لقد سألني أحد الفضلاء في مشاركة لي سابقة عن كتاب (مع العلم) للشيخ سلمان العودة, ومدى قيمته العلمية, وقد أحسن الظن بي, لكني كلما عزمت على الكتابة في الموضوع يأتيني ما يشغلني عنه, حتى عقدت النية هذه الليلة -ليلة السبت الرجبية- أن أشارك بجواب عام يستفيد منه الجميع, ومنهجية أنطلق منها في سرد أهم مؤلفات هذا الباب, وأرجو من الجميع أن يدلوا بدلوهم في الموضوع.
وقد قسمت هذا الجواب على قسمين, جواب عام, وجواب خاص. وأعني بالجواب الخاص: أن أتكلم في (كتاب مع العلم) الذي سألني عنه الأخ.
وأبدأ بسرد أهم المؤلفات المتقدمة في هذا الباب, فمنها:
- الجامع لأخلاق الرواي وآداب السامع للخطيب البغدادي بتحقيق محمود الطحان, أو بتحقيق محمد عجاج الخطيب.
- جامع بيان العلم وفضله, لابن عبدالبر, تحقيق أبو الأشبال الزهيري.
واختصره أبو الأشبال في كتاب سماه: صحيح جامع العلم وفضله, لكني أنصح بالأصل.
- تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم، لابن جماعة الكناني، بتحقيق: محمد بن مهدي العجمي.
وللشيخ سلمان العودة محاضرتان في عرض هذا الكتاب, فاستمع له فإنه مفيد, وأظن أنه قد فُرّغ في الشبكة الإسلامية, فأرجو التأكد.
- الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي, تحقيق عبد الرزاق أبو البصل, وهي أطروحة لنيل درجة الدكتوراه, بجامعة أم القرى.
والذي أعرفه أنه لم يطبع بعد بتحقيق الشيخ, وإنما المتوفر طبعات أخرى.
ومن عنده فضل علم فليفدني.
ثم لما كانت العلوم تحتاج إلى وضعها على الميزان, جاء الإمام الذهبي - كما وزن أعلام الأمة - ليزن العلوم في كتابه المفيد: (زغل العلم), وهو نافع جدا مع صغره, وأنصح أي طالب علم أن يجعل قراءته لهذا الكتاب من بداية الطلب, وسيعرف القارئ بنفسه قيمة هذا الكتاب, وله طبعة محققة, تم تنزيلها على المكتبة الشاملة.
وعلى سبيل المثال: إذا جاء وتكلم الذهبي عن علم الفرائض. فإنك تجده يقول: بأنه فرع عن علم الفقه, ومسائله محصورة, والتعمق فيه لا يحسن لطالب العلم, فإن العلماء افترضوا مسائل لم تقع, بل قد لن تقع.
هذا يفيدك يا طالب العلم في الوقت الذي تبذله لكل علم, ومدى حاجتك له.
وقد جاء الإمام الشوكاني بعد جميع هؤلاء, وألف كتابه المشهور: أدب الطلب ومنتهى الأرب. وقسم طلاب العلم إلى أربعة أقسام, وما يحتاجه كل قسم.
إلا أن هذا الكتاب مع عناية العلماء به, ينبغي التنبه إلى أن الشوكاني له رأي شديد في التقليد, فأخشى من تقليده!
وللكتاب طبعات كثيرة منها بتعليق صبحي حلاق, وأما الطبعة التي حققها السريحي فهي أفضل الموجود إلى عهد قريب, وله تعليقات في الحواشي تحتاج إلى تصويب.
ولي وقفات سريعة مع هذه الكتب قبل أن أسرد المؤلفات المعاصرة في هذا الباب, وهي كثيرة جدا..
ما يصلح لزمن قد لا يصلح لزمن.
وعليه نقول: ما يصلح لمكان قد لا يصلح لمكان.
وما يصلح لحال قد لا يصلح لحال.
وما يصلح لشخص قد لا يصلح لآخر.
فعلى سبيل المثال: لو قرأت في هذه الكتب, أن فلانا من العلماء لازم دروس عالمٍ ما عشرين عامًا.
فلا تظن بأن هذه الملازمة مقصودة لذاتها؛ لأن طرق الوصول إلى العلم كانت محصورة لديهم في زمانهم, فإذا فات أحدهم حضور الدرس فلن يجد الكتاب مطبوعا كما هو الحال اليوم.
لكنك قد تستفيد من هذه الملازمة الهدي والسمت وغير ذلك من فوائد مصاحبة العلماء..
بل قد يُعدّ هذه الملازمة منقصة لطالب العلم أن يحضر طيلة هذه المدة في هذا الزمن الذي انتشر فيه العلم!!
وهذه الحقيقة كان ينبهني عليها الشيخ حاتم الشريف, وباختصار: رأي الشيخ حاتم في العلاقة بين التلميذ والشيخ كالآتي:
يقول الشيخ: تبدأ العلاقة بتقارب شديد من قِبَل الطالب, وعلى الشيخ أن يتحمله لأنه في فورة العلم ونهمته, ثم تبدأ العلاقة في الانفصال شيئا فشيئا, وهذا على حسب تمكّن الطالب من العلم نفسه, فكلما كان الطالب متمرسا لعلمه, ومستوعبا له كان ذلك أسرع, حتى يصل به الأمر إلى الاستغناء عن حضور دروسه, ولن يتبقى له بعد ذلك إلا الرجوع إلى الشيخ بالاتصال والاستفسار عن الأشياء المشكلة فقط من خلال بحثه.
ومثال آخر: لو قرأت في كتب السابقين: لابد من ثني الرُّكب في طلب العلم.
أقول هذا يختلف باختلاف المكان: فلو كنّا ندرس على الكراسي والماصات, فتكون الحكمة اليوم: لابد من مَدِّ الرُّكب في طلب العلم وهكذا.
الذي يهمني جدا أخي الفاضل وأنت تقرأ في هذه الكتب أن تُعمِل عقلك في الأمور الأربعة التي ذكرتها لك وغيرها, فإنك إن قرأتها على ظاهرها, ستكون ظاهريا في الفهم وهذا ما أخشاه.
ومثال آخر: ستجد بعض العلماء يذكر: ذُبح العلم بين أفخاذ النساء.
هذه العبارة لو حملتها على إطلاقها, لا يمكن أن تستقيم, وستصطدم بالواقع والتاريخ, ومنهج الأنبياء والمرسلين.
بل قيلت في زمن, بل ولشخص خاص كان يحضر حلقات العلم, ثم لما تزوج تكاسل عن طلب العلم, فقابله زميل له فسأله عن التغيب عن حلقات العلم, فوجد الأخ يحتج بالزواج وكثرة الالتزامات وإعطاء الأهل حقهم, فأطلق هذه العبارة المدوِّية: ذُبح العلم بين أفخاذ النساء.
فلو عرفت القرائن والزمن الذي قيلت فيه فإنك ستتورع عن إطلاقها في كل أحد, ولهذا لابد من مراعاة مثل هذه الأمور, ومن الطريف أن أقول: إنه قد جاء من يستفتي شيخا في هذه المسألة وسأله: هل تشجعني على الزواج أم أتأخر لأطلب العلم؟
فما كان من الشيخ إلا أن أجابه: ذُبح العلم بين أفخاذ النساء.
وبقي الطالب معذبا؛ لأنه كان يعشق امرأة يريد الزواج منها, بل ربما جرته تلك الفتوى إلى ... والله المستعان.
أكتفي بهذا القدر, وأرجو أن أكون قد أوصلت الفكرة, وتركت بعض المؤلفات المتخصصة لم أذكرها مثل: أدب الإملاء والاستملاء للسمعاني, وذلك لعدم جدواها في زماننا, وبعضها قد يكون له بُعد عن الموضوع في بعض جوانبه, وبقي أن أتكلم عن المؤلفات المعاصرة, وبعض ما يتعلق بها, وسأتبعها إن شاء الله بعد الانتهاء من الكتابة هذه الليلة.
كتبه:
الفطاني
عشاء الجمعة 3/7/1430هـ
منقول
(يتبع)