العمل لليوم الآخر
أخرج ابن عساكر عن موسى بن عقبة أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان يخطب فيقول:
الحمد لله رب العالمين, أحمده وأستعينه, ونسأله الكرامة فيما بعد الموت, فانه قد دنا أجلي وأجلكم, وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له, وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا وسراجا منيرا, لينذر من كان حيّا ويحق القول على الكافرين. من يطع الله ورسوله فقد رشد, ومن يعصهما فقد ضل ضلالا مبينا.
أوصيكم بتقوى الله, والاعتصام بأمر الله الذي شرع لكم وهداكم به, فان جوامع هدى الاسلام بعد كلمة الاخلاص السمع والطاعة لمن ولاه الله أمركم, فانه من يطع الله وأولي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقد أفلح وادّى الذي عليه من الحق, وايّاكم واتّباع الهوى, فقد أفلح من حفظ من الهوى والطمع والغضب, واياكم والفخر, وما فخر من خلق من تراب, ثم الى التراب يعود, ثم يأكله الدود, ثم هو حيّ وغدا ميّت؟!
واصبروا فان العمل كله بالصبر, واحذروا, والحذر ينفع, واعملوا, والعمل يقبل, واحذروا ما حذركم الله من عذابه, وسارعوا فيما وعدكم الله من رحمته, وافهموا وتفهّموا, واتقوا الله وتوقّوا, فان الله قد بيّن لكم ما أهلك من كان قبلكم, وما نجّى به من نجّى قبلكم, قد بيّن لكم في كتابه حلاله وحرامه, وما يحب من الأعمال وما يكره, فاني لا آلوكم ونفسي, والله المستعان, ولا حول ولا قوة الا بالله, واعلموا أنكم ما أخلصتم لله من أعمالكم فربّكم أطعتم, وحظّكم حفظتم, واغتبطتم, وما تطوعتم به لدينكم فاجعلوه نوافل بين أيديكم تستوفوا لسلفكم, وتعطوا جرايتكم حين فقركم وحاجتكم اليها, ثم تفكّروا عباد الله في اخوانكم وصحابتكم الذين مضوا, وقد وردوا على ما قدّموا, فأقاموا عليه, وحلّوا في الشقاء والسعادة فيما بعد الموت.
ان الله ليس له شريك, وليس بينه وبين أحد من خلقه نسب يعطيه به خيرا, ولا يصرف عنه سوءا الا بطاعته واتباع أمره, فانه لا خير في خير بعده النار, ولا شر في شر بعده الجنة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم, وصلّوا على نبيّكم صلى الله عليه وسلم, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
"حياة الصحابة" (4\243-245)
وعنه قال في إخلاص العمل لليوم الآخر
ان الله عز وجل لا يقبل من الأعمال الا ما أريد به وجهه, فأريدوا الله بأعمالكم, واعلموا أن ما أخلصتم لله من أعمالكم فطاعة أتيتموها, وخطأ ظفرتم به, وضرائب أدّيتموها, وسلف قدّمتوه من أيّام فانية لأخرى باقية لحين فقركم وحاجتكم, اعتبروا عباد الله بمن مات منكم, وتفكّروا فيمن كان قبلكم, أين كانوا أمس وأين هم اليوم؟.
أين الجبّارون؟ وأين الذين كان لهم ذكر القتال والغلبة في موطن الحروب؟ قد تضعضع بهم الدهر, وصاروا رميما, قد تركت عليهم القالات: الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات.
وأين الملوك الذين أثاروا الأرض وعمروها؟.
قد بعدوا ونسي ذكرهم, وصاروا كلا شيء, ألا ان الله قد أبقى عليهم التبعات, وقطع عنهم الشهوات, ومضوا والأعمال أعمالهم والدنيا دنيا غيرهم, وبقينا خلفا بعدهم, فان نحن اعتبرنا بهم؛ نجونا, وان اغتررنا كنا مثلهم.
أين الوضّاء الحسنة وجوههم المعجبون بشبابهم؟.
صاروا ترابا, وصار ما فرّطوا فيه حسرة عليهم.
أين الذين بنوا المدائن, وحصّنوها بالحوائط, وجعلوا فيها الأعاجيب؟ قد تركوها لمن خلفهم. فتلك مساكنهم خاوية وهم ظلمات القبور, هل تحس منهم من أحد أن تسمع لهم ركزا؟
أين من تعرفون من أبنائكم واخوانكم؟ قد انتهت بهم آجالهم, فوردوا على ما قدّموا, فحلّوا عليه, وأقاموا للشقوة والسعادة فيما بعد الموت.
ألا ان الله لا شريك له ليس بينه وبين أحد من خلقه سبب يعطيه به خيرا, ولا يصرف عنه سوءا الا بطاعة واتباع أوامره, واعلموا أنكم عبيد مدينون, وأن ما عنده لا يدرك الا بطاعته. أما انه لا خير بخير بعده النار, ولا شر بشر بعده الجنة.
أخرج هذه الخطبة الطبري في تاريخه عن عاصم بن عديّ باسناد فيه سيف. قال: وقام أيضا فحمد الله وأثنى عليه
"حياة الصحابة" (4\242-243)
منقول