الحمد لله وأشهد أن لا إله ألا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده
ورسوله , ثم أما بعد ..
اللهم يسر وأعن ..
فقد تم لي بحمد الله تعالى قراءة وقفات أخينا الكريم الدارمي مع كتاب الشيخ
ياسر برهامي حفظه الله وما ألحقة في رده من كلام الأخ الموحد من على موقع
صيد الفوائد ..
وقد تبين لي من خلال قراءة هذه الوقفات أنها تنحصر في النقاط التالية :
1- وقفات ناتجة عن اختلاف حقيقي في مسألة جنس العمل .
2- وقفات ناتجة عن اختلاف حقيقي ولكن في قضايا أخرى عقدية
وغيرها .
3- وقفات ناتجة عن سوء فهم لكلام الشيخ ياسر في كتابه .
فأحببت أن نبدأ كلامنا بالنوع الأول من الوقفات والتي نتجت عن الخلاف
الحقيقي بيننا وبين القوم في مسألة جنس العمل ..
ومن خلال نقاشي مع الأخوة الكرام الذين يتبنون هذا القول - تكفير تارك جنس
العمل – سواء في منتدى أنا المسلم أوغيره بالإضافة إلى بعض ما كُتب في هذا
المجال ، تبين لي أن هذه البدعة لم تنضج بعد , ولم تضبط قواعدها وأسسها
بعد ولله الحمد ويتبين ذلك من خلال الآتي :
أولا : تضارب كل من تحاورت معهم في كيفية تطبيق هذه القاعدة ( تكفير تارك
جنس العمل ) على أرض الواقع .. أو إن شئت فقل على الأعيان .. فمنهم من نفى
أصلاً واقعية هذا المبدأ وقال أن هذه مجرد مسألة نظرية !! ومنهم من أجاب
بإجابات غريبة كمن قال أن المقربين منه كأخيه وزوجته ( يمكن ) لهم أن
يحكموا على الشخص بالكفر ( بغلبة الظن ) إذا لم ( يروه ) يعمل خيراً قط !! ومنهم
من ناقض نفسه أصلاً وقال أنه إذا صلى عشرين سنة ثم تركها بقية حياته فهو
كافر أيضاً مع أنه يقول بكفر تارك جنس العمل !! ومنهم من هرب من الإجابة
وبدلاً من أن يجيب عن أسئلتي راح ينصحني بأن أتعلم العلم لأنه لا يليق بمثله
أن يخاطب جاهل مثلي وساق آثاراً في فضل حفظ الوقت !! ومنهم - وهو
أفضلهم - من لم يرد إلى الآن نهائياً ولو بكلمة ..
المهم .. أن القوم يبدوا أنهم لم يتوصلوا بعد لتأصيل كامل محكم لهذه القاعدة
المحدثة ( كفر تارك جنس العمل ) والتي إن شئت فسميها ( طنطنة ) لا فائدة منها
كما قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله , فالكافر من كفره الله ورسوله صلى الله
عليه وسلم ..
فالقوم كما هو بين لم يتفقوا بعد على كيفية تطبيق هذه القاعدة المحدثة على
أرض الواقع ، وبدون ذلك التطبيق الواقعي للقاعدة يصبح كلامهم لا فائدة منه
أو كما قال الشيخ ابن عثيمين : ( طنطنة ) ..
ولا أدري لماذا لا يريدون أن يتكلموا في هذا الأمر ، إلا إذا كان لهذه القاعدة
المحدثة تطبيق واقعي يعرفونه ولكنهم يخفونه عنا مثلاً لأن إظهارهم لهذا
التطبيق سيطعن فى سلفيتهم كأن يقال أن الذى يعيش في الضلال والغي ولا (
نراه ) يعمل صالحاً أو من (لم نره ) يصلي مثلاً حكمنا عليه بالكفر .. أو أن يقال
أن الرجل لا يحكم له بكفر ولا إسلام ( نتوقف في إثبات حكم الإسلام له ) حتى (
يتبين ) لنا أنه مسلم من خلال ( عمله ) !!!
وللأسف هذه بالفعل أفكار طرحت قبل ذلك من قبل أشخاص تتلمذوا على يد
الأستاذ محمد قطب , وما كتاب ظاهرة الإرجاء في بعض مواضعه إلا تأصيل
لفكرة التوقف والتبين التي جاءت في كتابات محمد قطب وصرح بها تلميذه عبد
المجيد الشاذلي في كتابه ( حد الإسلام ) وأصّل لها الدكتور سفر الحوالي في
كتاب ظاهرة الإرجاء ..
وأظن - وهذا يؤيد نظريتي السابقة في عدم اتفاق أصحاب قاعدة كفر تارك
جنس العمل على مفاهيم مشتركة للتطبيق الواقعي - أن كثيراً ممن يتكلمون في
هذه القضية لا يوافقون الدكتور سفر على هذا التكييف الواقعي لهذه القاعدة
ولله الحمد ..
وأتذكر أني كنت أناقش أحد الإخوة المدافعين هذه القاعدة فقلت له : ( من
الواضح أنك تخالف الدكتور سفر في فهم هذه القاعدة ) ، فقال لي بالنص : (
دعك من سفر فإنه ........ ) .. وأنا ذكرت ذلك المثال لأوكد ما ذكرته آنفاً من عدم
اتفاق أهل هذه المقالة المحدثة مع بعضهم البعض ومع الدكتور سفر في كيفية
تطبيق هذه القاعدة على أرض الواقع وهذا كما ذكرنا نتيجة طبيعية للغاية ، لأن
أصول هذه البدعة لم تحكم بعد وقواعدها لم تنضج بعد .. فاللهم لك الحمد ..
ثانياً : بالإضافة إلى أن القوم لم يتفقوا على كيفية تطبيق هذه القاعدة على
أرض الواقع , فإنهم أيضا لم يتفقوا على مفهوم معين لمصطلح ( جنس العمل )
فمنهم من قال : ( من سبح تسبيحة فقد أتى بالجنس ) .. ومنهم من قال : ( حتى (
يُعرف ) منه أنه من المسلمين ) .. ومنهم من قال : ( صلاة واحدة ) .. وآخر يؤيده
في الجملة ولكنه يقول : ( لو صلى عشرين سنة ثم تركها كفر ) !!!!!! ومنهم من
قال - وهو ما يبدو من كلام الدكتور سفر - أن ( جنس العمل ) أي ( جنس كل عمل
معين ) .. فلابد أن يفعل كل طاعة من الطاعات الواجبة ولو مرة حتى يكون
مسلماً , فمن ترك ( جنس بر الوالدين ) كفر ، ولو كان مصلياً صائماً مزكياً حاجاً ..
وأظن أن كثيراً ممن يتكلم في هذه المسألة لا يقصد هذا المعنى الأخير ولكنه
للأسف لا يقصد أي معنى آخر !! وإن حدد ما يريده من هذا المصطلح - وقليل
ماهم - فإنه يخالف غيره من الذين ينافحون عن هذه القاعدة وهذا المصطلح
بإجمال ..
المهم .. أنهم أيضا لا يتفقون على مفهوم موحد لهذا المصطلح ، وذلك كما قلنا
لعدم نضوج قواعد هذه البدعة بعد .. والحمد لله رب العاملين ..
مما سبق يتضح جلياً عدم اتفاق أصحاب مبدأ ( كفر تارك جنس العمل ) على :
أولا : كيفية تطبيق هذا المبدأ على أرض الواقع .
ثانيا : مفهوم هذا المصطلح المحدث .
فالقائلين بكفر تارك جنس العمل لم يفهموا قضيتهم الفهم التام ولم يتفقوا فيها
على أصول واضحة .. ولذلك كله فقد آثرت عند نقاشي للإخوة في هذه المسألة
هنا وفي أماكن أخرى أن أفرد لكل أخ موضوعاً مستقلاً , لأن كل واحد منهم
يتكلم بمفاهيم غير مفاهيم الآخر , ويقعد قواعد لا يتفق معه فيها الآخر .. مع
أنهم جميعاً يجمعون على عنوان واحد وهو : ( ترك جنس العمل كفر ) ..
الغرض المقصود : أن القائلين بهذا القول ليسوا فئة واحدة وإن أجمعوا على
أصل القول إلا أنهم مختلفون اختلافاً كبيراً في فهمه .. وصورة ذلك :
1- اختلافهم في التطبيق الواقعي على الأعيان .
2- اختلافهم في مفهوم هذا المصطلح الحادث .
تنبيه : قد يقول البعض : لقد ذكرت بدعية هذا المصطلح واستحداثه أكثر من مرة
مع أنه ورد في مجموع الفتاوى من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية , فهل تبدع
شيخ الإسلام مثلاً ؟!!
فأقول : إن شيخ الإسلام لم يذكر ذلك اللفظ ( جنس العمل ) في كلامه بهذه
الطريقة التي ذكروها هم به .. ولم يضعها عنوان يحاكم عليه الناس أو يكفرهم
إذا لم يأتوا به .. بل يجب فهم سياق كلام شيخ الإسلام بناءً على منهجه .. وهذا
ما سنفصل القول فيه بإذن الله عند الكلام على ما اعتمد عليه القوم من كلام
العلماء .. والله المستعان ..
وأسأل الله عز وجل أن ينفعنا بما علمنا وأن يعلمنا ما جهلنا ..
وجزاكم الله خيرا ..
يتبع إن شاء الله بأسباب انتصارهم لهذا القول مع بدهية فساده ..