اذا أرسل الله الرسل فان الناس يكونون بين أمرين ،اما أن يقول أحدهم آمنا واما أن لا يقول آمنا ويستمر علي عمل السيئات .أما الذي يقول آمنا فان الله سيمتحنه ويبتليه لبين الصادق من الكاذب .
ومن آمن بالرسل وأطاعهم فان الناس ستعاديه ويؤذي ويبتلي بالذي يؤلمه واذا لم يؤمن عوقب في الآخره فيحصل له ما يؤلمه بشكل أعظم وأدوم .فلابد من حصول الألم للنفس البشريه سواء آمنت أم كفرت .ولكن المؤمن يحصل له الألم في الدنيا ابتداء ثم تكون له العاقبه في الدنيا والآخره .أما الكافر فتكون له النعمه في الدنيا ثم يصير الي الألم الأبدي في الآخره.
وقد سأل رجل الشافعي فقال "يا أبا عبد الله أيما أفضل للرجل أن يمكّن أو يبتلي ؟ فقال الشافعي لا يمكن حتي يبتلي .فان الله ابتلي نوحا وابراهيم وموسي وعيسي ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم فلما صبروا مكنهم الله .فلا يظن أحد أن يخلص من الألم البته وهذا أصل عظيم ينبغي للعاقل أن يعرفه .
وهذا يحصل لكل أحد لأن الانسان مدني بطبعه لابد أن يعيش بين الناس. والناس لهم تصورات وايرادات ويطلبون منه أن يوافقهم عليها فان لم يوافقهم آذوه وحاربوه وعذبوه . بل انهم لايتمكنون مما يريدون الا بموافقة هؤلاء.أو بسكوتهم عن الانكار عليهم .فيطلبون من أولئك الموافقه أو السكوت حتي يسلموا من شرهم ،كمن يجبر علي قول شهادة الزور والا سينال العذاب والأذي .أو يعين أهل الملك والسلطه في تنفيذ أغراضهم الفاسده أو يعين أهل البدع علي بدعهم .فأما من هداه الله وأرشده امتنع عن فعل المحرم وصبر علي أذاهم وعداوتهم ،ثم تكون له العاقبه في الدنيا والآخره كما جري للرسل وأتباعهم وعلماء الأمه .
ففي حديث عائشه رضي الله عنها الذي بعث الي معاويه "من أرضي الله بسخط الناس كفاه الله مؤونة الناس"
والابتلاء يكون في السراء والضراء أي أن الانسان لابد أن يبتلي بما يسوؤه ويسره لذا يحتاج هنا أن يكون صبورا شكورا .فقد قال جل علاه (وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون )سورة الأعراف .وقال سبحانه وتعالي (أم حسبتم أن تدخلو الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين )سورة آل عمران .
فالنفس البشريه تحتاج للابتلاء لتصفو وتزكوا . فالنفس الجاهله تجر الظلم والعذاب لها ،قال تعالي ( ربنا ظلمنا أنفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ) سورة الأعراف . فالمرء يظلم نفسه بمخالفة طريق الحق واتباع هوي النفس .فقد قال تعالي (فاصبر ان وعد الله حق ولا يستخفنك الذي لا يوقنون) سورة الروم .فالقلب الخفيف لا يثبت بل يطيش وصاحب اليقين قلبه ثابت مستقر قولا وعملا .وهذا لايقتصر علي أهل الضلال فقد يكون علم العبد جيدا لكن نفسه لاتصبر عند المصائب . بل تهتز وتقنط لأبسط الامور لجهلها بأنها في امتحان اما الثبات والفوز بالجنه واما الفشل والخسرا ن في الدار الآخره لا حول ولا قوة الا بالله .
فعلينا أخذ الحرص و الحيطه لمن يتربص بنا ومن أخذ عهدا علي نفسه بأن يضللنا و أن يملأ النار منا أجمعين .لذلك نحن مطالبون أن ندعوا الله مخلصين أن يلهمنا االيقين والثبات علي ما نواجه من ابتلاءات وأن لانكون عباد لهوي النفس والشهوات وأن لا نحقق وعد بليس (بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين الا عبادك منهم المخلصين )سورة الحجر.
وأخيرا وليس آخرا لنتوجه الي الله سبحانه وتعالي بهذا الدعاء.
اللهم أنت ربي لا اله الا أنت ،خلقتني وأنا عبدك وأنا علي عهدك ووعدك ما استطعت ،أعوذ بك من شر ما صنعت ،وأبوء لك بذنبي ،فاغفر لي انه لايغفر الذنوب الا أنت .
ودمتم أختكم النقاء