ترجمة الشيخ عبد الرحمن الدوسريالعلامة الذي سبق زمانه
كان الشيخ عبد الرحمن الدوسري شخصية غير عادية، وقد امتلأ وعيا وإدراكا لمخططات أعداء الإسلام واختراقهم الصف الإسلامي. . وقد كان نموذجا فريدا في الصبر وتحمل المشاق في سبيل إيصال هذه الدعوة المباركة .
أصله ونشأته ودراسته:
الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن خلف بن عبدالله الفهد آل نادر الدوسري من أسرة هم أمراء بلدة " السليل" المشهورة من قبيلة الوادعين. نسبة إلي بطن من قبيلة الدواسر.
ولد الشيخ في مدينة بريدة عام 1332هـ عاصمة القصيم وسافر به والده إلى الكويت بعد شهور قليلة من مولده.
نشأ الشيخ رحمه الله في بيئة صالحة محافظة على الدين , وفي محلة من حارات الكويت يسكنها النجديون تدعى "المرقاب"، وفي بيئة صالحة يحض الناس فيها بعضهم بعضا على الخير والفضيلة ويتعاونون على
البر والتقوى يأتمرون بالمعروف ويتناهون عن المنكر نشأ شيخنا.
طلب العلم في مدرسة المباركية وكان اسمها مطابقا لمعناها في السابق، لأنها مدرسة أهلية لا علاقة لها بالحكم ولم ترتبط بالمناهج الرسمية. قامت المدرسة المباركية في أول نشأتها مقام بعض المعاهد والكليات العلمية الدينية في البلاد السعودية.
كان سريع البديهة حافظا, يروى عنه رحمه الله قوله: (حفظت القرآن الكريم في شهرين، انقطعت عن الناس وأغلقت علي مكتبتي ولم أخرج منها إلا للصلاة).
صفاته:
كان رحمه الله قوي الشخصية شديدا في الحق مع الحكام والولاة متواضعا مع إخوانه وتلاميذه, ورغم قوة شخصيته وشدته في الحق فقد كان رقيق القلب كثير البكاء, قد عرف عنه رحمه الله بعض الصعوبة في النطق، لكنه مع ذلك فقد كان متقنا للعربية, وقد أعجب كل من سمع كلامه إحاطته بكثير من علوم عصره إضافة إلى العلوم الشرعية.
الشيخ رحمه الله يطلب العلم خارج المدرسة:
تخرج رحمه الله من المدرسة المباركية مسلحا بسلاح العلم والمعرفة وأخذ يطلب العلم من كبار العلماء، فقرأ على الشيخ عبدالله بن خلف الدحيان الفقه والتوحيد ولازمه سنتين وتأثر به كثيرا، كما أخذ عن الشيخ صالح بن عبد الرحمن الدويش، فقرأ عليه ولازمه مدة طويلة في مسجد ابن حمود في حي المرقاب بعد الصلاة.
فراسته:
كان رحمه الله ذا فراسة قوية وكان بعيد النظر, ومن أمثلة فراسته رحمه الله لما تولى جمال عبد الناصر رئاسة مصر عام 1954م, وعلا صراخه بتحرير الأمة العربية من الاستعمار وتحرير فلسطين من إسرائيل وتهريجه بالباطل من الوعود, حذر الشيخ رحمه الله فوق المنابر وفي المجالس من خداع الرجل، فعاداه كثير من الناس ونوى أحد أقربائه إلحاق الضرر به فأراد أن يقتله. وبعد تبين حقيقة عبد الناصر وانكشافه للناس، وذلك بعد نكسة حزيران، أخذ الناس يعتذرون له وبالذات ذلك الذي نوى إلحاق الضرر به.
كان رحمه الله قد صرح في محاضرة ألقاها في معهد الرياض العلمي عام 1399هـ: (إنه إذا كانت حرب فسوف تكون نكسة للأمة الإسلامية وتذهب الضفة الغربية والجولان وسيناء وتحصل بعد ذلك مفاوضات للحصول على الاعتراف وتبدأ به مصر).
ولقد حصل ما توقعه هذا الشيخ الجليل ونكس طواغيت القومية العربية رؤوسهم أمام هذا الخزي والعار وهذه نتيجة الانحرافات عن طريق النور والذكر الحكيم.
بل إن الشيخ توقع حرب الخليج الأخيرة وتوقع أن تستعين دول الخليج بالأمريكان من أجل عدوان بعثي ودعا الله أن لا يشهد ذلك اليوم. وكلامه هذا مسجل في أحد أشرطته.
يفضل التجارة على الوظيفة:
عزف شيخنا رحمه الله عن الوظائف التي تقيده عن طلب العلم وقد تطوقه عن قول الحق والجهر به.
فوجد والده يعمل بالتجارة فشاركه هذا العمل الحر فكان معه يوزع تجارتهما من أنواع الأقمشة وأدوات القهوة وغيرها داخل الكويت وخارجها وخاصة في نجد. واستمر مع والده حتى شعر في نفسه القدرة فآثر الاستقلال, ولكنه لم يتفرغ لمنافسة التجار لأن العلم غلب على نفسه فقنع بما يفتح الله عليه به دون طمع مع أنه من أعرف الناس بأصول التجارة.
في البحرين:
سافر الشيخ رحمه الله إلى البحرين لقصد التجارة. وهناك سمع عن شيخ البحرين الشيخ قاسم بن مهزع رحمه الله فأخذ الشيخ عبدالرحمن يدرس عنده فرأى الشيخ قاسم بن مهزع نباهته وذكاده وحرصه على طلب العلم فربط معه رباط الشيخ مع تلميذه, فاستفاد الشيخ عبد الرحمن من الشيخ ابن مهزع فائدة كبيرة وخاصة في علم التفسير.
وقيل إن ابن مهزع رحمه الله أمر الشيخ عبد الرحمن بأن يكثر من قراءة تفسير القرآن الكريم. ثم رجع الشيخ من البحرين إلى الكويت يحمل من بضاعة العلم أكثر مما يحمل من بضاعة التجارة.
في الكويت:
كان الشيخ واعظا في كافة مساجد الكويت يرشد ويعلم ويرد على بعض الأخطاء وخاصة في العقيدة.
وكان يكتب في الصحف القديمة مثل مجلة الإرشاد ويكتب النشرات ويشارك في الندوات الخاصة والعامة.
مجلسه المفتوح:
كان للشيخ مكتبة كبيرة تضم أمهات الكتب الدينية والأدبية العقائدية والسياسية والتاريخية. وتضم كذلك كتبا لنخبة من العلماء في عصره وخاصة الأزاهرة الذين يدرسون في المعهد الديني, وكان طلبة العلم يترددون عليه بالدراسة أو بالأسئلة, المفيدة المشكلة عليهم, فكان مجلسه أشبه ما يكون بقاعة من قاعات كليات الشريعة في يومنا الحاضر.
هجرة الشيخ إلى نجد:
هاجر الشيخ رحمه الله من الكويت عام 1381هـ, وسكن الرياض، ولكن مع هذا كان رحمه الله يتردد على الكويت للأعمال التجارية وللوعظ والإرشاد والمحاضرات.
نشاط الشيخ في نجد:
كان رحمه الله يحاضر في الكليات والثانويات والمعاهد والمتوسطات ويكشف للمدرسين والطلبة نشاط المحافل الماسونية وآرائهم ومخططاتهم ويشرح بروتوكولاتهم الصهيونية.
كان رحمه الله متضلعا في كشف المخططات الماسونية العالمية, وكانت الأسئلة من قبل المدرسين والطلاب تنهال عليه فيجيب على بعضها شفاها وعلى البعض الآخر في الصحف اليومية مثل جريدة عكاظ والمدينة والبلاد.
وكان رحمه الله يوزع الكتب مجانا على حسابه الخاص على المكتبات العامة والأهلية ومكتبات المدارس والكليات وخاصة الكتب التي تكشف مخططات المحافل الماسونية والصهيونية مثل؛ "أسرار الماسونية"، "الخطر اليهودي"، "الغارة على العالم الإسلامي"، وغيرها, وكان يقول رحمه الله لتلامذته: (لا تكونوا كخياش! قولوا الحق مهما يكون).
وكان رحمه الله يتجول في أنحاء الجزيرة العربية يلقى المحاضرات في المدن المهمة مثل؛ الطائف، مكة، المدينة، بريدة، الرياض.
وكان رحمه الله مواسيا للفقراء حدوبا على الأيتام والأرامل, ولا غرو فهذه صفات العلماء الذين يريدون وجه الله في أعمالهم لا يلهيهم عن ذلك جاه ولا مال ولا ولد.
وكانت له اليد الطولى في نشر المجلات الإسلامية في السعودية مثل مجلة البعث الإسلامي، الهندية ومجلة المجتمع الكويتية والدعوة المصرية وكان يحث الوزارات والمؤسسات والكليات والقوات المسلحة في الجيش السعودي من أفراد وضباط وجنود بالاشتراك فيها.
نشاط الشيخ في الخارج:
سافر الشيخ رحمه الله إلى الأردن والعراق والبحرين للوعظ والإرشاد وتنبيه المسلمين من الخطر الماسوني اليهودي العالمي. وكان رحمه الله ينوي السفر إلى كينيا وأوغندا وتنزانيا ولكن لم يرد الله له الذهاب. وكان يأمل في السفر للدعوة إلى الله إلى مصر ولندن والخليج العربي والسودان والهند, ولكن شاء الله سبحانه وتعالى أن تعاجله منيته دون تحقيق هذه الرحلة الدعوية.
دوره في تغيير المناهج التربوية:
قبل أن ينتقل الشيخ رحمه الله إلى نجد كانت الماسونية تلعب بوسائل المناهج التربوية. فلما نظر إلى المنهج نظرة فهم وتدقيق على ضوء العقيدة الصحيحة انبهر من بعض المواد المدسوسة على الإسلام, وفي إحدى الجمع قام الشيخ رحمه الله بعد صلاة الجمعة في الجامع الكبير بالرياض فتكلم عن خطورة المحافل الماسونية ووسائل تلاعبها وخطورتها على العالم الإسلامي, ثم تحدث عن واضعي المناهج وتلاعبهم بها.
وكان من الحاضرين في هذا الجامع الملك فيصل بن عبد العزيز, الذي أحرجه كلام الشيخ، فما أن وصل إلى قصره حتى أمر وزير المعارف بتكوين لجنة لبحث المناهج وتغييرها وجعلها على النمط الإسلامي, فغيرت في أنحاء المملكة بفضل الله ثم بصراحة وشجاعة الشيخ الذي تكلم بصدق وإخلاص والذي لم يكن يعرف النفاق والملق كما نرى اليوم من بعض علماء السوء والمناصب والتشريفات.
تميزه في التفسير:
كان الشيخ رحمه الله متضلعا في التفسير وخاصة حين كان يدرس عند الشيخ ابن مهزع رحمه الله . وكان قد شرع في التفسير مبتدئا سورة الفاتحة بعنوان "صفوة الآثار والمفاهيم من تفسير القرآن الكريم" نشره في مجلة البعث الإسلامي التي تصدر بالهند. واستمر في نشر تفسيره لعدة سنوات.
وفي مسابقة من ترتيب وزارة الإعلام السعودية بعنوان تفسير القرآن الكريم بهدف إذاعة التفسير في إذاعة الرياض وإذاعة القرآن الكريم جاء ترتيب الشيخ الأول بين المتقدمين. على إثر ذلك أخذت إذاعة الرياض تنشر له حلقات كل يوم بعنوان "مع التفسير", وقد وصل الشيخ في تفسيره إلى أواخر سورة المائدة، ويبلغ تفسيره هذا من أول الفاتحة إلى أواخر المائدة عشرين مجلدا أو نحوها إذا طبع.
وكان رحمه الله يتميز في تفسيره فكان يعطي الآية حقها من عقيدة وعبادات ومعاملات وأخلاق وسياسة ويرد على الملاحدة والطواغيت بالآيات والذكر الحكيم, وفيه أدق الإيضاحات المؤثرة ودحض المبادئ الهدامة كالشيوعية والماسونية.
فأقبل العلماء وطلبة العلم يستمعون ويسجلون هذا الكنز، كاللؤلؤ المكنون في تفسير كتاب رب الأرباب.
وفاته رحمه الله:
أصيب الشيخ رحمه الله بمرض داخلي كان يشتكي منه منذ سنين مع إصابته بمرض السكري وكان يراجع رحمه الله الأطباء ولكن الدعوة أخذت منه أكثر وقته فكان ينسى مواعيد الأطباء ولا يراجع إلا بعد شهور.
ولما زاد عليه المرض سافر إلى لندن للعلاج وللدعوة فأوصاه الطبيب الإنجليزي بالراحة لكنه آثر الخطابة فخطب في المركز الإسلامي في لندن خطبة بهرت بها جمهرة المصلين.
وأخيرا اشتد عليه المرض فوافاه الأجل المحتوم يوم عشرة من ذي القعدة 1399هـ, فحملت جنازته إلى الرياض وقد كان حب الناس له عظيما وتأثر الشباب به، وبرز ذلك أثناء تشييع جنازته حيث حضر جمع غفير يقدر عددهم باثني عشر ألفا، احتشدوا في الجامع الكبير بالرياض [2].
2) بتصرف يسير عن مقالة نشرت في مجلة الشرعية، تحت عنوان "عبد الرحمن الدوسري؛ العلامة الذي سبق زمانه".