16/4/2004
نعم ..أميركا أقعدت الشرق الأوسط كله على نار وبركان - زبيغنيو بريجنسكي*
سمعت بالتقييم الأخير لعدنان الباجة جي، العضو بمجلس الحكم العراقي، والذي قال فيه إن الحصار الاميركي للفلوجة يرقى لوصفه بالعقوبة الجماعية للعراقيين على ما جنته حفنة قليلة قتلت ومثلت بجثث الاميركيين. وهناك من يتساءل، أو قل يحاول أن يربط بين ما يحدث هناك، وبين سياسات وممارسات شارون في الضفة الغربية وقطاع غزة ، ليرتفع التساؤل المحوري حول التداعيات والمخاطر التي يحملها الأفق هناك، لحظة المقارنة بين احتلالين يبدوان كما لو أنهما توأمان.
من جانبي أقول إن المخاطر والتداعيات، ولسوء الحظ، مؤثرة جدا، فالعراقيون أصبحوا يرون أن الاحتلال الأميركي أصبح، وبصورة متزايدة، مشابها لما يرونه في الضفة الغربية وغزة، فيما اصبح الفلسطينيون في المقابل يرون أن ما يحدث قريبا منهم في العراق يشابه أيضا ما جربوه وعايشوه بالفعل مع شارون. أما بالنسبة لكثيرين في الشرق الأوسط فالاحتلالان أصبحا صراعا يقترب من التوحد، وفي الحالتين، قد لا تخلو المفاهيم من مبالغة، ولكن وعلى كل حال، فكل ذلك لا ينفي اثارة كامنة فيهما.
ولكن، دعونا نقول بداية إن المفاهيم والمدركات في السياسة جزء من واقعها، وليس بوسع أحد أن يفصلهما عنها، ولذلك، وإذا لم تتوخ أميركا الحذر فإنها ستصبح العدو الأساسي لكل العالم العربي، وعندها، وبالتدريج، وبالتمدد، لكل العالم الاسلامي، وبحسابات التراكم، يمكن أن يكون ذلك كارثيا (، لأميركا قبل كل شيء، ولكن لاسرائيل أيضا، لأن أميركا هي حاميها الرئيسي.
وعلى صلة بهذا الأمر، هناك من يتساءل حول ما إذا كان لعالم قد أصبح أكثر أمنا بعد الهجمة الاميركية على الارهاب، وفي ذهن المتسائلين هنا أحداث مشهودة مثل تفجيرات تركيا واسبانيا والمغرب وظواهر اختطاف الرهائن في العراق الآن، وهنا لا بد من القول، وبوضوح شديد، إن الشرق الأوسط الآن في مخاض الجلوس على النار لأن سياسات أميركا أشعلت رد فعل عربيا جماعيا فيما تضخمت عداوة المسلمين لأميركا. في المقابل، عزلت أميركا نفسها من حلفائها الرئيسيين، وبصورة خاصة الأوروبيين. وكنتيجة لذلك، فالعالم الآن أقل أمنا، دعك من أننا جميعا أصبحنا بقابلية للإصابة.
وهنا لا بد أن نتساءل: وما هو المخرج ؟
وأقول هنا إنه يكمن في معالجة قضية مثل السلام بصورة جدية ومستدامة، لا أن تعتمد، وكما هو حال السياسة الأميركية الآن، على استخدام القوة بهذه الصورة. ولذلك، فعلى أميركا أن تحاول اشراك الأمم المتحدة والحلفاء الأوروبيين لجهة ايجاد وتقديم مظلة سياسية لاستقرار العراق، ومن ثم يمكن تقليل الدور الأميركي.
ومن شأن مثل ذلك الحل، في المقابل، أن يمكن الدول الاسلامية المعتدلة مثل باكستان والمغرب أن ترسل قوات حفظ سلام الى العراق، ومن ثم تقليل مفهوم ونظرة الحرب مع الاسلام. وفي نفس الوقت تحتاج أميركا لانخراط جاد مع الأمم المتحدة والاوروبيين من أجل تشكيل مقترح عادل وشامل لحل الصراع الاسرائيلي الفلسطيني.
ولكن، وبوضوح شديد أيضا، فالذي يحدث بدل كل ذلك الآن هو أن واشنطن تبدو وهي تتواطأ مع شارون لجهة سلام يفرض في معظمه بالقوة دون اشراك الفلسطينيين، وهنا لا بد من القول إن سلاما كهذا لن يفتقد من الوهلة الأولى دعم الأسرة الدولية فقط، وإنما الشرعية في المنطقة. وعندها، لن يكون بوسع أميركا أن تصل الى حل منصف وعادل للصراع الفلسطيني الاسرائيلي من ذلك النوع الذي يمكن أن تقف خلفه الأسرة الدولية. ودعونا نقول هنا، وفي قضية ذات صلة بالشأن، إن فصلا أكثر للضفة الغربية، يفرض أحاديا من شارون، وبدعم من واشنطن، إنما هو معادلة ديمومة للصراع في المنطقة ومعه عزلة عالمية لأميركا.
وكما أسلفت، فإن الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، وذلك الذي يحدث في العراق، قد تماسا، وفي طريقهما لأن يتكاملا، ومن هنا، وإذا ما تركت أميركا العراق فيما ظل النزاع الاسرائيلي الفلسطيني قائما، فأي حكومة قادمة في العراق ستكون ضد أميركا وضد اسرائيل.
وأخيرا، ومن غير بكاء على لبن مسكوب، وبعيدا عن ذهاب البعض الى أن التعاطي المنفرد مع قضية العراق جعل الوجود الاميركي فيه احتلالا من وجهة نظر العراقيين أنفسهم، دعك من البقية، فلو أن أميركا كانت قد تحركت، وبسرعة، في التعامل بشمول مع مشاكل الشرق الأوسط ، وفي بدايتها، بل وفوقها جميعا، الصراع الاسرائيلي الفلسطيني، فربما كنا قد تلافينا مثل هذه الأوضاع السائدة الآن، ولكن الذي حدث هو أن واشنطن تقوقعت لعام كامل في عملية السلام، تاركة العذابات والاحتقانات تتصاعد ، فكانت النتيجة ارتفاع فواتير قتلى المدنيين الأبرياء في كلا الجانبين. وكنتيجة لذلك لم يتم تصنيف أميركا على أنها طرف متحيز وغير حميد في المنطقة فقط، وإنما وبصورة متصاعدة «محتلة» للعراق و«داعمة» لاسرائيل.
* مستشار الأمن القومي الأميركي في ادارة الرئيس الأسبق جيمي كارتر ، والمقال مأخوذ من مقابلة أجراها معه ناثان غاردلز رئيس تحرير «غلوبال فيو بوينت» خاص بـ«الشرق الأوسط»
وما توفيقي إلا بالله