قال الشيخ حفظه الله [ولأنها الخيار الوحيد؛ فإن صاحبها لا يسمع فيها نصح ناصح ولا يعبأ باعتراض معترض.]
أقول : أيريد الشيخ من المجاهد أن يسمع قول المتخلّف والقاعد وقد قرر أئمة الإسلام كأحمد وابن المبارك وغيرهم بأن أهل الثغور أولى أن يُسألوا عن أمور الدين !! هل يعترض عاقل على أداء فرض عين !! وهل يُعقل أن يرى الإنسان ما يرى على شاشات التلفاز ثم ينصح غيره بعدم الحراك !! يقول ابن تيمية رحمه الله "ولن يقوم الدين إلا بالكتاب والميزان والحديد" ، فالذي يريد كتاب وميزان بدون حديد فإنه يجهل معنى قوله تعالى {.... وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } (الحديد : 25) .. فالكتاب يحتاج إلى الحديد لنشره ، والعدل يحتاج إلى الحديد لفرضه ..
قال الشيخ حفظه الله [وكيف يسمع مثل هذا في أمر لم يعد أمامه طريق سواه إلا أن يكون لديه من البصيرة أو التقوى الشيء الذي لو كان لديه لما سلك هذا المضيق أصلاً وإن كنا لا نحجر واسعاً؛ فتوبة الله تعالى وسعت العائدين إلى رحابه من الكفار فمن دونهم حتى أولئك الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات قال ربهم سبحانه: (ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا)، ولكني أقول عن معاناة مع العديد من أولئك الذين تشربت نفوسهم هوى الافتتان واختصروا طريق الحياة الطويل اللاحب المتشعب بطلقة من رصاص أو سيارة مفخخة.]
أقول : وهذا مما يحار العقل فيه !! كيف يصدر هذا عن مثل الشيخ سلمان حفظه الله !! قال تعالى { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } (التوبة : 16) ، أيريد الشيخ أن يتوب المجاهدون من الجهاد !! أيريد أن يموت شباب الإسلام حتف أنوفهم والثغور أمامهم والعدو قد دخل دارهم !! خطب عبد الله بن الزبير الناس لما بلغه قتل مصعب أخيه فقال : إن يقتل فقد قتل أبوه وأخوه وعمه. إنا والله لا نموت حتفاً ولكن نموت قعصاً بأطراف الرماح وموتاً تحت ظلال السيوف. وإن يقتل مصعب فإن في آل الزبير خلفاً منه. إنما سميت سورة التوبة بهذا لأن كعب بن مالك وأخويه لم يخرجوا للجهاد ، فعاتبهم النبي وأمسك عن كلامهم حتى ضاقت عليهم الأرض ، فاجتهدوا في التوبة إلى الله حتى أتى قرآن من فوق سبع سموات بقبول توبتهم وسُمّيت سورة كاملة بتلك النازلة ، فالتوبة تكون من ترك الجهاد لا إتيانه ، وكان الرجل إذا تخلف عن الجهاد وذكروه لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال لهم : " دعوه ، فإن يكن فيه خير فسيلحقه اللّه بكم ، وإن يكن غير ذلك فقد أراحكم منه" ..
قال الشيخ حفظه الله [إنني أعلم علم اليقين أن ممن ينادون بتغيير الدنيا وإصلاح مجريات الحياة من لو أُسنِد إليه إدارة شعبة أو فصل في مدرسة أو متجر في إحدى زوايا الحي لأخفق وفشل. ليس لأنه فاشل بالفطرة ولكن لأن التجربة والتدريب ضرورة للنجاح ولأن الهدم سهل والبناء صعب و"لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ" كما في الأثر.]
أقول : إن الذي يتولّى كبر مناداة الناس لهذا الجهاد هو الشيخ أسامة ، والقائد قلب الدين حكمتيار ، والقائد شامل باساييف ، والملا محمد عمر ، والمولوي جلال الدين حقاني ، والمولوي يونس خالص ، والأمير ابو مصعب الزرقاوي ، ودعى من قبلهم الأمير خطّاب ، والأمير أبو الوليد الغامدي ، وكل هؤلاء فرضوا أنفسهم على الساحة ولم يرثوا ملكاً عن آبائهم ، وقد تولّى بعضهم قيادة الدول والجيوش وقادوها خير قيادة : شهد بهذا العدو قبل الصديق ، ولم يُجرّب من انتقدهم قيادة لواء أو حتى سريّة في جيش !! فمن هو أحق بهذه الكلمات !!
قال الشيخ حفظه الله [وأول النجاح نجاح المرء في إدارة ذاته تعلماً وعبادة وصلة للقرابة وأداء للحقوق والتزاماً بالأخلاق مع العدو والصديق ... ]
أقول : وهذا حق ، وقد ضرب أمير المؤمنين الملا محمد عمر للعالم درساً عظيماً في هذه المعاني ..
قال الشيخ حفظه الله [والكثيرون يستطيلون هذا الطريق؛ فتغلبهم نفوسهم أحياناً ويرون الأمر أعجل من ذلك. أو يعجزون عن إدارة عقولهم بما تقتضيه الشريعة المنزلة؛ فيقعون أسرى هوى خفي غلفته نية طيبة ثم لم تدع إليه سبيلاً للتصحيح والمراجعة.]
أقول : من الأولى بالتصحيح : المجاهد أم المتخلّف !! من الأولى بإدارة عقله : المقاتل أم القاعد !! ومن أحق بالمراجعة : المبتغي الموت في مظانه أم الهارب من الموت في برجه المشيّد : سواء كان مكاناً أو فهماً !!
قال الشيخ حفظه الله [وغالب ذلك من النظر العفوي الذي لم تحكمه خبرة الحياة ولم تشرق عليه شمس البصيرة ولطالما كمدت نفوسنا ممن يحملون قناعات مشبعة بهوى النفوس ظاهرها السنة والكتاب وباطنها معان في القلب تخفى حتى على صاحبها، ومن هنا سماه الأئمة -كشداد بن أوس وغيره-: "الهوى الخفي" وكما يقول المتنبي:
لِهَوى النُفوسِ سَريرَةٌ لا تُعلَمُ .... عَرَضاً نَظَرتُ وَخِلتُ أَنّي أَسلَمُ]
أقول : إذا كان ظاهرها الكتاب والسنة وباطنها يخفى على صاحبها فهذا لا يُعاتب عليه المسلم .. ليس اللوم على من كان هواه خفيّاً ، إنما اللوم على من كان هواه ظاهراً مخالفاً لشرع الله فهو يعلمه وينافح عنه ويُعلنه .. هذا من ينبغي أن تكمد من أجله نفوسنا ، أما من قرأ الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم من السلف وظهر له حكم الله فاتبعه فهذا ليس صاحب هوى ، وإنما لم يسلم المتنبي من هواه لأن هواه كان مع الباطل ، أما من كان هواه تبعاً لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال "أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله" فهذا هو المؤمن الحق ، وهو على الحق ..
قال الشيخ حفظه الله [إنه ليس من حق المرء أن (يستقيل) من الحياة لأي سبب كان ، ولست أعرف -والله- معنى لمسلم ينفذ عملية انتحارية؛ يذهب هو ضحيتها وقتلاها من إخوانه المسلمين!]
أقول : بل له أن يستقيل من الحياة :
فإما حياة تسُرّ الصديق ... وإما ممات يُغيض العِدا ..
أين الجهاد في سبيل الله وطلب الشهادة !! أين قول النبي صلى الله عليه وسلم "... والذي نفس محمد بيده لوددت أن أغزو في سبيل اللَّه فأقتل، ثم أغزو فأقتل، ثم أغزو فأقتل" (مسلم) .. أما العملية التي اسماها "الإنتحارية" فهي عمليّة جهادية تُنعت في الفقه الإسلامي بـ"الإنغماس في العدو" وقد كتب شيخ الإسلام في ذلك كتاباً سماه "قاعدة في الإنغماس في العدو وهل يباح" حققه وعلق عليه أخيراً الشيخ أشرف عبد المقصود ، وهو مطبوع .. أما مسألة قتل المسلمين مع الكفار فهذه مسألة "التترس" في الفقه الإسلامي ، وفيها كلام طويل لأهل العلم ، ولا أظن الشيخ كان دقيقاً في قوله " ولست أعرف -والله- معنى لمسلم ينفذ عملية انتحارية؛ يذهب هو ضحيتها وقتلاها من إخوانه المسلمين" ، ليس مثل الشيخ يجهل هذه المسائل وقد حررها العلماء .. جاء في الموسوعة الفقهية " اتّفق الفقهاء على أنّه يجوز رمي الكفّار إذا تترّسوا بالمسلمين وأساراهم أثناء القتال أو حصارهم من قبل المسلمين ، إذا دعت الضّرورة إلى ذلك ، بأن كان في الكفّ عن قتالهم انهزام للمسلمين ، والخوف على استئصال قاعدة الإسلام . ويقصد بالرّمي الكفّار" (انتهى) ، والمسألة فيها تفصيل ليس هذا مكانه ..
قال الشيخ حفظه الله [اللهم إلا تلبيس الشيطان وتزيينه, ورخص الحياة التي ما هي على المسلم برخيصة, وهي مزرعة الآخرة, وقد سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن خير الناس فقال: "مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ"[ رواه الترمذي, وقال حديث حسن صحيح].]
أقول : بل حياة المسلم رخيصة في سبيل دينه وإعلاء كلمة ربه ، والذي قال " مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ" هو الذي قال "ما من الناس من نفس مسلمة يقبضها ربها ، تحب أن ترجع إليكم ، وأن لها الدنيا وما فيها غير الشهيد" .. قال ابن أبى عميرة : قال رسول الله: "ولأن أقتل في سبيل الله ، أحب إلي من أن يكون لي أهل الوبر والمدر" (حسن : النسائي) ، أما تلبيس الشيطان ، فقد جاء في الحديث "إن الشيطان قعد لابن ادم بأطرقه ، فقعد له في طريق الإسلام فقال : تسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء آبائك ؟ فعصاه فأسلم ، ثم قعد له بطريق الهجرة فقال : تهاجر وتدع أرضك وسماءك؟ وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطول (الحبل) فعصاه فهاجر ، ثم قعد له بطريق الجهاد فقال : تجاهد ؟ (فهو جهد النفس والمال) فتقاتل فتقتل فتنكح المرأة ويقسم المال ، فعصاه فجاهد ، فمن فعل ذلك كان حقا على الله أن يدخله الجنة ، ومن قتل كان حقا على الله أن يدخله الجنة ، وإن غرق كان حقا على الله أن يدخله الجنة ، وإن وقصته دابته كان حقا على الله أن يدخله الجنة" (صحيح: أحمد والنسائي وابن حبان عن سبرة / وهو في صحيح الجامع برقم: 1648) ..
قال الشيخ حفظه الله [وهيهات أن يفرط فيها المسلم بتغرير أو مخاطرة, ثم مدارج النجاح أمامه في دراسة يجتازها، أو تخصص يتقنه, أو تجارة في حلال, أو مشاركة في تنمية, أو مسابقة إلى خير. وقد يسبق هذا أو يتلوه بناء أسرة صالحة, تمناها الأنبياء والمرسلون وسألوها ربهم تبارك وتعالى, وتوسلوا إليه بأعظم الوسيلة أن يهبهم أزواجاً وذرية صالحين, وهل الأمة إلا هذا وذاك؟! ]
أقول : قال تعالى {"قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (التوبة : 24 )
قال الشيخ حفظه الله [والذين يحلمون بالحصول على كل شيء, ينتهي بهم المطاف إلى خسارة كل شيء؛ فالسُّنّة الربانية صارمة وحاسمة, لا تحابي أحداً, ومن هذه السنن: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا *وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا)[النساء:124,123].]
أقول : قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } (محمد : 7) ، وقال تعالى {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ .... } (الحج : 40) وقال تعالى {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ } (البقرة : 249) ، وقال تعالى {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (آل عمران : 160) ، المجاهدون يحلمون بنصر الله ، ويحلمون بالشهادة ، فإن حصل النصر فهو المطلوب ، وإن حصلت الشهادة فهي – والله – أفضل من كنوز روما والكرملن والبيت الأبيض ..
قال الشيخ حفظه الله [الكلام الطيب طيب, والنية الصالحة صالحة, ولكن الحياة أعقد من هذا وذاك, والتطلعات تصبح أحياناً تمنيات, يقول عن مثلها معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه-: "إِيَّاكُمْ وَالأَمَانِيّ الَّتِي تُضِلُّ أَهْلَهَا" [صحيح مسلم].]
أقول : الأماني أن يقعد الرجال ويتخلفون عن الجهاد ثم ينتظرون أن لا تُهدم المساجد ولا تُهتك الأعراض وأن لا تُسفك الدماء ، هذه هي الأماني .. الأماني أن ينتظر رجال أمة الإسلام إشفاق عباد الصليب عليهم ، وأن تُنصفهم المنظمات الدولية أو أن ينصرهم الحكام المرتدون الذين باعوا دين الناس ودنياهم وأعراضهم ودمائهم للكفار مقابل مظاهر حكمهم الزائفة .. الأماني أن يظن ظان بأن الكفار الصائلين يتركونهم يبنون حضارة أو يقيمون صرحاً أو ينشرون ديناً !! هذه هي الأمانيّ ..
لا يسلم العرض الشريف من الأذى .... حتى يراق على جوانبه الدّم