صور منزلية متكررة !موسى محمد هجاد الزهراني
هدية مع التحية لكل زوجة ! (*)
استلقى على قفاه؛ في مجلس المنزل بعيداً عن لعب الأطفال وصراخهم وركضهم في البيت ؛ بعد أن قضى صلاة المغرب ؛ وبينما كان غارقاً في تفكيره وهمومه ... لامست أنفه رائحة طيبة ؛ زكية ؛ رائحة عطر جميل ؛ لا يتذكر أنه شمَّ مثله إلاَّ قبل خمسة عشر عاماً ؛ عندما تزوج امرأته فدخلت عليه في ليلة العمر ؛ تسبقها رائحة العطر الفواح الجميل الذي ملأ غرفة نومهما فتذكر ..
تضوع مسكاً بطن نعمان (1) إذ مشت
به زينبٌ في نسوة عطراتٍ ..
رفع رأسه لينظر مصدر الطيب ؛ فإذا به يدهش لما يرى .. امرأة جميلة؛
ناثرة شعرها على كتفيها كالليل البهيم ؛ تتراقص الألوان الجميلة المتناسقة في وجهٍ كأنه قطعة قمر في ليلة البدر ؛ لها فمٌ سبحان من صوّره وصغَّره ! .. بلون العناب الجذاب ! افتر عن مثل اللؤلؤ المنظوم؛ عن ثنايا تجعل اللُّبَّ حيرانَ ..
لم تطل دهشته ؛ حتى اكتشف أن الحورية التي تقف أمامه في دلٍ ودلالٍ ليست سوى زوجته !! بشحمها ولحمها ! إلاَّ أنها في صورة حورية من حور الأرض ! ..
- ما هذا .. الله .. الله ..
- (ضحكة غزل رقيقة ) .. ليش نسيت .. الليلة زواج (......) ونحن مدعوون للحضور وتشريف الزواج لأنه ....
- لكن ... أين هذه الأبهة لا أعرفها إلاَّ في الخيال أو في المنام .. سقى الله أيام زمان .. أيام زواجنا الأولى .. ..
- (مقاطعة ) .. هيه .. الآن كأنك تريد خلق مشكلة ثم بعد ذلك تجعلني أقبع في البيت مثل الجنيّة..و...
- يا بنت الحلال .. سؤال بريء فقط ..ما قصدي أثيـر....
- لا أنت الظاهر أنك نسيت أني ربة منزل .. وعندي أطفال .. وغسيل .. وكنس .. ومذاكرة للأولاد .. (تبغاني ) .. كل يوم عروس ..ما تفكر إلاَّ في نفسك وفي شهوتك ..هذه ليست حياة .. أنا ...
- خلاص .. انزلوا .. اركبوا السيارة .. آسف جداً .. آسف .. أنا الغلطان .. آسف .. ملابسك كل يوم أجمل من هذه .. خلاص ..
.. تعودنا على رائحة الطبخ ..ورؤية ملابس البيت الجميلة ! (.. الماركة المسجلة)...
@ @ @
يعود من عمله مترنحاً متثاقلاً ؛ قريب العصر ؛ كل همه أن يتناول غداءه ؛ ويصلي العصر ثم ينام قليلاً ؛ يستريح من همِّ العمل .. ثم يصلي المغرب ويعود ليجلس مع زوجته وأطفاله ..
كان يتصور أنه إذا عاد إلى البيت ؛ ستستقبله الحبيبة الفاضلة ؛ لدى الباب ؛ تقبله وتخلع عنه ثيابه ؛ وتسمعه الكلمات العذبة التي تخفف عنه عناء يوم كامل من العمل الشاق المضني .. وتطيّب الأطفال وتعلمهم استقبال أبيهم ؛ ......
تبخَّر ذلك كله !.. من أول وهلة .. أدخل مفتاحه بالباب ؛ فلم يستطع فتحه ؛ حاول مراراً فلم ينجح ؛ ذلك أن الزوجة الكريمة .. نسيت مفتاح البيت بثقب الباب من الداخل ... قرع الجرس فجاءته تسبقها رائحة الطبخ ؛ تحمل بيدها اليمنى المغرفة ؛وفي الأخرى منشفة التنظيف التي تستخدمها دائماً في عملها في المطبخ ...
فتحت الباب سريعاً ثم أدبرت مولية ظهرها الزوج العائد بهموم العمل على كاهله ...
- أغلق الباب وراءك لو سمحت !
نظر إليها فإذا ملابس البيت تكاد تبلى وتتمزق من طول العهد .. والشعر كأن له عشرة أيام وأربع ساعات ما وقع عليه المشط !
فهز رأسه متأسفاً ...
خلع ثيابه ووضعها في (دولابه) الخاص.. المبعثر !
اتجه إلى غرفة الجلوس ليلتقي بأطفاله الذين ما استقبلوه عند الباب كما كان يتخيل.. لكنه تضجر قبل أن تقع شفتاه على خدِّ أصغرهم لأن رائحة ( الحفائظ) الزكية أزكمت أنفه فما استطاع أن يدنو منه ..
رمى بنفسه على (..كنب) الصالة انتظاراً لطعام الغداء الذي كان يتوقع أن يجده أمامه على (السفرة ) .. فغفت عيناه غفوات ملؤها الضجيج وصراخ الزوجة على الأطفال .. وبكاء الأولاد ..
الله أكبر .. الله أكبر .. رفع رأسه على أذان صلاة العصر .. والغداء لم يحضر بعد .. توضأ ولبس ثيابه وكاد أن يخرج إلى المسجد فإذا بالسفرة توضع على الأرض ..
- ما هذا ...
- الغداء طبعاً ..ما تشوف ! أم أني أتعب وأطبخ ثم تقول لي أنك تغديت في العمل ...
- طيب .. الصلاة لم يبق على إقامتها إلاَّ قليل ؛ ما رأيك هل أضيعها من أجل عينيك ! ألم يكن لديك متسع من الوقت من بعد الظهر إلى قبل خروجي من عملي لطبخ الغداء ... وتنظيف الأطفال .. أهذه حياة؟!
- ..........................!
@ @ @
صورة تتكرر كل يوم تقريباً.. تخلو من العاطفة.. من همسات الحب .. من الرفق الذي ما نزع من شيء إلاَّ شانه.. فيقع الزوج في مآسٍ عديدة؛
أعظمها مأساة الهروب من المنزل إلى حيث الصلاح أو الفساد ؛ فإما صلاح يجده بين إخوة له في الله ؛ أو في أحسن الأحوال يذهب إلى حلق العلم في الندوات والمحاضرات الطيبة . وإما إلى حيث لا يرضي الله تعالى ؛ إلى(..بعض) مقاهي الإنترنت الخبيثة التي بها اليوم بعض الفاسقين الذين يمدون بعض مرتاديها بمواقع الجنس الصريح الفاضح وهي ليست بالقليلة فقد بلغت اليوم ما يقارب المليون موقع للفاحشة والله المستعان . وإن كان هذا الزوج قليل دينٍ ؛ فسيذهب إلى من تروي ظمأه بالحرام والعياذ بالله .. وإن كان يخاف الله ويتقيه فإنه في أفضل الأحوال وفي ظل غياب العاطفة الرقيقة في منزله ؛ سيعمل جاهداً على الزواج بأخرى .. وهذا ما لا ترضاه كثير من الزوجات ؛ ومع هذا كله نقول ( كوني له أرضاً يكن لك سماء ؛ وكوني له أمُّا يكن لك أباً .. وكوني له أمَةً يكن لك عبداً ؛وكوني له ملكة جمال بأخلاقك وهندامك وألفاظك وابتسامتك وترتيبك لنفسك ولبيتك وأطفالك ..يكن لك ... زوجاً!) (2)------------------------
* نشرت في جريدة المدينة 1423هـ[1]- وادٍ مشهور!
[2]- ولا ننسى أن الزوجة عليها مسؤوليات كثيرة ؛ وينبغي للرجل مراعاتها .. وعلى زوجها لها حقوق أكثر
صيد الفوائد