شهيدنا الثاني:
صاحب ابتسامة هادئة لا تفرق شفتاه
الشهيد بأذن الله: مصطفى سعيد البطش "رحمه الله"
ما كان هذا الدين ليبلغ مشارق الأرض ومغاربها لولا أن الله قيض له أبطالاً ملأ اليقين قلوبهم وملك حب الله نفوسهم وهذب طلب الدار الآخرة شهواتهم حتى أصبحت موازينهم ربانية متعلقة بالله لا كموازين أكثر الخلق. ومن ثنايا الضيق والحرج في واقع شعب فلسطين المرابط يهيئ الله تعالى للأمة شباباً من أمثال مصطفى البطش ليخطوا بدمائهم الزكية طريق النصر المؤزر نحو إعادة الطهر لأرضنا المباركة.
ميلاده ونشأته
ولد شهيدنا المجاهد (مصطفى البطش) في عام 1982م من الفترة الزمنية الماضية، ولقد كان ميلاده نورا أضاء جنات منزل عائلة البطش فرحا بهذا البدر الجديد الذي أطل عليهم.
ومنذ ميلاده، ومع أولى لحظات حياته جاءت فلسطين وألقت بحالها في كيان هذا الطفل، الذي فهم وأدرك –برغم صغر سنه- أن وطنه بحاجة إليه، وبحاجة لمن يدافع عنه ويحرره من المحتلين.
نشأ شهيدنا مصطفى –رحمه الله- في أحضان أسرة ملتزمة من أسر بلدة جباليا، مشهود لها ولأهلها بالخير والصلاح، حيث رباه والده على تعاليم الدين الحنيف، وزرع في نفسه أخلاق وآداب الإسلام العظيم، أما أمه فقد أسقته من حليب العزة والكرامة، وأرضعته لبن حب الجهاد والقتال في سبيل الله، فكبر مصطفى قويا عزيزا، رحيما بإخوانه، شديدا على أعدائه المحتلين.
تعليمه
تلقى شهيدنا مصطفى تعليمه الابتدائي في مدرسة (الرافعي) في البلدة، ثم انتقل بعدها لدراسة المرحلة الإعدادية في مدرسة (أسامة بن زيد) وبعد أن أنهى هذه المرحلة ترك التعليم وتفرغ لمساعدة والده، وإعانته في إعالة البيت، حيث كان يساعده كثيرا في كل أعماله.
كان مصطفى –رحمه الله- محبا لزملائه وأصدقائه الطلاب، حيث أنه كان من المبادرين لمساعدة أي واحدة منهم قد يحتاج للمساعدة، ويقف بجواره، يحب أن يدخل البهجة والسرور إلى قلوبهم، وأن يرى الفرحة على وجوههم.
ومع مدرسيه كان مصطفى شديد الأدب، شديد الاحترام لهم، وكان معروفا عنه أن هادئ، ولا يفتعل أي مشاكل ولا يسبب أي إزعاج لكائن من كان.
صاحب قلب أبيض كبير
وفي حيهم الذي كبر فيه، كان مصطفى شابا محبوبا، يحترمه الجميع ويقدرونه، ويكنون له في قلوبهم معزة خاصة به، فهو -كما عرفوه- صاحب قلب أبيض كبير لا يحمل أي ضغينة لأي أحد، وصاحب ابتسامة هادئة وديعة لا تفرق شفتاه، يفتح بها مغاليق القلوب، ولقد استخدم هو كل هذا في دعوة الناس إلى الخير، حيث أنه كان يحثهم على فعل الخيرات والتقرب إلى الله بالطاعات، وينهاهم عن إتيان المنكر، وفعل ما فيه شر لهم، وكذلك كان يساعد الجميع دون طلب منه، ويشاركهم في كل مناسباتهم.
أنشأ مصطفى -رحمه الله- لنفسه علاقة قوية متينة مع والديه، فلقد كان شهيدنا شديد القرب من والده بحكم عمله معه ومساعدته له، بارا به ومطيعا لأوامره، رحيما بوالدته وعطوفا عليها، منفذا بهذا أمر الله -عز وجل- حين قال " وبالوالدين إحسانا"، فكان شديد الإحسان بهما والطاعة لهما، ولا يؤمرانه أو يطلبان منه شيئا إلا ونفذه.
لم تقتصر هذه العلاقة الأسرية على والديه فحسب، بل امتدت وطالت بقية إخوته، وكذلك أفراد عائلته، حيث أنه كان محبوبا من الجميع لأخلاقه العالية، وأدب الجم الكبير، وكان هو لا يتأخر في تقديم أي مساعدة أو خدمة يحتاجها منه أحد منهم، وكان يشاركهم في كل مناسباتهم من أفراح أو أتراح.
انضمامه إلى صفوف حماس
التحق شهيدنا مصطفى –رحمه الله- بصفوف حركة المقاومة الإسلامية –حماس- بعد أن التزم في مسجد الإحسان، حيث انه كان شديد الحب لإخوانه الشباب الذين في المسجد، وكان يقضى كل وقته معهم، وبدأ يتلقى على يد دعاة ومشايخ الحركة في المسجد الدورات والدروس الدينية إلى أن أصبح أحد أبناء جماعة الإخوان المسلمين.
شارك مصطفى إخوانه في المسجد في جميع النشاطات والأعمال الدعوية التي كانوا يقومون بها، حيث أنه كان يعمل في أغلب لجان المسجد، الدعوية والاجتماعية ولجنة العمل الجماهيري، باذلا وقته ونفسه وماله كله في سبل الله وفي سبيل خدمة هذا الدين ونشر هذه الدعوة.
شارك شهيدنا مصطفى –رحمه الله- في جميع نشاطات الحركة من مسيرات ومهرجانات ولقاءات وندوات، بارا بهذا عهده وبيعته، وضاربا أروع الأمثلة في الولاء لحركته.
حياته الجهادية
انضم شهيدنا مصطفى –رحمه الله- إلى صفوف مجاهدي القسام في عام 2004م ، وذلك بعد أن قام بالطلب من قيادة القسام وبإلحاح شديد أن يتم تجنيده ضمن صفوف المجاهدين، وأمام رغبته العارمة وصدقه في طلبه وافق إخوانه في قيادة القسام على طلبه، وتم تجنيده في صفوف مجاهدي القسام.
وما أن انضم مصطفى إلى صفوف القسام، حتى انطلق برفقة إخوانه المجاهدين، يذيقون العدو الموت الويل في كل الميادين، ويقفون في وجهه حصنا منيعا صعب عليه تجاوزه أو تخطيه، وبرغم قلة عددهم وعدتهم أمام ما يمتلكه عدوهم من عدد وعدة وسلاح متطورة جدا، إلا أنهم كانوا يحملون في صدورهم ما هو أعظم وأقوى من كل سلاح، كانوا يحملون عقيدة يقاتلون بها، وإيمانا رسخ في قلوبهم أن نصر الله لهم قريب، وأن الله معهم وسيمكنهم من عدوهم، ولذلك كانوا يتقدمون إلى ساحات الجهاد والقتال لا يخافون ولا يهابون شيئا، فإما نصر وتمكين، وإما شهادة وجنات نعيم.
وخلال فترة جهاده التي قضاها شهيدنا ضمن صفوف القسام، شارك مصطفى –رحمه الله- في العديد من المهام الجهادية والتي كان أبرزها :
1) الرباط الدوري على حدود وثغور منطقة جباليا البلد، يترصد عدوه المحتل، ويحمي شعبه من غدره.
2) شارك في صد العديد من الاجتياحات التي كانت تستهدف المنطقة الشرقية لبلدة ومخيم جباليا.
3) شارك في نصب وإعداد العديد من العبوات التي كانت تستهدف الآليات والقوات الصهيونية.
4) كان أحد أبطال وحدة المشاة التي تخوض الاشتباكات وتصد الاجتياحات.
كان مصطفى –رحمه الله- كما يصفه إخوانه المجاهدون يتمتع بروح أخوية وأخلاق عالية، محبا لعمله الجهادي، حتى أنه كان ينتظر ليلة رباطه كما ينتظر العريس ليلة زفافه، يشتاق للرباط على الثغور، ولمواجهة عدوه المحتل الغاصب.
زفافه للحور العين
في ليلة الثاني عشر من شهر حزيران يونيو من عام 2008م، خرج شهيدنا مصطفى –رحمه الله- للرباط على ثغور بلدة جباليا، وفي تمام الساعة العاشرة والنصف كان مصطفى على موعد مع أمنيته التي لطالما تمناها، ومع تحقيق حلمه بالاستشهاد والموت في سبيل الله، حيث أنه كان يجلس في أحد الخنادق المعدة للرباط،، ويجلس في الخندق المجاور له، كلا من (موسى حمودة – ومحمود خضر).
وفي هذه الأثناء حلقت طائرة استطلاع صهيونية في المنطقة وقامت برصد الخندق الذي يكمن فيه كلا من (موسى ومحمود)، فأطلقت صاروخها باتجاههما، الأمر الذي أدى إلى استشهادهما على الفور، وخرج مصطفى من خندقه محاولا إسعافهما، ولما تأكد أنهما قد استشهدا تستر بشجرة موجودة في المكان، لكن الطائرة كانت قد رصدته، فأطلقت باتجاهه صاروخا أدى إلى استشهاده هو الآخر.
ونال مصطفى ما تمنى، نال الشهادة في سبيل الله، مقدما غير مدبر، ولحق بإخوانه وأحبابه من الشهداء الذين سبقوه إلى الجنان، ليكون اللقاء هناك بإذن الله رب العالمين.
...نحسبه شهيدا عند الله ولا نزكي على الله أحدا...
..رحم الله شهيدنا وأسكنه فسيح جناته...
...وإنا على دربه الذي قضى فيه شهيدا، درب الجهاد والمقاومة لسائرون بإذن الله...
صورة الشهيد:
الى اللقاء في جنات الفردوس ان شاء الله..
لقائنا غدا مع شهيد اخر وفارس من فرسان المقاومة ان شاء الله
في امان الله
يتبع بأذن الله...