اسمهافاتنة وهي كاسمها جريئة متحررة مثقفة في كل شيء إلا في الدين .. الدينعندها أن تكون ذات قلب طيب ولا عليها بعد ذلك.. تخالط من تشاء.. تلبس ماتشاء.. تفعل ما تشاء ..جمعت ليلة صويحباتها في الكلية للاحتفال بعيدميلادها . عيد ما أنزل الله به من سلطان ورثناه عن الكفار تشبهاً وتقليداًومن تشبه بقوم ..سأترك البقية لكم .. كانت في أجمل هيئة وأحسن مظهر.. بدأتتدور بين صويحباتها تطلق الضحكات هنا وهناك تسألهن :أتدرين يا بنات ماذاينقص حفلتنا هذه ..فأجبنها إجابات وهي تقول لا، ثم لا وهي مصرة علىسؤالها، ثم قالت مجيبة على سؤالها وهي تضحك: تنقصنا الشيخة علياء ..تنقصناالشيخة علياء..فانطلقت موجات الضحك من كل مكان ..ثم قالت أحداهن مدافعة: لماذا كل هذا الضحك..لماذا كل هذا الضحك والاستهزاء بعلياء..أليست زميلتنافي الصف! ..أليست صديقتنا في الكلية ! ألم تكن إلى عهد قريب رفيقة لنا فيسهراتنا وحفلاتنا وهي الآن في محرابها مع صلواتها وقرآنها ..إنها تبحث عنالآخرة ونحن عن ماذا نبحث ؟! فتجاهلن سؤالها ..قالت أخرى : لقد ذهبناإليها - أي إلى علياء- لندعوها لعيد الميلاد ولكنها اعتذرت وأعطتنا محاضرةطويلة عريضة في الأخلاق والدين والعادات والاجتماعات.. قالت فاتنة: مسكينةعلياء.. لقد كانت عاقلة متحررة قبل أن يصيبها هذا الهوس الديني الذياختطفها من بيننا ..قلت أنا: سبحان الله أصبح الدين هوساً وجنوناً ..ثمتابعت فاتنة حديثها وهي تقول :فعلاً مسكينة علياء ..لقد انقلبت بسرعةوتسممت أفكارها وتغيرت هيئتها ، لقد أطالت ثيابها فأصبح منظرها ككبيراتالسن ..لم تعد تؤمن بأن خير اللباس ما قل ودل ..والأدهى من ذلك شعرها أصبحبضاعة محرمة مغطاة تحت ذلك السواد مسكينة علياء نسيت أن الله يهمه مناالقلب وكل ما عدا ذلك شكليات.. الله اكبر أصبح الحجاب والتمسك بالدينشكليات.. قاتل الله الشاشات و القنوات..ثم تابعت فاتنة حديثها عن علياء ..إنها تخوفنا من النار وأن الله سيحرق به أجسادنا المكشوفة ..أنها تنذرنامن شيء اسمه الموت و آخر تسميه الحساب ..بل اسمعوا يا بنات أنها تحملنامسؤولية إغواء الشباب و إغراء الرجال ..فقالت أحداهن: لقد قتلتها الهواجسوالوساوس ونسيت إن النساء للرجال خلقن ولهن خلق الرجال ..مسكينة علياء أينستجد فتى أحلامها.. أين ستجد السعادة والأنس.. لقد قتلت نفسها وهي فيريعان الشباب ، ولا بد أن نصنع شيء لإنقاذها..مساكين ما دروا أنهن هنبحاجة إلى الإنقاذ .. فارتفعت الأصوات لا بد من إنقاذها إنها تقتل نفسهابطول العبادة وكثرة الصيام وقراءة القرآن ولزوم البيت فلا أسواق ولاحفلات.. ما هذا الفهم الخاطئ للدين إن الحياة متعة وحرية أما الموت فمالناوله الآن.. نعم سنموت عندما نشيخ ونهرم إنه الأمل الطويل .. إنه الأملالطويل ..ووالله ما حال بين الناس وبين الصدق في التوبة إلا طول الأمل ..ومن أطال الأمل أساء العمل ..قال الله تعالى عنهم ( ذرهم يأكلواويتمتعوا ويلههم الأمل ) انتهى الاحتفال ودارت سنوات تخرجت فيه فاتنةوتخرجت علياء وثبتت على طريق الاستقامة والالتزام ..
فماذا حدث لفاتنة وماذا حدث لعلياء .. تعالوا أحبتي ..أعطوني المسامع نتابع القصة من مكان أخر..
فيإحدى المستشفيات في الدور الرابع في غرفة من الغرف صوت أنين مريضة يملأالغرفة ..إنها في تلك الغرفة منذ عدة أشهر ، ولقد آيس الأطباء من حالتهاوأصبح صوت أنينها معتاداً مألوفاً في المستشفى ولا أحد يستطيع أن يفعل لهاشيء ..لقد تعودت الممرضات على سماع أنينها ..أما الطبيبة المناوبة الجديدةفي المستشفى فلم تستطع أن تتجاهل ذلك الصوت وذلك الأنين فقلبها مليءبالرحمة وهكذا الإيمان ..
فأخذت بعض العقاقير والمهدئات ,ودخلت لتلكالغرفة.. فتحت الباب فإذا بامرأة على السرير في شبه غيبوبة ..جست نبضهافإذا هو ضعيف على وشك التوقف ..أصغت إلى تنفسها فكان التنفس مضطرباًخافتاً ..جلست بجانبها وأعطتها بعض المنعشات.. فأفاقت بعد قليل واستوت علىسريرها.. أدارت عينيها فيما حولها- المريضة- ثم ثبتت نظرها على وجهالطبيبة ثم أخذت تفرك عينيها بيديها الضعيفتين ..ثم زاد اضطرابها ثم قالتللطبيبة : أسألك بالله من أنت ؟!.. أسألك بالله من أنت ؟!.. فقالت: أناالطبيبة يا أمي ..أنا الطبيبة يا أمي ..فقالت المريضة : أنا لا أسألك عنمهنتك ،أنا أسألك عن اسمك ..أسألك بالله ألست أنت علياء؟.. أسألك باللهألست أنت علياء؟ فقالت الطبيبة باستغراب : بلى أنا علياء..وفي لحظات إذابالمريضة تأخذ برأس علياء تطوقه بذراعيها وتضمه إلى صدرها وتقبله وتجهشبالبكاء ..زاد استغراب علياء وصعقت ..من عساها تكون هذه المرأة ؟!وهل بهامس من جنون ؟! كيف عرفتني وأنا لم أقابلها من قبل ولم يسبق لي علاجها بلهذه أول ليلة لي في هذا المستشفى كطبيبة مناوبة ..فرجعت علياء برأسها إلىالوراء وأخذت تنظر إلى المريضة مشدوهة لا تدري ماذا تفعل ،ثم قالت للمريضةمن أنت يا خالة ، وكيف عرفتي اسمي ، وهل التقينا من قبل؟! فردت المريضةبصوت تخنقه العبرات: نعم يا علياء لقد التقينا مرات ومرات..إن اسمك وصورتكلم يفارقا خاطري خاصة عندما أصابني المرض قبل ثلاث سنوات.. آه يا علياء..آه يا علياء ..أنا التي أكلت لحمك واستهزأت بك ..أنا فاتنة ياعلياء..أنا فاتنة يا علياء ، ثم انفجرت بالبكاء والنحيب ..صدمت علياء ولمتستطع الكلام ثم قالت وهي لا تصدق ما سمعت: أقسمت عليك بالله أأنت فاتنة !..مستحيل فاتنة كانت كإسمها أصغر وأجمل وأنضر ، فقالت فاتنة بصوت خافتمتقطع : نعم أنا التي كان يقال لها ذات يوم فاتنة ..أنا التي كان يقال لهاذات يوم فاتنة ..فأكبت عليها علياء تضمها إلى صدرها وتجهش بالبكاء المريرالأليم عليها .. فلما هدأ البكاء أخذت فاتنة تروي قصة سبع سنين منذ أنافترقتا،قالت: تخرجت من البكالوريا وحاولت إكمال الدراسة ، فلم أستطع ..كنت لاهية متمردة على كل شيء.. لم أكن أشك بالله.. لم أكن اشك بالله.. ولكني كنت أعتقد بأن كل ما له عليّ أن أكون طيبة القلب وكفى ..تعرفت علىكثير شبان وفتيات وفتيان..ثم ارتبط برجل تعرفت عليه في الوظيفة ..أحبنيوأحببته.. لكننا كنا نعيش حياة غافلة بعيدة عن الله ثم بعد زواجنا بسنواترزقنا الله بطفلة صغيرة جميلة رائعة سميتها سوسن على اسم صاحبتي التيتعرفينها ..ثم بدأت أشكو من آلام في بطني فقال الأطباء : إنها قرحة ..فقالالأطباء إنها قرحة ..فأخذت أتعالج دون فائدة ..أخذت آلامي تزيد وهموميتزيد وبدلاً من أن أهرب إلى الله فررت إلى مزيد من الغفلة والضياع ..وبدلاً أن ألجأ إلى الله وأفر إليه فررت إلى مزيد من الغفلة والضياع .. ثم تدهورت صحتي وجاء التشخيص الجديد ليقول بداية تورم خبيث في المعدة.. وهكذا استحالت القرحة إلى سرطان ثم أخذ السرطان يستفحل ويزيد إلى أنأقعدني هنا أصارع الألم وأنتظر الموت في أية لحظة.. لم أرى ابنتي منذأربعة أشهر.. عمرها الآن أربع سنوات.. وزوجي لم يأتي لزيارتي منذ أسبوعين،لقد تعب من التردد علي كل يوم ..لعله ملني أو كرهني ..فلما سمعت علياءقصتها لم تتمالك نفسها وانخرطت في بكاء شديد ..ثم تمالكت نفسها وقامت إلىفاتنة تضمها إلى صدرها تواسيها وتخفف عنها.. لا تجزعي يا فاتنة ..لا تجزعييا فاتنة لقد عرفتك شجاعة قوية ..لا تقنطي من رحمة الله.. لا تستسلميلليأس قد يكتب الله لك الشفاء وقد يكون هذا ابتلاء فاستسلمي إلى قضاء اللهوقدره واصبري..فالصبر جميل والله مع الصابرين ..هدأت فاتنة وغطت وجههابكفيها و أخذت تقول : عفوك يا الله عفوك ياالله لم يبقَ لي سواك فهلتقبلني .. رحماك يا الله ليته الابتلاء.. ليته الابتلاء ولكنه الانتقاملكم تجاهلت تلك الآيات تقرأ على مسامعي..لكم تجاهلت كلام أمي الصالحةالحنون ..إنه الانتقام للضحايا الذين فتنتهم وأغويتهم.. يا الله كم أغويتمن شاب وكم أفسدت من فتاة ..ثم أخذت تردد وتقول: اقترب مني يا موت فلطالماخدعتني أوهامي لقد ظننت أنك لا تأخذ إلا الكبار والشيوخ وتترك الشباب ..لقد خدعتني نفسي وغرني أملي
يا غافلاً عن العمل
الموت يأتي بغتة
وغره طول الأمل
والقبر صندوق العمل
ثمأخذت تسأل علياء: أصحيح يا علياء أن القبر مظلم!..أصحيح أن القبر ضيق!.. فتجيب نفسها: نعم صحيح وعما قليل سأحمل إليه جسداً بارداً هامداً.. هناكلن يكون معي أهل ولا أحباب ، ولن يكون معي مال ولا ثياب ، لن يكون هناكزوج ولا أصحاب.. يا الله كيف سأفارق صغيرتي سوسن ..أنا لا زلت صغيرة ولمأشبع من الحياة ..ثم تلمست عينيها وقالت بكما أرى النور وكم أسقطت بنظراتيمن شاب .. أحقاً سيأكلكما الدود وينهشكما التراب.. أخذتها علياء بينذراعيها وضمتها إلى صدرها وأخذت تقرأ عليها القرآن وتدعوا لها بالشفاء،وأخذت تقول لها: كفى يا فاتنة لا تيأسي من رحمة الله ولا من شفاء الله.. قالت فاتنة أسألك بالله يا علياء : أيغفر الله لي وقد فعلت ما فعلت وأجرمتما أجرمت ..فقالت علياء بصوت واثق : وكيف لا يا فاتنة ..أليس الله واسعالمغفرة ..أليس الله تواب رحيم ..ألم تسمعي قول الله وهو يخاطب العصاة : (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن اللهيغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم ) فقالت فاتنة: بربك يا علياء لاتناديني بعد الآن فاتنة.. ناديني ظالمة ..نعم ظالمة لقد ظلمت نفسي كثيراًوأجرمت في حق نفسي جرماً كبيراً .
.ثم وبقدرة عجيبة استوت فاتنة علىسريرها ورفعت يديها إلى السماء وهي ترتجف ضارعة وأخذت تدعو الله برقةوخشوع : اللهم اشهد بأني قد رجعت إليك، وأنبت إليك، فها أنذا طريحة علىبابك ..اللهم إن كنت قد كتبت لي الشفاء وهذا ليس صعباً عليك وقد أخفقالأطباء وعجز الحكماء فاشهد يا حكيم.. اشهد يا حكيم بأني لن أعصيك أبداًما بقيت ..اللهم وإن كنت قد قدّرت علي الموت عاجلاً فاشهد يا رحيم بأني لنأيأس من رحمتك.. اللهم وإن كنت قد قدّرت علي الموت عاجلاً فاشهد بأني لنأيأس من رحمتك ولن أقنط من مغفرتك طالما بقي في صدري نفس يتردد يا رحمنالدنيا والآخرة.. يا الله ظلمت نفسي ظلماً كبيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنتإنك أنت الغفور الرحيم..
إلهي: لئن جلت وعظمت خطيئتي
إلهي: لئن أعطيت نفسي سؤلها
إلهي: ترى حالي وفقري وفاقتي
إلهي: فلا تقطع رجائي ولا تزغ
إلهي: أجرني من عذابك إنني
إلهي: أذقني طعم عفوك يوم
فعفوك عن ذنبي أجل وأوسع
فها أنا في روضة الندامة أرتع
وأنت مناجاتي الخفية تسمع
فؤادي فلي في نهر جودك مطمع
أسيرٌ ذليلٌ خائفٌ لك أخضع
لا بنون ولا مالَ هناك ينفع
قالأحد الصالحين : إن ملك الموت عليه السلام إذا ظهر للعبد أعلمه أنه قد بقيلك من عمرك ساعة وأنك لا تسـتأخر عنها .. وأنك لا تسـتأخر عنها طرفة عينفيبدو للعبد من الأسف والحسرة ما الله به عليم فيتمنى على أن يضاف إلى تلكالساعة ساعة أخرى ليتدارك التقصير والتفريط فلا يجد إلى ذلك سبيلا ..وهذامعنى قول الله : ( وحيل بينهم وبين ما يشتهون ) .. وإلى هذا أشار الله جلفي علاه بقوله : ( من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلىأجل قريب ) .. قيل الأجل القريب الذي يطلبه أنه يقول لملك الموت : أخرنييوماً .. أخرني يوماً أعتذر فيه لربي وأتوب وأتزود صالحاً لنفسي ، فيقولله : فنيت الأيام فلا يوم .. فنيت الأيام فلا يوم .. فيقول: فأخرني ساعة .. فيقول: فنيت الساعات فلا ساعة .. فيغلق عليه باب التوبة ..فيغلق عليهباب التوبة .. فيا خسارته ويا ندامته حين يموت على تلك الحال .. ( وماظلمهم الله) ..( وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم كانوا يظلمون ).. قال الله : ( وليست التوبة للذين يعملون السوء حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبتالآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذاباً أليماً ) .. إنماالتوبة لمن ( للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوبالله عليهم وكان الله عليماً حكيماً ) ..اللهم اجعل خير عمرنا آخره وخيرعملنا خواتيمه وخير أيامنا يوم نلقاك ..
وصلى الله على نبينا محمد