نخلـة أبي الدحداح!
كان الرسول محمد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ يجلس وسط أصحابه عندما دخل شاب يتيم إلى الرسول يشكو إليه... قال الشاب: 'يا رسول الله، كنت أقوم بعمل سورٍ حول بستاني فقطع طريق البناء نخلة هي لجاري، طلبت منه أن يتركها لي لكي يستقيم السور، فرفض، طلبت منه أن يبيعني إياها فرفض'..
فطلب الرسول أن يأتوه بالجار..
أتى الجار إلى الرسول وقصَّ عليه الرسول شكوى الشاب اليتيم فصدَّق الرجل على كلام الرسول. فسأله الرسول أن يترك له النخلة أو يبيعها له فرفض الرجل.. فأعاد الرسول قوله: 'بع له النخلة ولك نخلة في الجنة يسير الراكب في ظلها مائة عام!'.
فذُهل أصحاب رسول الله من العرض المغري جداً جداً؛ فمن يدخل النار وله نخلة كهذه في الجنة!؟ وما الذي تُساويه نخلة في الدنيا مقابل نخلة في الجنة!؟.
لكن الرجل رفض مرة أخرى طمعاً في متاع الدنيا، فتدخل أحد أصحاب الرسول ويُدعى أبو الدحداح، فقال للرسول الكريم: أإن اشتريتُ تلك النخلة وتركتها للشاب أليَّ نخلة في الجنة يا رسول الله؟..
فأجاب الرسول: 'نعم'.
فقال أبو الدحداح للرجل: أتعرف بستاني يا هذا؟
فقال الرجل: نعم، فمن في المدينة لا يعرف بستان أبي الدحداح ذي الستمائة نخلة والقصر المنيف والبئر العذب والسور الشاهق حوله، فكل تجار المدينة يطمعون في تمر أبي الدحداح من شدة جودته.
فقال أبو الدحداح: بِعني نخلتك مقابل بستاني وقصري وبئري وحائطي..
فنظر الرجل إلى الرسول غير مصدق ما يسمعه! أيُعقل أن يُقايض ستمائة نخلة من نخيل أبي الدحداح مقابل نخلة واحدة!؟ فيا لها من صفقة ناجحة بكل المقاييس! فوافق الرجل وأشهد الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ والصحابة على البيع وتمت البيعة.
فنظر أبو الدحداح إلى رسول الله سعيداً سائلاً: 'أليَّ نخلة في الجنة يا رسول الله؟..
فقال الرسول: 'لا'!
فبُهت أبو الدحداح من ردّ رسول الله، فاستكمل الرسول قائلاً في ما معناه 'الله عرض نخلة مقابل نخلة في الجنة وأنت زايدت على كرم الله ببستانك كله، ورد الله على كرمك وهو الكريم ذو الجود بأن جعل لك في الجنة بساتين من نخيلٍ أعجز عن عدها من كثرتها..
وقال الرسول الكريم.. 'كم من مِداح لأبي الدحداح..' ـ و'المداح' هنا هي النخيل المثقلة من كثرة التمر عليها..
وظل الرسول يُكرر جملته أكثر من مرة لدرجة أن الصحابة تعجبوا من كثرة النخيل التي يصفها الرسول لأبي الدحداح.. وتمنى كل منهم لو كان أبا الدحداح.
وعندما عاد الرجل إلى امرأته، دعاها إلى خارج المنزل وقال لها: لقد بعتُ البستان والقصر والبئر والحائط..
فتهللت الزوجة من الخبر فهي تعرف خبرة زوجها في التجارة وشطارته وسألت عن الثمن.. فقال لها: لقد بعتها بنخلة في الجنة يسير الراكب في ظلها مائة عام..
فردت عليه متهللة: ربح البيعُ يا أبا الدحداح، ربح البيع..
فمن منا يُقايض دنياه بالآخرة ومن منا مستعد للتفريط بثروته أو منزله أو سيارته مقابل الجنة!!؟.
***
أرجو أن تكون القصة عبرة لكل من يقرأها.. فالدنيا لا تُساوي أن تحزن أو تقنط من مشاكلها أو أن يرتفع ضغط دمك من همومها.. فما عندك زائل وما عند الله باقٍ..
أرجو أن تفكر كثيراً في مسار حياتك!.
عن عبد الله بن عباس وعمرو بن ميمون: قال رسـول الله صلى الله عليـه وآله وسـلم: 'إغتنم خمسـاً قبل خمـس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سـقمك، وفراغك قبل شـغلك، وشـبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك.
المصدر: صحيح الجامع