ماذا أقرأ؟
لو أنني بالفعل سوف أقرأ, وأريد أن أحقق هدفًا من القراءة, ولديَّ من الحماسة والعزيمة ما يبلِّغني هدفي.. فالسؤال الذي يطرح نفسه هو: ماذا أقرأ؟
تعالوا نفكر معًا.. ماذا نقرأ؟؟...
قد يتصور البعض – بدايةً - أنني سوف أخبره بفروع مختلفة من العلوم الدينية، وأنا أقول له: ليس هذا ما أقصده بمنهج القراءة؛ فالمسلم إنسان متوازن، يحتاج إلى القراءة في أمور كثيرة حتى يبقى متوازنًا، والإسلام له دور في كل نقطة من نقاط حياتنا، ومن هنا.. فكل قراءة في أي مجال نافع في الدنيا تعتبر "قراءة نافعة مطلوبة" في ميزان الإسلام.
تعالوا بنا نحدد عشر مجالات نقرأ فيها، وبالطبع هذه المجالات ليست سوي عينة مما يفترض أن نقرأه، وهي بداية, وكل ميسر لما خلق له.
المجال الأول: أول ما نقرأ.. وأعظم ما نقرأ.. وأهم كلمات نقرؤها هي كلمات القرآن الكريم، والقرآن الكريم ليس مجرد كتاب سوف تقرؤه مرة أو مرتين، القرآن الكريم دستور الخلق، وقراءته يجب أن تكون بصفة دورية مستمرة ومركزة، حتى إن العلماء قالوا: يجب على المسلم أن يجتهد في ختم القرآن قراءة في شهر أو أقل، فلا بد إذن أن يكون للقرآن الكريم مكان واضح في برنامجك اليومي.
وهذا الكلام يكتسب أهمية خاصة، حيث إن الكثيرين ممن يهتمون بدراسة العلوم المختلفة والقراءة ينشغلون عن قراءة القرآن الكريم، وهذه مشكلة خطيرة، فالله عز وجل من رجمته بنا يشجعنا على قراءة دستورنا وكتابنا بأن يعطينا على كل حرف نقرؤه حسنة، ثم يضاعف الحسنة إلى عشر أمثالها... وهذا عجيب لأن الحرف لا يستقيم به المعنى, بل نحتاج إلى تكوين الكلمة حتى يتم فهم المعنى، وكان من الممكن أن يعطي الله عز وجل بكل كلمة حسنة، ولكن الله تعالى من كرمه جعل المكافأة بالحرف، وهذا المعنى يؤكد عليه النبي صلى الله عليه وسلم، حتى لا يُفهم على غير المقصود.. ففي الترمذي بسنده عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ, وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا.. لَا أَقُولُ (ألم) حَرْفٌ, وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ, وَلَامٌ حَرْفٌ, وَمِيمٌ حَرْفٌ".. فالقرآن إذن هو أول ما نهتم بقراءته.
المجال الثاني: وهو أيضًا في غاية الأهمية: أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.. وفي الحقيقة ومع أهمية هذا المصدر، وكونه المصدر الثاني من مصادر التشريع بعد القرآن الكريم، إلا أن لدينا قصورًا فيه، والرسول صلى الله عليه وسلم آتاه الله تعالى جوامع الكلم، بمعنى أن كلمات قصيرة يقولها، تجد فيها المعاني الضخمة، وبقراءة حديث واحد قصير جدًا تحصل على كمٍّ هائل من العلم والمعرفة والحكمة.
والكثير منا قد يقرأ القرآن الكريم، ولكن القليل هو الذي يمتِّع عينيه وعقله بكلمات الرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم، وحتى لو قرأها أحدنا فإنه ربما يقرؤها بصورة عشوائية غير منظمة، ولكننا نريد أن تكون قراءة الأحاديث النبوية الشريفة جزءًا رئيسيًا من تكوينك.
وإذا قرأت كل يوم حديثًا أو اثنين من أحاديث النبوية الشريفة، واطلعت على بعض المعاني لهذين الحديثين، فسوف يكون حجم استفادتك كبيرًا جدًا، إن السنة كنز هائل من الكنوز التي بين أيدينا، وكتب السنة ولله الحمد كثيرة، فلتبدأ بالبسيط منها ومع التدرج يكون الخير، ابدأ مثلاً بالأربعين النووية، فرياض الصالحين وهو أيضًا للإمام النووي، ولتقرأ اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان، ولتقرأ أيضًا مختصر البخاري ومختصر مسلم... المهم أن تقرأ.
المجال الثالث للقراءة هو: العلوم الشرعية: من خلال الاستعانة بأحد العلماء أو السابقين لك في مجال القراءة يمكنك أن تعمل برنامجًا للقراءة في العلوم الشرعية.. وعلوم الإسلام كثيرة جدًا، فحاول أن تقطف من كل بستان زهرة، وأن تقرأ كتابًا في كل فرع من فروع العلوم الشرعية، وسيعطيك هذا خلفية رائعة، ويبني لك قاعدة متينة يمكنك أن تبني عليها بعد ذلك بنيانًا ضخمًا إن شاء الله، ولتبدأ بكتب بسيطة مختصرة, ثم توسع بعد ذلك مع مرور الوقت.
وهذه بعض الأمثلة لبعض الكتب التي يمكنك من خلالها بناء قاعدة جيدة في العلوم الشرعية:
1 - مختصر تفسير ابن كثير: كتاب رائع لتفسير القرآن الكريم، وهو يتميز بالبساطة في الأسلوب والسهولة في العبارة، تستطيع البدء بجزء عمّ وتبارك، وبعد ذلك اقرأ تفسير السور التي تحفظها ( البقرة - الكهف - يس - الواقعة... وقم بعمل جدول لذلك وحاول الالتزام به.
2 - فقه السنة: والجزء الأول منه يتحدث عن أحكام الصلاة والزكاة والصوم والحج، وهو مهم جدًا لأداء هذه العبادات بالصورة الصحيحة التي أمر الله عز وجل بها...
3 - كتاب الإيمان للدكتور محمد نعيم ياسين: وهو كتاب مبسط جدًا عن العقائد الإسلامية، يتحدث فيه المؤلف عن كيفية الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والإيمان بالقضاء والقدر...