباده المؤمنين في كتابه العزيز فقال : " إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين " الأنبياء / 90 .والله سبحانه يحب أن يُسأل، ويُلَحّ في سؤاله، والمخلوق بخلاف ذلك، يكره أن يُسأل، ويحب أن لا يسأل؛ لعجزه وفقره وحاجته.
*-واذا استعنت فاستعن بالله:الاستعانة هي طلب العون...ولا يطلب العون الا من الله تعالى الذي بيده ملكوت السماوات والارض وخزائنها فمن أعانه الله فلا خاذل له ,ومن خذله الله فلن تجد له معينا ولا نصيرا .
قال تعالى :" ان ينصركم الله فلا غالب لكم وان يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده" آل عمران....أما العبد فهو بحاجة الى من يعينه في امور معاشه ومعاده, ومصالح دنياه واخرته.
**-واعلم ان الامة لو اجتمعت على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك,وإن اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك :
المراد أن كـــل ما يصيب الإنســــان في دنياه، مما يضره أو ينفعه، فهو مقدر عليه، فلا يصيب الإنسان إلا ما كتب له من ذلك في الكتاب السابق، ولو اجتهد على ذلك الخلق كلهم جميعا.
*-رفعت الاقلام وجفت الصحف:هذا إخبار من الرسول عن تقدّم كتابة المقادير، وأن ما كتبه الله فقد انتهى ورفع، والصحف جفّت من المداد، ولم يبق مراجعة، فما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك.
قال تعالى: " ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير " الحديد : 22 .
مضمون الحديث:
في هذا الحديث الشريف امر نبوي كريم بحفظ الله تعالى بامتثال اوامره و اجتناب نواهيه وحفظ حدوده فلا يتجاوزها...واعظم ما يجب حفظه هو التوحيد وسلامة العقيدة من الانحرافات فهي الاصل والاساس ... وكذالك من حفظ الله أن يتعلم المسلم من دينه ما يقوم به عباداته ومعاملاته ويدعو به إلى الله...ونتيجة لذالك ينال الانسان حفظ الله تعالى له وهو نصره وتأييده...وهو نوعان :
أولا: حفظ الله تعالى للعبد في دينه و إيمانه فيحفظه في حياته من الشبهات المضلة ومن الشهوات المحرمة ومن الزيغ و الضلال ويحفظ عليه دينه عند موته فيتوفاه على الايمان
ثانيا: حفظ الله سبحانه وتعالى لعبده في دنياه ، فيحفظه في بدنه وماله وأهله ، ويوكّل له من الملائكة من يتولون حفظه ورعايته ، كما قال تعالى : " له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله "الرعد / 11 وهو ما كان يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم كل صباح ومساء : " اللهم إني أسألك العفو والعافية ، في ديني ودنياي وآخرتي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي، ومن فوقي وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي "أخرجه أبو داوود و ابن ماجة
وبهذا الحفظ أنقذ الله سبحانه وتعالى إبراهيم عليه السلام من النار ، وأخرج يوسف عليه السلام من الجبّ ، وحمى موسى عليه السلام من الغرق وهو رضيع... وتتسع حدود هذا الحفظ لتشمل حفظ المرء في ذريّته بعد موته ، كما قال سعيد بن المسيب لولده : " لأزيدن في صلاتي من أجلك رجاء أن أُحفظ فيك " ، وتلا قوله تعالى : " وكان أبوهما صالحا " الكهف / 82 .
ثم حث النبي صلى الله عليه وسلم على التوجه الى الله تعالى بطلب العون والتوكل عليه والاعتماد عليه... وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من قول :" اللهم أعني ولا تعن علي"، وأمر معاذا رضي الله عنه ، ألا يدع في دبر كل صلاة أن يقول " اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك"أخرجه النسائي وأبو داود .
وإذا قويت استعانة العبد بربّه ، فإن من شأنها أن تعمّق إيمانه بقضاء الله وقدره ، والاعتماد عليه في كل شؤونه وأحواله ، وعندها لا يبالي بما يكيد له أعداؤه ، ويوقن أن الخلق كلهم لن ينفعوه بشيء لم يكتبه الله له ، ولن يستطيعوا أن يضرّوه بشيء لم يُقدّر عليه بهذا الايمان يدافع عن الحق تيمسك بمبادئه الحميده ويعلم ان مايحصل له اختبارلايمانه واذا اذاثبت وصبر ع حق سيكون ثوابه عند الله عظيما في الدنيا والاخره ،
.إننا نستوحي من هذا الحديث معالم مهمة ، ووصايا عظيمة ، من عمل بها ، كتبت له النجاة ، واستنارت له عتبات الطريق
وفقنا الله تعالى إلى ما يحبه ويرضاه وجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.....آمين
والسلام عليكم ورحمة الله