<div align="center">بسم الله الرحمن الرحيم</div>
في إحدى الليالي رأى الشاب أبو الوليد في منامه أنه يقرأ سورة يوسف فاتصل على أخته وقص لها الرؤية، فقصتها أخته على أحد المعبرين، فأولها أن أخاها سيحاصر مع 12 رجلاً آخرين في أرض أجنبية.. من هنا تبدأ قصة الشاب أبو الوليد ابن الـ 34 ربيعًا ، والذي ولد في السعودية ، وجاهد في أفغانستان ، ومات في أرض الشيشان.
شاب كأي شاب ، اسمه الكامل ..عبد العزيز بن سعيد بن علي الغامدي ولد في قرية الحال بمحافظة بلجرشي في السعودية.
دخل أبو الوليد المسجد ذات مساء، وكان آنذاك يبلغ من العمر سبعة عشر عاماً في بداية المرحلة الثانوية ، سمع شيخ المسجد يتحدث عن سيف الدين قطز المملوكي ذي الأصل الشركسي الذي تصدى لهجوم التتار على أرض الإسلام ، وصلاح الدين الكردي الذي جاء من أقصى شمال العراق ليحرر بيت المقدس من أيدي الصليبيين ، فطاف الشاب بخياله، وبدأ يفكر في عظمة الإسلام التي جعلت من الشراكسة والأتراك شركاء للعرب في حماية بيضة الإسلام ، ولم ينته تفكير الشاب عند هذا الأمر، بل قام بمحاكاة الماضي بالواقع ، التاريخ الناصع ، بالحاضر البائس ، فوجد أن الزمن هو الزمن و المأساة هي المأساة ، القدس محتل بيد الصهيونية العالمية ، وبلاد الأفغان مستعمرة بين الروس .. فكان قراره على الفور هو "الجهاد".
قال الفتى لنفسه لتكن البداية من القدس ثالث الحرمين وأرض الإسراء ، غير أنه وجد أن هذا الأمر ليس بالسهل اليسير ، فكان خياره الثاني الذهاب لأرض الأفغان.
الرحيل إلى أفغانستان
وعلى الفور توجه الفتى في صيف 1988 إلى أفغانستان ، وشهد فتوحات جلال آباد وخوست كابل في عام 1993 ، و نجا من الموت عدة مرات بأعجوبة وهو موقن أن وقته لم يحن بعد .
ومع انتهاء الحرب وخروج الروس مدحورين من أفغانستان ، ودخول البلاد فتنة داخلية ، آثر الشاب مع القائد ورفيقه في درب الجهاد سامر السويلم الشهير بـ" خطاب"، الخروج من أفغانستان ... ولكن إلي أين؟؟
سمع الشاب أبو الوليد ورفيقه خطاب أن حربًا أخرى تدور ضد نفس العدو ولكنها هذه المرة كانت في طاجيكستان فأعد حقائبه ومعه مجموعة صغيرة من المجاهدين وذهبوا إلى طاجيكستان في عام 1993 ، ومكثوا هناك سنتين يقاتلون الروس في الجبال المغطاة بالثلوج ينقصهم الذخائر والسلاح ، وأصيب الرجلان وعبثاً حاول البعض إقناعهما بالعودة إلي بيشاور للعلاج، لكنهما رفضا.
و بعد سنتين من الجهاد في طاجيكستان عاد الشاب أبو الوليد إلى أفغانستان في بداية عام 1995.. ليسأل نفسه: وماذا بعد؟!
ولم تتأخر الإجابة طويلاً .. فقد جلس أبو الوليد مع رفيق دربه "خطاب" ذات مساء يشاهدون التلفزيون فجودا فتية شيشانيين يرتدون عصابات مكتوباً عليها "لا إله إلا الله محمد رسول الله" ، ويصيحون صيحة "الله أكبر".. عندئذ استرجع الفتى درس شيخه حسن صلاح الدين "الكردي" محرر القدس ، وقطز " الشركسي" هازم التتار .. فعقد الشاب نيته بالذهاب إلى أرض الشيشان ليعيد التاريخ دورته بإنجاب شباب من أمثال "خطاب" و "أبو الوليد" يضاهون صلاح الدين وقطز في عالمية الجهاد الإسلامي ، في عصر سمح للعولمة باجتياز كل الميادين إلا "الجهاد".
قيادة المجاهدين العرب في الشيشان
ومع دخول "أبو الوليد" أرض الشيشان عام 1995 ، تبدأ صفحة جديدة أكثر خصوبة في حياته الجهادية ، ففي الشيشان بدأت تظهر عبقرية "أبو الوليد" ، التي جعلته يقود فيلق المجاهدين العرب بعد استشهاد رفيقه خطاب.
كما كان للطبيعة الشيشانية الأبية أثر كبير على طبيعة أبي الوليد النقية ، فقد عرف عن الشيشان صلابة البأس في القتال، والقتال حتى الرمق الأخير، فالشيشانيون عرف عنهم كرمهم ، و احترام الصداقة والحب بإخلاص، يكتمون أحزانهم وأفراحهم ولا يعبرون عن أسفهم بسهولة ، وهي الصفات التي أعجبت أبا الوليد فقرر الزواج من امرأة شيشانية والتي أنجبت له طفلين هما "عمر" و"صلاح الدين".
وعلى صعيد العمليات العسكرية أثبت أبو الوليد مع رفيقه القائد "خطاب" نجاحهما في توجيه ضربات موجعة للجيش الروسي ، ففي إبريل 1996 هاجم أبو الوليد مع مجموعة من المجاهدين العرب قافلة عسكرية روسية قرب بلدة باريش ماردي، وأدت العملية إلى مصرع 53 عسكرياً روسيًا وجرح 52 آخرين، وتدمير خمسين سيارة عسكرية، وهو ما ترتب عليه إقالة ثلاثة جنرالات روس، وأعلن الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين بنفسه عن هذه العملية أمام مجلس الدوما الروسي، وتم تصوير هذه العملية بالكامل على شريط فيديو توجد منها بعض الصور في موقع الشيخ (عبد الله عزام) على شبكة الإنترنت حتى يومنا هذا.
وبعدها بشهور نفذت نفس المجموعة المجاهدة عملية هجوم على معسكر روسي نتج عنه تدمير طائرة هليكوبتر بصاروخ AT- 3 Sager المضاد للدبابات ومرة أخرى تم تصوير العملية بالكامل على شريط فيديو، كما شاركت أيضًا مجموعة من مقاتليه في هجوم جروزني الشهير في شهر أغسطس من عام 1996 الذي قاده القائد الشيشاني المعروف شامل باسييف.
بطولة فذة
وتصدر اسم "أبو الوليد" و "خطاب" ساحة الجهاد مجددًا في 22 ديسمبر من عام 1997 عندما قاد خطاب ونائبه أبو الوليد مجموعة مكونة من مائة شيشاني وعربي، وهاجموا داخل الأراضي الروسية وعلى عمق 100 كيلو متر القيادة العامة للواء 136 الآلي ودمروا 300 سيارة وقتلوا العديد من الجنود الروس.
ومع تسلم أبي الوليد قيادة المجاهدين العرب، بعد استشهاد رفيقه المجاهد القائد خطاب الذي نالت منه سهام الغدر في إبريل 2002 ، أعلن أبو الوليد عن استراتيجيته العسكرية الجديدة وهى نقل مسرح العمليات إلى داخل الأراضي الروسية، فقد أدرك أبو الوليد الغامدي أن استمرار العمليات العسكرية داخل الأراضي الشيشانية، يتيح الفرصة أمام الروس لإلحاق الأذى بالشعب الشيشاني. لذلك كان لزامًا نقل مسرح العمليات إلى داخل الأراضي الروسية، فالروس على حد تعبيره "محاربين فهم الذين اختاروا هذه الحكومة التي تسعى إلى قمع الشعب الشيشاني".. وأصبح كل ما تتمناه موسكو هو الإيقاع أو قتل القائد أبي الوليد ، وفي كل مرة تتراجع فيه شعبية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، كان يتم الإعلان عن مقتل القائد "أبو الوليد" وهو الأمر الذي تكرر عدة مرات.
مكافأة روسية
وعندئذ لجأت موسكو إلى حيلة أخرى فكان الإعلان عن مكافأة مالية قدرها ثلاثة ملايين روبل (100 ألف دولار) مقابل معلومات أو مساعدات عملية في شل نشاط أبي الوليد ، وكان الفشل من نصيب الروس وعملائهم الذين لم يستطيعوا الإيقاع أو الإمساك بالقائد العربي.
واستمر أبو الوليد في جهاده ضد قوات الاحتلال الروسي ، مكبدين الروس أكثر من 8 آلاف جندي قتيل ، وتدمير 1000 من الآليات والتقنيات العسكرية، فضلاً عن إسقاط 31 مروحية وهو ما يمثل أكبر خسارة لروسيا منذ بداية الحرب الثانية.
وصية شهيد
و شعر الفتى المجاهد بأن ساعته قد اقتربت ، وتاقت نفسه للقاء أحبته المجاهدين الشهداء ، فبعث وصيته لأهله عبر شريط تسجيلي (صوتًا وصورة) يتضمن وصاياه لأهله وعشيرته وخصوصًا أمه التي بشرها فيها بقوله: "أعلمتِ يا أماه كيف خرج ابنك من الدنيا؟" .."لاَ تَجِفُّ الأَرْضُ مِنْ دَمِ الشَّهِيدِ حَتَّى يَبْتَدِرَهُ زَوْجَتَاهُ، كَأَنَّهُمَا طَيْرَانِ أَضَلَّتَا فَصيلَيْهِمَا بِبَرَاحٍ مِنَ الأَرْضِ بِيدِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حُلَّةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا ومَا فِيهَا".
وقبلها بثلاث سنوات تقريبًا بعث أبو الوليد الغامدي من أرض الجهاد بوصية إلى ابنيه وهو في الجبهة وقد احتفظت شقيقته أم منار بالوصية والتي سلمت نسخة منها إلى موقع (الإسلام اليوم) بعد استشهاده هذا نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم
وصيتي إلى أبنائي
رسالة إلى ابني الحبيبين عمر وصلاح الدين
ابني الحبيبين الغاليين كم كنت أتمنى أن أراكما وأداعبكما كما يداعب الأب أبناءه ولكن القدر شاء أن نفترق وأنتما صغيران؛ فأوصيكما بطاعة الله أولاً وقبل كل شيء، والسير على طريق الجهاد في سبيل الله حتى تلقيا ربكما شهيدين، فإن إحساسي وثقتي بالله عظيمة.. إن زمانكما هو زمان الجهاد والملاحم ونصرة الإسلام وعودة العزة؛ فليكن لكما في ذلك أعظم النصيب فقد اخترت لكما هذين الاسمين من أجل أن تكونا مثلما تسميتما؛ فأنت يا عمر أرجو أن تكون كعمر بن الخطاب في شدته في الحق والقيادة، وكعمر بن عبد العزيز في الزهد والورع، وكعمر المختار في الثبات على الجهاد حتى نال الشهادة ولم يركن لأعداء الله أبداً.
أما أنت يا صلاح الدين فيكفيني أن تكون مثل صلاح الدين الأيوبي أعاد للإسلام مجده بعد طول ذل وأعاد أولى القبلتين، أعاد فلسطين بعد احتلال دام قرابة قرن.
كما أوصيكما بالدعاء لي دائماً وألا تنسَيا أن معدنكما هو معدن العرب وأرضكما هي أرض اليمن التي قال فيها الرسول – صلى الله عليه وسلم- "أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوبًا، الإيمان يمانٍ والحكمة يمانية..."، وقال صلى الله عليه وسلم في اليمن أحاديث كثيرة.
مواجهة وليس غدرًا
وفي التاسع عشر من شهر إبريل 2004 أعلن نبأ استشهاد القائد المجاهد "أبو الوليد الغامدي" ، في إحدى معاركه ضد قوات الاحتلال الروسي حيث أكد علي الغامدي -شقيق أبي الوليد- أن استشهاد أخيه كان في مواجهة مع قوات روسية وكان ذلك في 3 شوال 1424هـ، وأن الأخبار التي راجت في وسائل الإعلام حول اغتيال شقيقه غدراً غير صحيحة.
وأوضح علي في تصريحات خاصة لشبكة (الإسلام اليوم) أن استشهاد أخيه كان في مواجهات مسلحة ومباشرة مع الجنود الروس التي يخوض المجاهدون الشيشان الحرب ضدها منذ تسع سنوات بحسب تأكيد نائب أبي الوليد والقائد الجديد للمجاهدين العرب في الشيشان أبي حفص الأردني.
وأضاف علي الغامدي أن خبر استشهاد أخيه قد تأخر من أجل بث الشريط الذي تكلم فيه قبل مقتله بيومين يهدد فيه الروس بعدم انتخاب من يؤيد قتال المسلمين في الشيشان أو غيرها من بلاد المسلمين، التي كانت في يوم ما تحت الاحتلال الروسي.
وأكد شقيق "أبو الوليد" أن ما أذيع وأشيع عن مقتله غدرًا غير صحيح، وإن كان صحيحًا فقد استشهد قبله غيلةً وغدرًا عمر وعثمان رضي الله عنهما، وهكذا يقتل الأبطال والشرفاء، ولكن أبا الوليد قتل في المواجهة مع الأعداء بفضل الله وقد أراد أعداء الإسلام ببثهم هذا النبأ أن قتله كان غيلةً هو التشكيك في المجاهدين والادعاء بأن فيهم خونة وجواسيس وأنهم مخترقون.
وأشار شقيق الشهيد أن هذه المواجهة حوصر فيها المجاهدون وكان معهم أبو الوليد وعلى إثر هذه المواجهة استشهد -رحمه الله- مع بعض من رفاقه وانسحب الباقون وحملوا معهم قائدهم وقد دفنوه كما يدفن الشهداء بصورة سريعة، وقد عادوا بعد قرابة 25 يومًا ليجدوه كما هو، علمًا أنه أوصى ألا يصور بعد موته.
هكذا قضى أبو الوليد نحو 16 عامًا من عمره البالغ (33) سنة في الجهاد المتواصل في أفغانستان و طاجيكستان وأخيرًا الشيشان ، التي استشهد على أرضها ، مترنمًا بنشيدها ...
لهذه الأمة الإسلامية ولهذا الوطن ولدتنا أمهاتنا..
ووقفنا دائماً شجعاناً نلبي نداء الأمة والوطن..
لا إله إلا الله
جبالنا المكسوة بحجر الصوان
عندما يدوي في أرجائها رصاص الحرب
نقف بكرامة وشرف على مر السنين
نتحدى الأعداء مهما كانت الصعاب
لن نستكين أو نخضع لأحد إلا الله
فإنها إحدى الحسنيين نفوز بها
الشهادة أو النصر
لا إله إلا الله
...
نقلا عن أحد المنتديات
اللهم إني أسألك الشهادة في سبيلك والموت في مدينة رسولك