( السخرية )
الحمد لله الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين...والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين...
لقد كرم الله ابن آدم وفضله على سائر خلقه إذ قال:{ ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا}الإسراء
والإسلام حرص على الاهتمام بالإنسان, وشرع حدوداً وواجبات تكفل حقوقه وتحترم إنسانيته, وجعل أساس المفاضلة بين الناس قائم على التقوى...
فلا الشكل ولا اللون ولا العرق تعلي من مكانة المرء أو تحط من قدره, قال تعالى :{ إن أكرمكم عند الله أتقاكم } الحجرات
ولكن هذا المعنى العظيم الذي جاءت به شريعتنا الغراء, غاب عن أعين الكثير من أبنائها مع الأسف الشديد, فأصبحنا نوهن أمتنا وننخر في جسدها, بأمراض تكاد تفتك بها, وتتشتت اجتماعها...أمراض وآفات تقطع أوصال المحبة والإخاء, وتوغر الصدور وتورث البغضاء...
ومن هذه الآفات آفة السخرية والاستهزاء, والنظر بعين الكبر والاستعلاء...
إنه بالفعل خُلق سيء ذميم, جدير بمن حملت خير الكلام في قلبها أن تطهره من أدران هذه المهلكات, لتسمو بعلمها الطاهر وتصبح كنبيها وقدوتها عليه الصلاة والسلام قرآناً يمشي على الأرض وليست مجرد حافظة مرددة دون تطبيق وعمل...
مالذي يحذر حافظة الوحيين من السخرية؟
يحذرها آية تحفظها من كتاب باريها عز وجل إذ يقول متوجهاً بالخطاب لها بعد مخاطبة الرجال حيث قال{ياأيُّها الَّذين آمنوا لا يَسخَرْ قومٌ من قومٍ عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساءٌ من نساءٍ عسى أن يَكُنَّ خيراً منهنَّ ولا تَلْمِزوا أنفُسَكُم ولا تنابَزوا بالألقابِ بئْسَ الاسْمُ الفسوقُ بعد الإيمانِ ومن لم يتُبْ فأولئك همُ الظَّالمون} الحجرات
ويحذرها وصية نبيها عليه الصلاة والسلام إذ قال فداه نفسي وما أملك(المسلم أخو المسلم لا يظلمه ، ولا يخذله ، ولا يحقره,التقوى ههنا ، ويشير إلى صدره ثلاث مرات, بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم,كل المسلم على المسلم حرام , دمه وماله وعرضه) رواه مسلم
فهيا أيتها الفاضلة, يا حافظة الوحيين...لنكن كسلفنا الصالح وقّافين عند آيات الله وحدوده, نربي أنفسنا ونجاهدها على ما يحب ربنا ويرضى...فالفلاح كل الفلاح بتطبيق ما جاء في هذين النبعين الصافيين[ كتاب الله عز وجل وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام]وما ضعفت أمتنا وهزت أركانها إلا بابتعادها عنهما...
ماذا نعني بالسخرية؟
هي الاستهانة بالناس واستحقار مكانتهم واستصغارهم, والتنبيه على ما فيهم من عيوب ونقائص بقصد إضحاك من حولهم عليهم وتقليلاً من شأنهم.
وهي لا تصدر إلا من نفس مريضة خبُثت بداء الكبر والعجب نسأل الله السلامة والعافية.
صـــور السـخريــــــــة
إن من أصيب بهذا الداء, تجده متصيداً متتبعاً لنقائص إخوانه جاعلاً منها مصدراً لإشباع هوى نفسه وإمتاعها فيما يغضب ربه سبحانه وتعالى ويجرح مشاعر غيره...ومن صور هذا الازدراء:
* السخرية بلقب أخيتك, ونعتها وندائها بصفة أو لقب أو اسم تكرهه بقصد جعلها مثاراً للسخرية والضحك.
* السخرية من خلقة أخيتك الجسدية, ولونها وشكلها, وهذا فيه اعتراض على الخالق سبحانه إذ هو من خلقها بهذه الصورة لحكمة تخفى علينا, وهذا خطر لا يشعر به المستهزئ والعياذ بالله.
* السخرية من الوضع المادي المتدني لأخيتك وطبقتها الإجتماعية وازدرائها لهذا السبب.
* السخرية بطريقة كلام أخيتك وتنبيه من حولها على ملاحظة بعض اللوازم الفطرية التي تصاحبها أثناء حديثها نحو تكرار كلمة معينة أو إصدار حركة تلقائية, بقصد إضحاكهم عليها.
* السخرية من مستوى تفكير أخيتك وبساطة عقليتها, ونعتها دائماً بالغباء والسذاجة.
* السخرية من مصاب أخيتك, بأن تكون مريضة أو تأخر بها الزواج أو حرمت من الولد...
* والأشنع من ذلك كله السخرية من أهل الصلاح, فيُسخر من طريقة تسترها واحتشامها, وهيئتها وأفعالها والذي يعتبر انتقاصاً للدين الذي تسير على تعاليمه.
وما إلى ذلك من الصور التي توضح شناعة هذا الفعل وسوء النفس التي تحمل هذه الطوية...
دوافــــع الســخريــــة
مالذي يدفع الشخص بأن ينال من أخوته ويحقرهم, ويؤذي مشاعرهم؟؟؟
بلا شك هناك عدد من الأسباب دفعت به إلى هذا الأمر نذكر منها:
1- التكبر على الناس والنظر إليهم بعين الفوقية والاستعلاء.
2- الحقد والغيرة ما يجعله يبادر بإطفاء نيرانها عن طريق انتقاص أخيه والسخرية منه.
3- الشعور بالنقص فيحاول تغليفها بانتقاص الآخرين.
4- النشأة في بيئة فاسدة يكثر فيها السخرية والاستهزاء, فتجد الطفل منذ نشأته لا ينادى إلا بأسماء وألقاب قبيحة فينشأ على ذلك.
5- أصحاب السوء والذين يشجعونه على تقليد الآخرين والسخرية منهم واتخاذ ذلك تسلية وترفيهاً.
6- قد تكون سخريته ردة فعل لما يواجهه فقد يكون هذا الشخص محطاً للسخرية من الآخرين فيسخر من الجميع.
آثار السخرية المدمرة
إن النتائج التي يخلفها هذا العمل كثيرة، ووخيمة لا يعلم مداها إلا الله سبحانه، ولكن نذكر أهمها على سبيل المثال لا الحصر :
1- تورث البغضاء وتوغر الصدور بين الأخوة.
2- تفجر الأحقاد وتهيج الضغينة والكراهية.
3- تقطع أواصر الإخاء والألفة فيضحي المجتمع متمزقاً متفككاً.
4- تسلب الشخص المستهزأ منه الثقة بنفسه وتورثه شخصية مهزوزة.
5- أنها تدخل الساخر في الفسوق والعياذ بالله ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {سباب المسلم فسوق وقتاله كفر}
6- أن من لم يتب منها فإنه معرض لعقاب الله كما قال تعالى{ ويل لكل همزة لمزة} الهمزة
7- أن من لم يتب منها فهو ظالم لنفسه مستحق للعقوبة لقوله تعالى بعد التحذير منها{ ومن لم يتُبْ فأولئك همُ الظَّالمون} الحجرات.
كيف الخلاص من هذه الآفة؟
يجب على كل منا أن يفتش عن مكامن الخلل في نفسه ويجاهد في سبيل التخلص منها, وقهر النفس على أن تكون بحالٍ يحبها الله ويرتضيها لعباده المؤمنين...
فمن ابتلي بهذه الآفة فلعلنا أن نذكر بعض الوسائل التي تعينه بعد الله على الخلاص منها:
1- صدق التوجه إلى الله وسؤاله والإلحاح عليه بأن ينقي قلبك ويطهره ويجعلك من أهل القلوب السليمة.
2- استعرضي الآثار السيئة لآفة السخرية, وكيف أنها تدمر العلاقات الأخوية....فهل ترغبي أن تكوني أحد المسببات في فرقة الأمة وتشتتها؟؟؟
3- تذكري أن هذه الصفة الشنيعة تورثك غضب الله وسخطه.
4- تذكري حسناتك وكيف تعبتِ وحرصتِ على نيلها ثم بعد ذلك تذهب هدية لأولئك الأشخاص الذين سخرتِ منهم وانتقصتِ كرامتهم,في وقت ستكونين فيه بأمس الحاجة للتخفف من الأوزار...فالحذر الحذر.
5- إن جمحت بك نفسك وأردت السخرية بأخية لك فتذكري أن الذي ابتلاها قادر على أن يعافيها مما أصابها ويبتليك قال صلى الله عليه وسلم(لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك) سنن الترمذي
6- حفظ اللسان وإلجامه بلجام التقوى والتمسك بوصية النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال( ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) البخاري
7- تذكري أنه من دواعي الإيمان أن تحبي لأخياتك ما تحبيه لنفسك قال صلى الله عليه وسلم(لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) البخاري, فكما لا تحبين أن يُسخر منك ويُنتقص من قدرك يجب عليك أن تحبي ذلك لأخواتك وإخوانك المسلمين.
8- الاشتغال بعيوب النفس وإصلاحها.
ختاماً:
ما أجمل أن تصفو أنفسنا لإخواننا, ومخاطبتهم بالكلام الطيب الحسن..
ما أجمل الاحترام والتقدير بين الأخوة, لا تجريح...لا شحناء...لا بغضاء وتنافر..
فلنكن كما وصانا الرحمة المهداة صلوات ربي وسلامه عليه..( لا تباغضوا ، ولا تحاسدوا ، ولا تدابروا ، وكونوا عباد الله إخوانا) البخاري
منقول----