- <LI class=title>نداء لنصرة إخواننا المرابطين في فلسطين
- الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي
ملخص هذه المادّة
هذه الرسالة نداء للمسلمين لنصرة إخواننا وأهلنا المرابطين في أكناف بيت المقدس، فقد بينت مكانة الجهاد في الإسلام بالنفس والمال مع حث المسلمين على الإنفاق في سبيل الله، وتوضيح حقيقة المجتمع الصهيوني، وأن التطبيع معه كقبض الريح أو الجمع بين المتناقضات، وخُتم هذا النداء بدعوة المسلمين للتبرع لإخوانهم الفلسطينيين؛ لتخليص الأراضي المقدسة من أعداء الدين.
عناصر نداء لنصرة إخواننا المرابطين في فلسطين
- 1 - مكانة الجهاد في سبيل الله
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين أما بعد:
فإبراءً للذمة وأداءً للحق الواجب بخصوص ما يعانيه شعبنا المسلم المرابط في فلسطين المحتلة أذكّر بما يلي:
إن جهاد إخواننا في فلسطين المحتلة هو جهاد عظيم في سبيل الله تعالى، للدفاع عن مقدسات المسلمين ولرفع الظلم عن أنفسهم ولاسترداد أرضهم وأرض المسلمين، يحتسبون فيه ما أصابهم من ألم أو هَمّ أو نصب، ولا أعلم اليوم جهاداً في سبيل الله هو أفضل من الجهاد معهم لمن قدر عليه بمال أو نفس أو قول أو دعاء.
ولذا فإن نجدتهم حق واجب ونصرهم فرض لازم لجميع المسلمين بمقتضى نصوص الكتاب والسنة، قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10] وقال: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ٌ) [التوبة:71] وقال: وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ [النساء:75] .
وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه }.- فضل الجهاد بالمال
أذكِّر نفسي وجميع إخواني بعموم الآيات والأحاديث في فضائل الجهاد والرباط والشهادة في سبيل الله تعالى. وهي معلومة ولله الحمد. ومن ذلك فضل الجهاد بالمال، فإنه من أعظم القربات وأفضل أنواع الجهاد في كل حين، فكيف وقد حيل بين المسلمين وبين الجهاد بأنفسهم في فلسطين؟!
ولعظم مكانة الجهاد بالمال قدمه الله تعالى في أكثر المواضع من القرآن الكريم على الجهاد بالنفس كقوله تعالى: انْفِرُوا خِفَافاً وثِقَالاً وجَاهِدُوا بِأمْوالِكُم وأنْفُسِكُمْ في سَبِيْلِ الله [التوبة:41] وقوله: الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ [التوبة:20]. وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الصف:10-11].
وقوله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحجرات:15].
إن خذلانهم أو التهاون في مناصرتهم ورفع الظلم والاضطهاد عنهم ذنب عظيم، وتضييع لفرصة كبيرة في تحطيم آمال الصهيونية، وتعريض للمسلمين والعرب جميعاً لخطر مُدْلَهِمّ، فإن لم يغتنم المسلمون اليوم الفرصة فسيندمون على فواتها إلى أمدٍ الله أعلم به، وإن تغييب الأمة عن ذلك وإشغالها باللهو واللعب يبلغ درجة الإجرام في حقها وحق قضاياها.- الحث على الإنفاق في سبيل الله
إن التعاون على نصرتهم بكل أنواع النصرة الممكنة - مع كونه واجباً على المسلمين كما تقدم وكونه من الجهاد في سبيل الله - هو أيضا داخل دخولاً أوّلياً تحت قوله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثم وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة:2]، ولهذا فإن حض المسلمين على التبرع بسخاء لإخوانهم هو عمل صالح {ومن دل على خير فله مثل أجر فاعله } وفي ذلك اقتداء بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين كان يحض أصحابه على الإنفاق في سبيل الله تعالى وتجهيز الجيوش، كما حصل في غزوة تبوك في جيش العسرة المشهورة قصته في الصحيحين وغيرها، وفي كتب السيرة.
إن إيصال المعونات المالية والمادية من سلاح وغيره إليهم داخل إن شاء الله تعالى في قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا، ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا } متفق عليه، ولذا فإن كفالة من يوجد من أسر المجاهدين ورعايتهم فيه هذا الفضل العظيم، بل وفي إيصال ذلك إليهم إنقاذ لأنفس مسلمة، فليجتهد المسلمون في ذلك وليتسابقوا فيه، كما أن الاهتمام بإخواننا الفلسطينيين من سكان المخيمات في دول الجوار مهم للغاية فيجب على الدعاة إلى الله إعطاء ذلك حقه.- تقديم الأهم في الإنفاق في سبيل الله
ينبغي في الإنفاق في سبيل الله أن يقدم الأهم بحسب ما بينته السنة، ومن ذلك تقديم نفقة الجهاد في سبيل الله في هذا الموطن الواجب على نفقة حج التطوع وغيره من التطوعات كبناء المساجد وحفر الآبار لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد سئل: {أي العمل أفضل؟ فقال: إيمان بالله ورسوله؛ قيل: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قيل: ثم أي؟ قال: حج مبرور }. متفق عليه.- 2 - النصر مع الصبر
أبشِّر إخواني المسلمين في أرض فلسطين وغيرها بأن مع العسر يسراً وأن النصر مع الصبر، وأن موقف العدو الصهيوني اليوم هو أكثر ما يكون حرجاً وشدةً، فقد انحصرت الخيارات أمامه في خيار واحد، هو الاستمرار في العنف والإبادة إن تراجع عنه فهو إقرار بالهزيمة وبداية للانقسام، وإن استمر فيه فسيقع في الهاوية -بإذن الله- ومن هنا لا يجوز إنقاذ موقفه بإيقاف الانتفاضة مهما كانت التضحيات.
وإن التطور النوعي في أساليب الجهاد -مثل اقتحام المستوطنات ومباغتة القواعد العسكرية وصناعة الأسلحة وتطويرها- وكذلك الدقة والإحكام وعمق الاختراق في العمليات الاستشهادية ليؤكد ذلك.- حقيقة المجتمع الصهيوني
لا ينبغي أن تحول متابعة الأحداث اليومية بيننا وبين الاطلاع على حقيقة المجتمع الصهيوني من الداخل. إنه مجتمع يخيّم عليه الرعب، وتسيطر عليه الشحناء، وعند كل عملية استشهادية يزداد فقد الثقة بالمستقبل لديه، ويتدهور اقتصاده باستمرار، وقد وصل الحال إلى احتجاج طائفة من الجيش على السفاح شارون وحكومته، وهو ما يعد سابقة خطيرة، كما أنه يفقد التعاطف الخارجي عند كل عملية اجتياح، ويستطيع أي مراقب أن يقول: إنه يعيش عزلة عالمية لم يشهدها من قبل باستثناء الصهاينة في حكومة أمريكا الطاغية الظالمة، ومن هنا وجبت الثقة في نصر الله، وحرمت محاولة إخراجه من عزلته وإنقاذه من مأزقه.- نتائج اللاهثين وراء سراب السلام
كشفت الأحداث الأخيرة أن الذين يلهثون وراء سراب السلام مع هذا العدو منذ معسكر داود لم يجنوا سوى الخيبة والخسارة، فها نحن أولاءِ نرى ماذا جنى جنود الأجهزة الأمنية للسلطة الذين طالما لاحقوا المجاهدين، وترصدوا لهم ودلّوا عليهم جنود يهود بل قَتلوا أو سلَّموا بعضهم للعدو، فهل يعتبرون ويتوبون وهل يتعظ بهم الآخرون؟!
وهنا نسجل تقديرنا وشكرنا لكتائب الأقصى وللشرفاء من منظمة التحريرالذين انحازوا إلى خيار المقاومة، وشاركوا الإسلاميين شرف القتال، ونرجو أن يكون ذلك مقدمة لتوحّد الشعب الفلسطيني بكل فصائله تحت راية الإسلام والجهاد وإقامة الحكم الإسلامي على أرضه المباركة.- 3 - الجهاد هو الحل
إن التطبيع مع عدو طبيعته الغدر والخيانة والتملّص والمماطلة -كما يشهد بذلك كتاب الله والسلوك التاريخي الثابت لليهود- هو قبض للريح وجمع بين المتناقضات، وفوق كونه خطراً عظيماً على العقيدة والمقدسات والقيم والأخلاق والاقتصاد والثقافة، ولشدة وضوح ذلك ومنافاته للبدهيات والضروريات رفضته الشعوب التي ابتليت به منذ موافقة حكوماتها عليه وهي الآن أشد له رفضاً، فما جدوى أن تبتدئ الشعوب الأخرى من حيث بدأت، ومن هنا لم يبق للأمة من مخرج -واقعاً- إلا ما هو المخرج شرعاً وهو الجهاد ودعم صمود شعبنا المسلم واستمرار انتفاضته، وإذا كان هنالك مجتمعات تُعَـبِّر عن شعورها بالتظاهر الصاخب فإن مجتمعات أخرى يجب أن تُعَـبِّر عنه بالبذل السخي والإنفاق المستمر.- جواز الهدنة مع العدو لتحقيق المصلحة الشرعية
إن ما قررناه آنفاً لا يعني إغلاق أبواب السياسة الشرعية والدبلوماسية الحكيمة لتحقيق مصلحة الأمة ومساندة الجهاد، أو التهيئة لـه والتربص بالعدو..، ومن هنا أجازت الشريعة المطهرة مهادنة العدو ومناورته على سبيل السياسة الشرعية ولتحقيق المصلحة الشرعية، ومنها إظهار تعنّته وإحراج موقفه وكشف حقيقته، لكن دون أن يترتب على ذلك موالاته وترك عداوته، أو الإقرار لـه بشيء من الحقوق الثابتة التي لا يملك المسلمون - ولو أجمعوا - التنازل عنها، لأن الله هو الذي أنـزلها وفرضها كما أنـزل وفرض معاداة الكافرين ومجاهدة المعتدين، ومن ذلك كون أرض فلسطين كلها وقفاً إسلامياً لا يملك غير المسلمين شيئاً منه إلا بعقد ذمة، وكون أملاك اللاجئين حقاً شرعياً متوارثاً لأبنائهم إلى يوم القيامة لا يجوز لغيرهم -كائناً من كان- أن يتصرف فيه بشيء، ولا يحق له أن يتنازل عنه.- الخاتمة
ختاماً: بكل عزم في الطلب ورجاء في الاستجابة نهيب بإخواننا المسلمين أن يسارعوا لنجدة شعبنا الصابر في الأرض المقدسة، ونذكّر من جاهدوا بأموالهم عند بداية الانتفاضة المباركة أن الحاجة الآن أشد والحال أشق، ونذكّر من لم يفعل ذلك أن يستدرك ويسابق في هذه التجارة الرابحة، وسوف يعوضكم الله بإذنه عما تنفقون راحة في الضمير وبركة في الرزق ونوراً في القلب، وما عند الله خير وأبقى وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً [المزمل:20] وإن مما يعين المسلم على الالتـزام ويضاعف لـه الأجر -بإذن الله- أن يخصص نسبة ثابتة من الراتب -أو غيره- يقدمها شهرياً ويحث أقرباءه وأصدقاءه على ذلك.
نسأل الله الكريم رب العرش العظيم الذي لـه الخلق والأمر وبيده الملك وإليه يرجع الأمر كله أن ينصر المستضعفين من المسلمين في كل مكان، وأن يقر أعيننا بعزة دينه وعلو كلمته وخذلان أعدائه من أهل الكتاب والمنافقين والمفسدين في الأرض إنه على كل شيء قدير.- كتبه: سفر بن عبد الرحمن الحوالي
21/1/1423هـ