*·~-.¸¸,.-~*الزمان يذهب والصحائف تختم!!
كان هذا هو ميزان عثمان بن عيسى الباقلاوي، المعروف بالعابد الصامت، لكثرة إمساكه عن الكلام فيما لا يعنيه، كان هذا ميزانه في اغتنام وقته في الذكر والطاعة والعبادة، فكان ضنيناً بوقته أن تذهب منه ساعة أو بعضها في غير شغل بذكر الله وطاعته.
ومن كان هذا ميزانه، حسن فقهه، ودق حسابه، واشتد حزنه وألمه، فتراه يحسب الأوقات بعناية فائقة، ويحرص عليها حرصاً عجيباً، يدعو الكثيرين منا للتأمل والتأوه، التأمل في حال هؤلاء، والتأوه على ما آلت إليه حالنا، وما هي عليه من تفريط، وإهمال وتقصير.. في حق أوقاتنا، التي هي رأس مالنا..
الزمان يذهب، والصحائف تختم..
يا له من ميزان، لو نصبنا شطره، لكنا في حال حسن، وهيئة مرضية.. فكيف لو وفقنا إلى شطريه.. ذهاب الزمن، وختم الصحائف ؟!
إننا حين نستيقن ذهاب الزمن.. بكل ما فيه، من حسنات قدمناها، أو سيئات اقترفناها.. فيشهد على ذلك الليل والنهار، الشجر والحجر، وذرات التراب.. ونسمات الهواء.. أو جدران البيوت وأبوابها ونوافذها، التي نحكم إغلاقها، حتى تستر سوءتنا في الدنيا، وننسى أنها ستكشف سترنا، وتفضح أمرنا، وتشهد ضدنا، يوم لا ينفع فيه ندم أو عمل.. أما الصحائف المختومة.. فلا تغادر كبيرة ولا صغيرة.. إلا وأحصيت وأثبتت.. عندها كم يبدو المسيء صغيراً خجلاً، خائفاً مرتجفاً، قد غرق ببحر عرقه.. فهل ننتبه إلى صحائف أيامنا وساعاتنا قبل أن تختم.. ؟!
الزمان يذهب، والصحائف تختم..
استوقفه ابن أخته، وهو خارج من المسجد، وفي طريقه إلى بيته، وقد اشتغل لسانه بالتسبيح والاستغفار، فقال له: ادع لي يا خالي، فقال له: يا أبا عبد الله، شغلتني، انظر ما تظنه في فافعله، وادع أنت لي. فألح عليه في طلبه الدعاء، فقال له: رفق الله بك.. فطمع الرجل بالمزيد، فاستزاده، فقال له عندها: الزمان يذهب، والصحائف تختم.
موقف.. يجسد حرص القوم على أوقاتهم، ويؤكد على ضرورة تعليم الناس كيفية المحافظة على أوقاتهم، والالتفات إلى أهميتها، والمبالغة في اغتنامها، والبكاء على ما يفوت منها من غير نفع أو فائدة.
وكأنه يريد أن يقول لهذا الرجل وأمثاله: لا تضع وقتك بطلب الدعاء على شرفه، والركض وراء من يدعو لك، بل عليك أن تباشر أمرك، وأن تقوم بالأعمال والأفعال التي تظنها عند غيرك.. ولا تعول كثيراً على دعاء الآخرين لك..
الزمان يذهب، والصحائف تختم..
فهل تشمر له عن ساعد الجد والعمل، فلا يذهب زمانك حتى يشهد عزمتك، ويعرف مضاءك، ويكتب في ميادين الخيرات صولاتك وجولاتك، ويسجل لك مسارعتك ومنافستك، وأنت آمر بالمعروف، ناه عن المنكر، داع إلى الله على بصيرة..
الزمان يذهب، والصحائف تختم..
اتخذه بشقيه ميزاناً، تزن فيه نفسك في وقتك..
وسوطاً تجلد فيه تقصيرك وتفريطك..
وتنوراً تحرق فيه شهواتك ونزواتك..
وظلاً تستجير به من لهيب الغفلة.
*·~-.¸¸,.-~*