قال : ـ رحمه الله ـ في شرح حديث قصة أصحاب الأخدود , محددا الفوائد المستنبطة منه : ( إن الإنسان يجوز أن يغرر بنفسه في مصلحة عامة للمسلمين , فإن هذا الغلام دل الملك على أمر يقتله به ويهلك به نفسه , وهو أن يأخذ سهما من كنانته ....
قال شيخ الإسلام لأن هذا جهاد في سبيل الله , آمنت أمة وهو لم يفتقد شيئا لأنه مات , وسيموت آجلا أو عاجلا ) .
فأما ما يفعله بعض الناس من الإنتحار , بحيث يحمل آلات متفجرة ويتقدم بها إلى الكفار , ثم يفجرها إذا كان بينهم فإن هذا من قتل النفس والعياذ بالله , ومن قتل نفسه فهو خالد مخلد في نار جهنم أبد الأبدين , كما جاء في الحديث عن النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ .
لأن هذا قتل نفسه لا في مصلحة الإسلام , لأنه إذا قتل نفسه وقتل عشرة أو مئة أو مئتين , لم ينتفع الإسلام بذلك , فلم يسلم الناس , بخلاف قصة الغلام , وبهذا ربما يتعنت العدو أكثر ويوغر صدره هذا العمل , حتى يفتك بالمسلمين أشد فتك .
كما يوجد من صُنع اليهود مع أهل فلسطين , فإن أهل فلسطين إذا مات الواحد منهم بهذه المتفجرات وقتل ستة أو سبعة أخذوا من جراء ذلك ستين نفرا أو أكثر , فلم يحصل في ذلك نفع للمسلمين , ولا انتفاع للذين فُجرت المتفجرات في صفوفهم .
ولهذا نرى أن ما يفعله بعض الناس من هذا الإنتحار , نرى أنه قتل للنفس بغير حق , وأنه موجب لدخول النار ـ والعياذ بالله ـ , وأن صاحبه ليس بشهيد , لكن إذا فعل الإنسان هذا متأولا ظانا أنه جائز , فإننا نرجو أن يسلم من الإثم , وأما أن تكتب له الشهادة فلا ؛ لأنه لم يسلك طريق الشهادة , ومن اجتهد وأخطأ فله أجر .
سؤال : ما الحكم الشرعي فيمن يضع المتفجرات في جسده , ويفجر نفسه بين جموع الكفار نكاية بهم ؟ وهل يصح الإستدلال بقصة الغلام الذي أمر الملك بقتله ؟
الجواب : الذي يجعل المتفجرات في جسمه من أجل أن يضع نفسه في مجتمع من مجتمعات العدو قاتل لنفسه , وسيعذب بما قتل به نفسه في نار جهنم , خالدا فيها مخلدا , كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فيمن قتل نفسه بشيء يعذب به في نار جهنم .
وعجبا من هؤلاء الذين يقومون بمثل هذه العمليات , وهم يقرؤون قول الله تعالى ( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ) ـ النساء 29 ـ ثم يفعلوا ذلك , هل يحصدون شيئا ؟ هل ينهزم العدو ؟ أم يزداد العدو شدة على هؤلاء الذين يقومون بهذه التفجيرات كما هو مشاهد الآن في دولة اليهود , حيث لم يزدادوا بمثل هذه الأفعال إلا تمسكا بعنجهيتهم , بل إنا نجد أن الدولة اليهودية في الإستفتاء الأخير نجح فيها ( اليمينيون ) الذين يريدون القضاء على العرب .
ولكن من فعل هذا مجتهدا ظانا أنه قربة إلى الله عز وجل فنسأل الله تعالى ألا يؤاخذه لأنه متأول جاهل .
وأما الإستدلال بقصة الغلام , فقصة الغلام حصل فيها دخول في الإسلام , لا نكاية في العدو , ولذلك لما جمع الملك الناس وأخذ سهما من كنانة الغلام وقال : باسم الله رب الغلام , صاح الناس كلهم : الرب رب الغلام , فحصل فيه إسلام أمة عظيمة , فلو حصل مثل هذه القصة لقلنا إن هناك مجالا للإستدلال , وأن النبي صلى الله عليه وسلم قصها علينا لنعتبر بها , لكن هؤلاء الذين يرون تفجير أنفسهم إذا قتلوا عشرة أو مائة من العدو فإن العدو لا يزداد إلا حنقا عليهم وتمسكا بما هم عليه .
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ
المصدر: فتاوى الأئمة في النوازل المدلهمة