عن ابن عمر رضى الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار ). (البخاري ومسلم)
سعود الشريم وفقه الله
هذه مقابلة أجرتها جريدة الوطن القطرية مع الشيخ الشريم وفقه الله :
ضيفنا هذا الأسبوع فضيلة الدكتور سعود الشريم وهو شخصية بارزة وعلم من الأعلام ‚ فقد اعتدنا على سماع صوته صداحا في الحرم المكي‚ يؤم ويخطب جموع المسلمين‚وهو إلى جانب ذلك باحث في علم الفقه وقاض وداعية له جولات في أنحاء العالم الإسلامي‚ ومؤلف قدير طالما سطعت له في سمائنا (ومضات من الحرم) وشاعر فذ صاغ عددا من المتون العلمية في قوالب شعرية‚ المصحف المرتل بصوته محل اعجاب السامعين في بلاد العرب والعجم ولا يكاد يخلو منه بيت مسلم فتعالوا نتعرف عليه عن قرب في هذا اللقاء الشيق‚
نعود إلى الوراء قليلا لنسأل ‚‚ كيف تلقيت خبر تعيينك إماما للحرم المكي؟ وكيف نقل إليك؟ وهل لنا أن تصف شعورك عند تلقيك له؟
ـ تعييني إماما في المسجد الحرام لم يكن مفاجئا لي لأنه مسبوق بمحادثات قبل التعيين بزمن‚ وكان قبل ذلك كله بعض الرؤى المنامية التي عبرت بالإمامة في المسجد الحرام‚ ولا شك أن الإمامة بالمسجد الحرام تشريف من الباري جل شأنه وكرم ومنة أسأله سبحانه أن يوزعني شكرها وأن يثبتنا وإخواننا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة‚
أنتم تتولون الخطابة بالحرم المكي فكيف تستعدون للخطبة وكيف تحضرونها؟
ـ ليس هناك طريقة محددة في اختيار الخطب وتحديدها‚ إذ كل خطبة تفرض نفسها من خلال الواقع المتاح‚ ومع أن الخطبة لا تأتيني إلا مرة واحدة في الشهر إلا أنني لا أستطيع الاستفادة من هذه المدة الطويلة في الإعداد‚ حيث إن اختيار الموضوع متعلق بالاستماع إلى خطب الأئمة من قبلي حتى لا أقع في موضوع قد طرح من قبل‚ ولذلك لا أستطيع تحديد الموضوع إلا بعد آخر خطيب يخطب‚ فإن الخطب في المسجد الحرام ذات بال وأمرها ليس بالهين‚ إذ لم يحصل في التاريخ أن تستمع الدنيا إلى خطيب الحرم بمثل ما يكون في زمننا هذا‚ وهنا مكمن الصعوبة والأهمية‚ ولعل الأمر يذكرني بمقولة عبدالملك بن مروان حينما قال: شيبتني المنابر‚ وعن التأمل في هذه المقولة نجد أن قائلها كان خليفة وفقيها فصيحا فكيف بمن هو أقل من ذلك بكثير؟ إن الأمر يستدعي الاستعانة بالله سبحانه واستلهام الرشد والتوفيق منه وحده‚
يرى البعض أن الشيخ د ‚ سعود مقل في تقديمه للمحاضرات العامة والدروس العلمية على الرغم من شدة حاجة الساحة لأمثالكم هل من توضيح؟
ــ أما إقلالي من المحاضرات فنعم هو كذلك‚ والسبب في ذلك في عدم تفرغي لها ولا سيما خارج مكة لأجل الارتباط بالإمامة وصعوبة تأمين البديل من الأئمة بشكل متكرر‚ ثم إنني أعتبر خطابتي بالمسجد الحرام نوعا من المحاضرات التي توفي بالغرض‚ أما محاضراتي خارج المملكة فهي أكثر من داخلها بكثير‚ وأما الدروس العلمية فأنا أقيمها في المسجد الحرام ثلاثة أيام في الأسبوع بعد صلاة الفجر‚ وذلك في الكتب التالية: بلوغ المرام‚ النظم الجيد في علوم القرآن‚ وأصول التفسير‚ وإسراج الخيول بنظم المسائل الأربع‚ وثلاثة الأصول وقد درست قبلها مائية ابن أبي داود في الاعتقاد والقواعد المثلى والورقات في الأصول وأحصر المختصرات في الفقه وكشف الشبهات‚
استغل البعض الأحداث الأخيرة فأقتحموا خطب الجمعة وشن البعض حملات على أئمتها ولم يستثنوا من ذلك أحدا على الرغم من أن الواقع خلاف ما ادعوه فما الأسلوب الأبلغ والأفضل في تبني الدفاع وإظهار الحق من وجهة نظركم؟
ــ القول بأن جميع الخطباء كمل قول باطل‚ كما أن القول بأن جميع الخطباء ليسوا مؤهلين قول باطل أيضا‚ إذ الخطابة شأنها كشأن غيرها من المهن الدينية فيها المتميز وفيها دون ذلك‚ والتعميم المطلق من أغلظ المقولات‚ كما أن الاعتراف بالقصور في الجوانب الخطابية أمر ينبغي أن نسلم به‚ وأننا بحاجة إلى رفع مستوى الخطيب والخطابة من حيث الأهلية العلمية واللغوية والموضوعية‚ ولكن الذي ينبغي أن نقر به جميعا أن الخطباء إنما هم جزء منا وكل إناء بما فيه ينضح فهل ننتظر أن ينزل علينا خطباء من السماء لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون؟
هل تأثرت بخطيب أو قارئ معين؟ وما موقفك إذا سمعت من القراء من يقلدك؟ ــ لم أتأثر بخطيب بعينه‚ ولكن ربما أعجبتني بعض الخطب من بعض الخطباء‚ وأما القراء فلم أتأثر بقارئ بعينه كذلك‚ ولا أرى غضاضة فيمن يقلدوني مع أنني لا أحب للقارئ أن يقلد أحدا‚ بل أحب أن يكون مستقلا بنفسه لئلا يزدرى‚
حفظ القرآن الكريم وتلاوته لهما الأثر الجلي على الخطابة واستقامة البيان متى تم لكم حفظ القرآن الكريم ولمن تدين بالفضل في هذا الشأن؟
ــ حفظت القرآن الكريم بفضل الله في أواخر المرحلة الثانوية‚ وكان حفظي له محض اجتهاد مني بعد توفيق الله وصححت حفظي بالاجتهاد ولم أقرأ القرآن قط على شيخ من المشايخ إلا ما كان في الحصص الرسمية بالمرحلة الجامعية والحمد لله على توفيقه وامتنانه‚
لأعداد الغفيرة من المسلمين الذين يأتون لأداء الحج والعمرة من أصقاع العالم بلا شك أنهم بحاجة لجرعات مكثفة من التوعية والتوجيه نظرا لانتشار الشركيات والبدع وما شابهها ‚‚ هل من خطوات عملية مقترحة لذلك؟
ــ ما يتعلق بتوجيه الحجيج أمر له شأن عظيم لأن الله جل وعلا يقول: «ليشهدوا منافع لهم» «الحج: 28»‚ والمنافع قسمان دينية ودنيوية والدينية تتمثل في العلم والتوجيه ومعرفة السنن والبعد عن البدع ونحوها غير أن هذا الأمر يحتاج إلى جهود مكثفة‚ إذ هو ليس قاصرا على المختصين بالمسجد الحرام أو بوزارة الشؤون الإسلامية‚ بل إن الأمر أعظم من ذلك فهو يحتاج إلى تضافر الجهود في جميع القطاعات المعنية بالحج‚ وأما الخطوات المقترحة فأهمها إلزام كل المطوفين بإعطاء دورات توجيهية للحجاج قبل قدومهم‚ وكذلك تسليم كل حاج مع تأشيرة الحج بعض الأشرطة والمطويات التي تحمل التوجيه اللازم للحاج قبل قدومه بفترة كافية‚ وليس كما يحصل الآن‚ حيث لا يتسلم الحاج المطويات والأشرطة في بعض الأحيان إلا مع قدومه أو عند مغادرته وهذا يقلل النفع بها بعد عودته‚
ما زالت المؤسسات الخيرية تئن وتتوجع مما لحق بها وأضعف من أدائها إثر أحداث 11سبتمبر ‚‚ هل هي الاستكانة والرضا بالأمر الواقع أم هنالك خطط للدفاع والتفعيل؟
ــ ما أصاب المؤسسات الخيرية بعد الأحداث لم يأت طفرة دون مقدمات‚ بل هو مسبوق بتخطيط من قبل الأعداء ولكن الأحداث صارت كالقشة التي قصمت ظهر البعير وهي الآن تكأة يتكئ عليها الغرب الحاقد في إخماد هذه المؤسسات التي طال خيرها مشارق الأرض ومغاربها‚ ولا شك أن الوقوف أمام هذا الوضع المزري أمر يتطلبه ديننا الحنيف‚ إذ لا ينبغي لنا أن نكف عن أعمال الخير لمجرد ضغوط أجنبية لا تمت للإسلام بصلة‚ أما الخطط والتفعيل في الواقع فلا أعلم شيئا من ذلك بارزا من قبل المعنيين بها‚ ولكن لعل هول الصدمة وأثر الفجأة لم يكن كفيلا في النهوض السريع لإيجاد حلول ناجعة أمام هذا التيار العاصف والبعض يرى أن هذه أحداث ليس لها من دون الله كاشفة والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون‚
كيف يرى الشيخ سعود مستوى مناشطنا الدعوية؟ وما طموحاتك بشأنها؟
ــ مناشطنا الدعوية في حالة تسر ولله الحمد‚ لكن طموحاتنا تروم أعلى مما هي عليه الآن‚ لأن الدعوة إلى الله لا تحد بحد‚ بل يصدق عليها قوله تعالى: «وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب» «البقرة: 197»‚ والمقرر شرعا أن الدعوة إلى الله من أفضل أنواع العبادة وقد أمر الله نبيه بقوله: «واعبد ربك حتى يأتيك اليقين» «الحجر: 99» نحن بحاجة إلى أن تكون الدعوة إلى الله هي همنا وواقعنا حتى الموت‚
حملة التغريب الموجهة للمرأة المسلمة ‚‚ ما أخطر مظاهرها؟
ــ من أخطر مظاهر حملة التغريب للمرأة المسلمة هو التشكيك في الأصول والمقررات التي خص الله بها المرأة‚ إضافة إلى فتح باب الجرأة على التشريع وإخضاعه لتقييم أدعياء المرأة دون قيود‚ وهذا هو مكمن الخطر في القضية‚ لأنه لا يفرق بين مشروعية التصحيح وبين نسف المشروعية وتهميشها‚
الجهات الدعوية متعددة كتعدد ميادينها ‚‚ ولكن ينقصها التنسيق فيما بينها وفي حالة استمرار الوضع على هذا الحال ‚‚ ماذا سنجني من وراء ذلك؟
ــ الواقع يؤكد تعددية الجهات الدعوية لاختلاف الميادين المناطة بها‚ وهذا أمر لا ضير فيه وإنما الضير في الاختلاف بين هذه الجهات المفرز البعد والتنازع وعدم التنسيق‚ لأن ذلك كله سبيل إلى تلاشي الجهود وتراميها شذر مذر‚ والذي يجب أن نعيه في هذه المسألة هو أنه ينبغي أن تكون هذه التعددية تعددية تنوع لا تعددية تضاد‚ لأن التنوع مأذون فيه والتضاد ممنوع‚
الدورات المكثفة لحفظ القرآن الكريم تختلف حولها الآراء بين مؤيد ومعارض إلى أي الرأيين يميل الشيخ سعود؟
ــ الدورات المكثفة لحفظ القرآن الكريم لا تحتمل إلا التأييد والتشجيع‚ لأن القرآن كلام الله فمهما صار فيه من تكثيف لحفظه ومدارسته فهو خير كله وقد قال الشاطبي - رحمه الله- وأحسن إليه إذ قال: وخير جليس لا يمل حديثه وترداده يزداد فيه تجملا فإن الأوقات مهما شغلت مع القرآن في خير عظيم أنه ينبغي التأكيد على ألا يكون عهد الحافظ بالقرآن تلك الدورة المكثفة فحسب‚ بل لا بد من المواصلة والمتابعة وأما الذين لا يؤيدون مثل تلك الدورات فحجتهم أن ما يأتي فإنه يذهب سريعا‚ وهذا ليس على إطلاقه لأن القرآن له خصوصية تتمثل في كونه متعبدا بتلاوته‚
من خلال زياراتكم للمراكز الإسلامية في الخارج واطلاعكم على أحوال الأقليات ‚‚ هل لمستم أثرا فاعلا لهذه المراكز على المسلمين هناك؟
ــ لقد وفقت ولله الحمد في زيارة كثير من المراكز الإسلامية خارج المملكة‚ وهي ليست على حد سواء فمنها المتميز ومنها دون ذلك‚ ولعل هذا يرجع إلى عدة عوامل منها عدم تفرغ القائمين على تلك المراكز لكونهم من طلاب البعثات أو لقلة تواصل الجالية المسلمة مع بعضها البعض‚ أو النقص في الموارد المالية التي تعد شريانا في دفع حركة الدعوة إلى الله‚
بلا شك أن ذاكرتكم تحتفظ بالكثير من الذكريات الجميلة والمؤثرة مع أصحاب الفضيلة العلماء الكرام هلا أتحفتنا بشيء منها؟
ــ أحمد الله أن علاقتي بمشايخي العلماء علاقة يحدوها التقدير والتوقير والمحبة لهم‚ وذلك لفضلهم على بعد الله‚ ومنهم سماحة شيخنا العلامة عبدالعزيز بن باز - رحمه الله -‚ وشيخنا العلامة محمد العثيمين - رحمه الله -‚ وشيخنا العلامة عبدالله بن جبرين‚ والشيخ العلامة عبدالله بن عقيل‚ والشيخ صالح الفوزان‚ والشيخ عبدالله الغديان‚ والشيخ عبدالرحمن البراك‚ والشيخ عبدالعزيز الراجحي‚ وغيرهم‚
أما المواقف مع بعضهم فهي كثيرة ويصعب استحضار شيء بالخصوص في هذه العجالة لكن صلتي وذكرياتي أكثر ما تكون مع شيخنا محمد العثيمين - رحمه الله-‚ ولعل من المناسب أن أذكر موقفا مع سماحة الشيخ ابن باز - رحمه الله - قبل وفاته بعشرة أيام‚ حيث شكل لجنة فيها عضويتي وفي الاجتماع أوصانا بعمل الخطوات اللازمة لهذه اللجنة فقلت له سنجتمع ونرسم الخطوات ونعرضها عليك‚ فقال لنا لا تعرضوها علي فلعلكم لا تحتاجون إلي في هذا‚ وكان من قدر الله أن قبضت روحه بعد عشرة أيام فرحمه الله رحمة واسعة‚
ماهو دور زوجة الشيخ سعود الشريم في نجاحاته الدعوية والأكاديمية ؟
ــ قبل أن أذكر شيئا عن زوجتي فإني لا أنسى فضل والدتي علي التي غمرتني بحنانها وأسدلت علي سربال تربيتها ودعائها لي صغيرا وكبيرا‚ حيث ربتني يتيما صغيرا فكان صدرها لي حواء وثديها لي وعاء وحنانها لي دواء فجزاها الله عني خير الجزاء ورحمها كما ربتني صغيرا‚
أما الزوجة فقد كانت لي نعم الرفيق ونعم المشارك في الفرح والترح والمنشط والمكره أجدها عند الحاجة وأفقد فيها اللجاجة تواسيني بهمها معي تخفف من آلامي إذا تألمت وتسر لسروري إذا فرحت لها حضورها وأثرها في كيان بيتي وتحديد مساره جعل الله ذلك في ميزان حسناتها‚
قراء الوطن ينتظرون نصيبهم من كلماتك الطيبة؟ ــ أما وصيتي للقراء فهي تقوى الله سبحانه التي أوصى بها الأولين والآخرين‚ والحرص الدؤوب وما ينبغي أن يبذل تجاهها لأنها بصلاحها يصلح المجتمع‚ وبفسادها يفسد المجتمع‚ وأن يحرصوا أشد الحرص على ألا يدخل بيوتهم من الوسائل إلا المفيد الناجح من كتاب أو مجلة أو نحو ذلك‚ وأخص أسرتنا بالاهتمام لما تعنى به في هذا المجال المبارك من خلال الاستقراء الملموس والأثر الناجح نفع الله بهم وزادهم من الهدى والتقى إنه سميع مجيب ‚
سيرته:::
سعود بن إبراهيم الشريم من مواليد عام 1386هـ في مدينة الرياض والأسرة مسقط رأسها مدينة شقراء بالوشم‚
التحق بالتعليم العام بجميع مراحله حتى حصل على الشهادة الجامعية في كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة‚ وكان ذلك سنة 1409هـ‚ ثم التحق بالمعهد العالي للقضاء قسم الفقه المقارن فنال فيه درجة الماجستير سنة 1413هـ‚
عين قاضيا بالمحكمة الكبرى بمكة المكرمة ثم أعفي من القضاء والتحق بجامعة أم القرى كلية الشريعة والدراسات الإسلامية‚ وواصل إعداد الدكتوراه تخصص الفقه وأصوله بكلية الشريعة والدراســـات الإسلامية حتى نالها سنة 1423هـ‚
الآن يعمل عميدا لكلية الشريعة والدراسات الإسلامية واماما وخطيبا بالمسجد الحرام
اللهم احشرنا مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم ....... اللهم آمين .....
__________________