غزّة لا تحتاج لكل هذه التغطية الإعلامية ولا البهرجة الكلامية ولا المؤتمرات الأممية ولا حتى الشعبية ، غزة تحتاج إلى سواعد رجال ، وقلوب قدّت من صخور الجبال ، وإيمان يغشاه الجلال ، وجيوش جرارة كأنها وابل المُزْن الثّقال ..
غزة تحتاج إلى جهادٍ :
قاعدته : إعلاء كلمة الله ،
وهدفه : نُصرة دين الله ،
وشعاره : لا قوة إلا بالله ،
وعُدّته : التوكّل على الله ،
وعتاده : إرهاب أعداء الله ،
وأفراده : أولياء لله لا يخشون سواه ،
غزة تحتاج إلي قنابل ورصاص وحديد ونار وصواريخ ودبابات وألغام وراجمات على أكتاف ضراغم من طراز ثامر السويلم "خطاب" ، وأبو الوليد الغامدي ، وأبو مصعب الزرقاوي ، ويحيى عيّاش ..
غزة تحتاج إلى علماء مجاهدون من أمثال : المولوي يونس خالص ، والمولوي جلال الدين حقاني ، والشيخ أحمد ياسين ، والشيخ عز الدين القسام ، والشيخ عبد الله عزام ..
غزة تحتاج إلى قيادة فذّة من طراز أسامة بن لادن ، والملا محمد عمر ، وأبو عمر البغدادي ، وشامل باساييف ..
غزة تنتظر الطائفة المنصورة التي تقاتل في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس .. تقاتل ، لا تهادن أو تُسالم أو تقيم مهرجانات وترفع شعارات وتطبع إعلانات وتستجدي المنظمات والحكومات ..
غزة لا تقبل بمهادنة يهود ، بل هي عطشى تريد شرب دماء أبناء القردة والخنازير ، وجوعى تشتهي التهام أشلاء هؤلاء الجبناء ..
غزة الأبيّة تهتف في المسلمين : أنها لا تريد من يدافع عنها ، وإنما تريد من ينطلق منها لتحرير فلسطين وطرد يهود الملاعين ..
غزة لا تريد "سفن حرية" يركبها نساء شقراوات مع رجال مسلمين ونصارى مع يهود ولا دينيين ، بل تريد اسطولاً بحريا وجيشاً بريّاً برايات سود خراسانية شامية مصرية مغربية يمنية تركية كردية إسلامية تكون في شرقي نهر الأردن واليهود في غربيّ ذلك النهر ، والشرر يتطاير من عيون المسلمين ..
غزة تحن إلى الإسلام ، تريد الإسلام ، تتلهّف على الإسلام ، والإسلام : استسلام لله لا إلى غيره ، وعبودية لله لا لغيره ، وجهاد في سبيل الله لا في سبيل غيره ، سُئل النبي صلى الله عليه وسلم "أي الأعمال أفضل ؟ قال : "إيمان بالله وجهاد في سبيله" (الطبراني ورجاله ثقات) ..
غزة لا تنتظر مظاهرة في اليمن ، ولا مسيرة في الكويت ، ولا حفلة في مصر ، ولا رسائل احتجاج من الجزيرة ، ولا مؤتمراً صحفيا في أنقرة .. غزة تريد أجناد الشام الكماة ، ومدد اليمن العنيد ، وجند مصر الأماجد ، وجيش الترك الوحشي ، وبرابرة المغرب الأشداء ..
المشكلة - التي لا يريد أحد ذكرها ، والتي نسيها الجميع ، والتي تغافل عنها حتى العلماء والعقلاء - لا تكمن في حصار غزة ، المشكلة الحقيقية هي فلسطين المحاصرة .. فلسطين التي نسيها الجميع وأصبحت المشكلة عند الكل محصورة في غزة وحماس !!
فلسطين هي المحاصرة ، وليس الحصار من قِبل اليهود ، بل هي محاصرة من الجنوب والشرق من قِبل الماسون ، ومن الشمال الشرقي من قبل النصيريين ، ومن الشمال من قِبل النصارى والرافضة ، ومن الغرب من قِبل من هو أكفر من هؤلاء جميعاً : الذي يمد اليهود بالغاز والإسمنت لبناء الجُدر داخل فلسطين ، والذي يبني جداراً فولاذياً ليُحكم الحصار على فلسطين ، والذي يقتل الفلسطينيين في الأنفاق بالغازات السامة ، والذي أحكم إغلاق المنافذ التي لم يهتدي إليها اليهود ، هذا هو الحصار الحقيقي لفلسطين ، وغزة جزء صغير من فلسطين ..
إن تحرير فلسطين لا يمكن أن يكون إلا بفك الحصار الخارجي الشامل ، وهذا الحصار لا يمكن كسره إلا بالقوة ، وهو في حقيقته أشد من الحصار اليهودي وأحكم ، ويحتاج فكه إلى جماعات جهادية تدعمها القوى الشعبية ، ولكن المشكلة اليوم تكمن في جهل معظم الشعوب وغفلتها وخوفها وهلعها ورعبها وانشغالها بملذاتها أو قوت يومها ، ومتى ما انتبهت هذه الشعوب وأدركت حقيقة دورها المنوط بها ، عندها يكون تحرير فلسطين أبسط مما يتصوره الكثيرون ، لأن مشكلتنا الحقيقية ليست مع اليهود الذين هم أحرص الناس على الحياة والذين يود أحدهم لو يُعمّر ألف سنة ، إنما مشكلتنا الحقيقية في هذه الأنظمة التي تحمي اليهود الذين تربطهم معهم مصالح شخصية من ضمنها : استثمارات بعشرات المليارات ، وعروش يورثها الآباء للأبناء وكأن الدول شركات ..
لا قِبَل لليهود بالمسلمين ، وإنما مشكلة المسلمين الحقيقية تكمن في أهل الردة والكفر من المتسلطين الجاثمين على رقابهم بمساندة ومساعدة أعدائهم ، هذه هي المشكلة الحقيقية ، هؤلاء الذين أهدروا أموال المسلمين في ملذاتهم ، واستعبدوا الأحرار ، وأهانوا العلماء ، وقدّموا الأراذل والفجّار ، وقضوا على كل مظاهر القوة في المسلمين ، وسعوا جاهدين لمحو الهوية الإسلامية في الأمة عن طريق نشر الرذيلة والثقافات الغربية الهزيلة ، ووقعوا على معاهدات ذل وصغار باسم الأمة ، والأمة بريئة من هذه المعاهدات ، وجلبوا الجيوش النصرانية إلى البلاد الإسلامية ومكّنوها وأعانوها ، ومكّنوا اليهود في فلسطين وحرسوهم أشد من حراستهم لأنفسهم ..
لو فُتحت حدود فلسطين الشرقية أو الغربية ، أو تغافل حرس الحدود الأردني أو المصري لساعات لانحدر الشباب المسلم كالسيل الجارف إلى داخل فلسطين يبتغي الموت على عتبات الأقصى ، فالأمة لا ينقصها الرجال ، وإنما ينقصها التنظيم والاجتماع والقيادة الموجِّهة للجموع ، ومتى ما تحقق ذلك : علم العالم كله حقيقة هذه الأمة وعظمتها ..
نعيدها ليعرف المسلمون هذه الحقيقة الغائبة الحاضرة : مشكلتنا ليست غزة ، بل مشكلتنا هي فلسطين ومن يحمي اليهود من الخارج ويمنع دخول المجاهدين إلى داخل فلسطين للجهاد في سبيل الله وتحرير أراضينا المقدّسة ، ولذلك نقول للمجاهدين : من أراد دخول فلسطين وقتال اليهود فليبدا بحرس الحدود ليحمي ظهره ، فالعاقل لا يجعل ظهره مكشوفاً لعدوّه ، ولا حرمة لدماء حرس حدود دولة يهود وإن صلّوا وصاموا ..
إن بعض المسلمين الذين خرجوا في هذه السفن التركية : خرجوا بنيّة طيبة ، وقُتل بعضهم ، فنسأل الله أن يرحم قتلى المسلمين وأن يغفر لهم ، ولكن لا يجوز أن يدعي مدّعٍ بأن له حق إعطائهم وسام "الشهداء" ، فهذه سنة نصرانية سنّتها البابوية باسم "صكوك الغفران" ، وإنما نسأل الله أن يجعل موتى المسلمين من الشهداء ، ولا نجزم بذلك .. أما إذا كان القتلى من الكفار فإنهم في النار خالدين فيها أبدا ، ويبقى لهم بعض الذكر الحسن في الدنيا جزاء ما عملوا ، وهذا لا يغيّر شيئا من مصيرهم ..
لا ينبغي التلاعب بالألفاظ والمفاهيم الشرعية ولو كانت على حساب بعض المصالح الآنية ، فالمصالح متغيّرة وعابرة ، أما المفاهيم والألفاظ الشرعية فهي ثابتة باقية بإذن الله تعالى ..
والله أعلم .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم ..
منــــقـــــول
مقطع مما كتبه
حسين بن محمود
17 جمادى الآخرة 1431هـ