أمير بن محمد المدري
إمام وخطيب مسجد الإيمان – اليمن
الحمد لله الكريم الفتاح أهل الكرم والسماح المجزل لمن عامله بالارباح سبحانه فالق الإصباح وخالق الارواح .
احمده سبحانه على نعم تتجدد بالغدو والرواح واشكره على ما صرف من المكروه وازاح وأشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له شهادة بها للقلب انفساح وانشراح
وأشهد ان سيدنا محمد عبده ورسوله الذي ارسل بالهدى والصلاح اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى اله واصحابه ما بدا نجم ولاح .
اما بعد
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله وأن نقدم لأنفسنا أعمالاً صالحه مباركه تبيض وجوهنا يوم نلقاه عزوجل
يوم لاينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم
يوم تبيض وجوه وتسود وجوه
يوم تجد كل نفس ما عملت من خيرٍ محضراً وما عملت من سوء تود لو ان بينها وبينه امدا بعيدا
يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن
نسأل الله عزوجل بمنه وكرمه أن يحبب إلينا الإيمان ويزينه في قلوبنا وأن يكِره إلينا الفسوق والعصيان ويجعلنا من الراشدين .
ثم اما بعد
يقول الله ((وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ)) الأنبياء:47،
وقال تعالى: ((أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ)) الرعد:33.
أيها المسلمون : إن الله سيحاسبنا على كل شيء على الصغير والكبير والفتيل والقطمير
فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره.
أصحاب القلوب السليمه والعقول الواعية عرفوا أن الله لهم بالمرصاد
فعرفوا أنه لن ينجيهم إلا لزوم المحاسبة ومطالبت النفس ومحاسبتها على الأنفاس والحركات
قال تعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)) الحشر:18
تأمل يا عبد الله هذه الأيه التي أشارت إلى تقوى الله فيما مضى من عمرك من أعمال والنظر والمحاسبة فيما قدمت لأخرتك والله خبيرٌ بما تعمل في هذه اللحظة.
قال عمر الفاروق أيها الناس حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعما لكم قبل أن توزن عليكم وتهيئوا للعرض الأكبر (( يومئذ تعرضون لاتخفى منكم خافيه ))
قال الفضيل بن عياض: من حاسب نفسه قبل أن يحاسب خف في القيامة حسابه وحضر عن السؤال جوابه وحسن منقلبه ومأبه ومن لم يحاسب نفسه دامت حسراته وطالت في عرصات القيامة وقفاته وقادته إلى الخزي والمقت سيئاته وأكيس الناس من دان نفسه وحاسبها وعاتبها وعمل لما بعد الموت واشتغل بعيوبه وإصلاحها
عباد الله : ينبغي للعاقل أن يكون له في يوم ساعة يحاسب فيها نفسه كما يحاسب الشريك شريكه في شئون الدنيا فكيف لا يحاسب الأنسان نفسه في سعادة الأبد وشقاوة الابد نسأل الله أن يجعلنا من الأبرار والسعداء
قال ميمون بن مهران: لايكون العبد من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة شريكه .
ومن فوائد محاسبة النفس يا عباد الله إنها تعرِّف الإنسان بنعمة الله عليه فيشكرها، ويستخدمها في طاعة الله ويحذر من التعرض لأسباب زوالها قال تعالى ((وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)) [إبراهيم:7].
فبداية المحاسبه أن يقيس العبد ويوازن بين نعم الله عليه من عافية وأمن وستر وغنى وبين ذنوبه فحينئذٍ يظهر التفاوت فيعلم العبد أن ليس له إلا عفوالله ورحمته أوالهلاك
حاسبت نفسي لم أجد لي *** صالحاً إلا رجاءي رحمة الرحمن
ووزنت أعمالي فلم أجد *** في الأمر إلا خفة الميزان
وبهذه المقايسة والمحاسبة يعلم العبد أن الرب رب بكرمه وعفوه وجبروته وعظمته وأن العبد عبد بذله وضعفه وفقره وعجزه وأن كل نعمة من الله فضل وكل نقمة منه عدل .
وبهذه المحاسبة يسيء العبد الظن بنفسه لأن حسن الظن بالنفس يمنع من كمال الصلاح والتقوى فيرى المساوىء محاسن والعيوب كمالاً
فعين الرضى عن كل عيب كليلة *** ولكن عين السخط تبدي المساويا
ولا يسيء الظن بنفسه إلا من عرفها.
فهذا صله بن أشيم يقول أحد أصحابه كنت أسمعه يقول بعد صلاة الفجر في دعاءه
(اللهم إني أسألك أن تجيرني من النار ومثلي لايستحق أن يطلب الجنة )
وكلما عرف الأنسان ربه حق المعرفة عرف أن ما معه من البضاعة والطاعة مهما عظمت وكبرت وزادت لاتساوي شيء ولوجاء بعمل الثقلين لأنه أمام رب سريع الحساب.
فها هو أبوبكر يدخل مزرعة أحد الأنصار ويرى طائر يطير من شجرة إلى أخرى فيتأمل ويقول (هنيئاً لك ياطائر ترد الشجر وتأكل وتشرب وتموت ولاحساب ولاعقاب يا ليتني كنت شعرة في صدر عبدٍ مؤمن.)
وهاهو عمربن الخطاب يخاطب نفسه كما يقول أنس أني سمعته وبيني وبينه جدار وهو يحاسب نفسه ويقول (عمربن الخطاب أمير المؤمنين بخ بخ والله لتتقين الله أوليحاسبنك الله ويكررها )
قال الحسن البصري : في قوله ((وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ)) القيامة:2
قال نفس المؤمن لاتلقى المؤمن إلايعاتب نفسه ماذاأردت بكلمتي ماذا أردت بأكلتي والفاجر يمضي قدماً لايعاتب نفسه
الأستغفار: أرباب البصائر أشد مايكونون ذليلين مستغفرين عقب الطاعات
فالإستغفار سمة المؤمنين كلما أذنبوا وأساؤا استغفروا ورجعوا إلى الله لإنه وحده الغافر ، قال تعالى : ((وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُون)) آل عمران:135.
عباد الله الإستغفار ليس للعاصين فقط بل لإصحاب الطاعات.
فالمصلون بعد إتمام الصلاة الخاشعة المطمئنة يستغفروا من كل نقص وزلل في الصلاة ، وبعد رحلة الحج العظيمة والطواف والسعي ورمي الجمار قال تعالى : ((ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) البقرة:199،
وبعد أن منّ الله على نبيه بالنصر والتمكين والفتح المبين أمره بالإستغفار ، قال تعالى : ((إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا)) سورة النصر
عبادالله :
على المؤمن أن يحاسب نفسه فالطاعة والفروض رأس المال والمعاصي هي الخسائر والنوافل هي الأرباح وليعلم أنّ كل نفس من أنفاس العمر جوهرة نفيسة يمكن أن يشتري بها كنز من كنوز الأخرة
فإذا أصبح العبد وفرغ من صلاة الصبح ينبغي أن يفرغ قلبه ساعة فيقول لنفسه مالي بضاعة إلا العمر ولوتوفاني الله لكنت أتمنى أن يرجعني إلى الدنيا يوماً حتى أعمل صالحاً ومن ثم ينوي فعل الخيرات ليكون من الرابحين.
فهذا الربيع بن خثيم كان له تحت سريره حفرة كلما رأى من نفسه إقبالاً على الدنيا نزل فيها وكأنه في قبره ويصبح ويبكي وكأنه في عداد الموتى ويقول رب ارجعون رب ارجعون ثم يصعد من الحفرة ويقول يانفس هاأنت في الدنيا فاعملي صالحاً
ويقول إبراهيم التيمي مثلت لنفس كأني في الجنة أكل من ثمارها وأشرب من أنهارها وأطوف في وديانها وأعانق أبكارها ثم مثلت لنفسي وكأني في النار أكل من زقومها وأشرب من حميمها وأصيح بين أهلها ثم قلت يانفس أي دار تريدين فقالت أعود إلى الدنيا فأعمل صالحاً كي أنال الجنة فقلت يانفسي هاأنت في الدنيا فأعملي.